30 يونيو لم تكن مجرد حركة احتجاجية، بل كانت لحظة عبور حقيقية من الفوضى إلى الاستقرار، ومن الضياع إلى البناء، ومن الانقسام إلى دولة موحدة تحت راية وطنية خالصة. لذا كانت 30 يونيو قرارًا شعبيًا مصيريًا، تفاعل معه الجيش الوطنى بحكمة ووعي، إدراكًا منه لطبيعة التحدي، وضرورة إنقاذ الدولة من مصير الفشل والانهيار، فلو لم يكن هناك جيش قوي، مؤسسي، محترف، مرتبط بشعبه وملتزم بعقيدته القتالية الراسخة، لما كُتب لتلك الثورة أن تنجح. القوات المسلحة لم تكن مجرد طرف فى المعادلة، بل كانت الركيزة الحاسمة التى استند إليها الشعب المصرى فى انتفاضته ضد مشروع استبدادى كان يسعى للهيمنة على الدولة وتفكيك مؤسساتها لحسابات خارجية. إنها لحظة إعادة ضبط للمسار الوطني، انطلقت بعدها الدولة فى تنفيذ مشروع متكامل لإعادة بناء قدراتها الاستراتيجية، وفى القلب من ذلك: تطوير الجيش المصرى ليواكب التهديدات المعاصرة والإقليمية والدولية. خلال سنوات قليلة، استطاعت القوات المسلحة أن تحقق طفرة نوعية فى مجالات التسليح، والتدريب، والتخطيط الاستراتيجي، حتى أصبحت اليوم أحد أقوى الجيوش فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وأكثرها قدرة على الردع والتأثير. ما جرى بعد 30 يونيو يؤكد أن الأمن القومى لم يعد يُدار بالوسائل التقليدية فقط، بل أصبح يتطلب تفكيرًا شاملاً، يدمج بين القوة الصلبة والناعمة، ويواكب التطورات التكنولوجية والاستخباراتية. ولذلك، فقد كان من الضرورى تطوير منظومة القوات المسلحة لتشمل الذكاء الاصطناعي، والحرب الإلكترونية، والمعلوماتية، وتطوير القواعد العسكرية، وبناء منظومة صناعات دفاعية وطنية. كل ذلك لم يكن ممكنًا لولا الانطلاقة التى أتاحتها ثورة 30 يونيو، التى أعادت الثقة بين الشعب ومؤسساته، وأعادت الاعتبار لدور الجيش الوطنى كمؤسسة حامية للدولة، وليست طرفًا فى أى صراع سياسي. المعادلة الذهبية التى أنقذت مصر كانت فى تلاقى إرادة الشعب مع حكمة القيادة واحترافية الجيش. هذا التلاقى هو ما جعل 30 يونيو ليست فقط ثورة إنقاذ، بل أيضًا منصة انطلاق نحو بناء الجمهورية الجديدة، التى تقوم على أسس من الانضباط، والاستقلال، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، واحترام مؤسسات الدولة. وفى ظل المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة التى نراها حولنا من حروب لا تتوقف أصبحت مصر لاعبًا رئيسًا لا يمكن تجاهله فى معادلات الأمن الإقليمي. بفضل جيشها القوي، ومؤسساتها المستقرة، باتت الدولة المصرية قادرة على مواجهة التهديدات، وعلى الحفاظ على أمنها القومى بمفهومه الشامل، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا ومعلوماتيًا. إن قراءة المشهد المصرى بعد 30 يونيو تعيد تأكيد الحقيقة الأساسية التى بات يدركها الجميع: أن الدول لا تُبنى بالصدفة، وإنما تُبنى بالوعي، والإرادة، والدم، والعلم. وأن مصر بعد 30 يونيو لم تعد هى نفسها قبلها، فقد استعاد الوطن هويته، واسترد المواطن ثقته، وعادت المؤسسات لتؤدى دورها فى خدمة الشعب، بقيادة عاقلة وجيش وطنى لا يعرف التخاذل.