فى واحد من أرقى شوارع القاهرة حى جاردن سيتى يقع مقر «جمعية محبى الفنون الجميلة» ترجع قصة تأسيس الجمعية الى بدايات القرن الماضى بعد سنوات من الحرب العالمية الاولى، تأسست الجمعية 1922 أقدم مجتمع فنى بمصر والشرق الأوسط، لعبت الجمعية دوراً حيوياً فى دعم حركة الثقافة المصرية، منذ أن شمَلتها الرعاية الملكية وصولا برعاية الدولة. تقدم المعارض والمسابقات الفنية، والندوات، والاحتفاليات الثقافية، وتُسهِم فى صياغة ملامح الفن المصرى الحديث، وتَمُد جسور التلاقى الثقافى مع الغرب، على امتداد الربع الثانى من القرن العشرين. تستعد الجمعية الآن بالعديد من الفعاليات الفنية احتفالا بالمئوية وهى: مسابقة الطلائع الدورة (62)، مسابقة النقد الفنى الدورة (8)، صالون القاهرة (60). وقد تم نشر الفعاليات والمسابقات على صفحة جروب «جمعية محبى الفنون الجميلة»، وبصفحة «مئوية محبى الفنون الجميلة»، وأهدت الفنانة مصممة الجرافيك «مى نوار» تصميم لوجو خاص بالمئوية، وأيضا وبالتزامن مع مئوية الجمعية أصدرت هيئة البريد، طابعا تذكاريا. الأمير يوسف كمال على مدار 100 عام كم من عظماء وفنانين ومثقفين تقلدوا منصب رؤساء مجلس الإدارة، ويرأس مجلس إدارتها حاليا الفنان القدير الدكتور أحمد نوار الذى أخذ على عاتقه مسئولية الجمعية تجاة الحركة الفنية المصرية والعربية، وأعطى للجمعية الرعاية الكاملة من اجل الحافظ على تراثها الفنى والتاريخى. عن تاسيس الجمعية تحدث الناقد الفنى والمؤرخ دكتور «ياسر منحى»: «الأمير «يوسف كمال» أكبر رعاة الفنون فى مصر، ومؤسس «مدرسة الفنون الجميلة» 1908, وأن «محمد محمود خليل»، رئيس مجلس الشيوخ المصرى ما بين عامَى 1939 و1940، وصاحب المتحف الشهير بالقاهرة، كان أول أمينٍ عامٍ لها، «يوسف قطاوى» وزير مالية مصر كان أول أمينٍ لصندوقها، و«شريف صبري» باشا ما بين عامَى 1936 و1937، كان نائباً لرئيسها لمدة طويلة، وأن كلاً من السيدة «هدى شعراوى» رائدة الحركة النسائية، والأميرة «شويكار»، كانتا من بين ممثلات اللجنة النسائية المشرفة على تنظيم معارض الجمعية الأولى. أول صالون فنى سنوى بمصر أقيم «صالون القاهرة» فى عام 1923 – وهو أهم معارض الجمعية، وأول صالون سنوى للفنون فى مصر كان تحت رعاية الأميرة «سميحة حسين»، كريمة السلطان «حسين كامل»، التى كانت فنانة متمكنة، اشتركت فى عروض الجمعية الأولى أكثر من مرة. أما الأمير «محمد على توفيق»، نجل الخديو «توفيق اشترك فى معرض الجمعية الأول بلوحات من أعماله. كانت معروضات الجمعية فى «صالون القاهرة» الرابع1927 نواة للمتحف. أشهر معارض الجمعية فيما يخص المعارض على سبيل المثال استضافة الجمعية عام 1925 المسيو «ميجون» أمين متحف «اللوفر»، لإلقاء محاضرة فى القاهرة عن الفن الإسلامى، واستضافتها معرضاً للفن الإيطالى، ومعرضاً للكتاب البلجيكى عام 1927، وتنظيمها معرضاً دولياً للتصوير الفوتوغرافي، استمرت دوراتُه من عام 1933 إلى عام 1950، وكان يشارك فيه ألمع فنانى الفوتوغرافيا على مستوى العالم، وتنظيمها معارض للفن الفارسي، خلال الأعوام 1935 و1943 و1945، تضَمَّنت بدائع من المقتنيات المتحفية ومجموعات مشاهير المُقتَنين. كما استضافت فى عام 1939 نخبةً من أعمال النحات العالمى «رودان»، أرسلها متحفُه خصّيصاً للقاهرة، وتنظيمها معرضاً دولياً للفن المعاصر عام 1947، ومعرضاً بعنوان «مصر - فرنسا» أقيم عام 1949 بمتحف «اللوفر»، واستضافتها عام 1953 معرضاً لأعمال الفنان الأشهر «ليوناردو دافنشي»، هذا بخلاف دورات «صالون القاهرة» السنوي، و»معرض الطلائع» لشباب الفنانين، اللذَين لمع بفَضلِهما العديدُ من فنانينا على مدى أكثر من نصف قرن، وأثرَوا تاريخ الحركة الفنية المصرية.
تأسيس متحف الفن الحديث ويستكمل «منحى» الحديث عن تاريخ الجمعية: أراد الملك «فؤاد» إقامة متحفٍ للفن الحديث، عَهِد بذلك إلى «محمد محمود خليل» بك، الذى سافر مرات عِدة لأوروبا، لاقتناء أعمال للمتحف الجديد، الذى استقر به المطاف حاليًا ب»متحف الجزيرة» الواقع بأرض الأوبرا. فكر «خليل» سنة 1925 – وكان يشغل وقتها منصب رئيس «جمعية محبى الفنون الجميلة» - فى شراء بعضِ تحفٍ، مما كان يُعرَض ب»صالون القاهرة»، من إنتاج الفنانين المصريين والأجانب بمصر، لحساب وزارة المعارف، «فبدأ فى ذلك العام بشراء 29 لوحة من التصوير بالألوان الزيتية والمائية، و11 آنية وصحناً من الخزف من الإنتاج المحلى، ودفعت الوزارة فى ذلك مبلغ 504 جنيهات، وقد قام «خليل» باختيار هذه المقتنيات بمشاركة بعض أعضاء الجمعية وكبار الفنانين وقتئذٍ، وخُصِّصَت قاعة بجمعية محبى الفنون الجميلة لهذا الغرض، فكانت هذه القاعة نواة للمتحف. وفى العام الذى تلاه 1926 – 1927 كان عدد المقتنيات التى اختيرت 43 لوحة وتمثالاً واحداً، دفعت الوزارة فيها 707,5 جنيه». واستمرت عملية الاقتناء على هذا المنوال، وكان المتّبَع عند شراء تحفٍ من أوربا أن يشترك مع رئيس جمعية محبى الفنون الجميلة، «محمود فخرى»، وزير مصر بفرنسا آنذاك، فى الاختيار من الخارج. «وفى عام 1927 – 1928 اقتنت الوزارة صوراً وتماثيل من مصر والخارج بمبلغ 931,5 جنيه. ولما أنشأت الوزارة «إدارة الفنون الجميلة» - أو «مكتب الفنون الجميلة» - سنة 1928، وعينت المسيو «هوتكير» مديراً لها، انضم إلى «خليل» و«محمود فخري» فى اختيار التحف». واستكمل «منجى»: وفى عام 1927، صدر مرسوم ملكى بتشكيل لجنة استشارية للفنون الجميلة، تتبع وزارة التربية والتعليم (المعارف العمومية وقتَئذٍ)، فدعت إلى إنشاء «متحف الفن الحديث» فى القاهرة، بجمع ما يُعرَض فى الخارج وما يقدم فى المعارض بالقاهرة، من أعمال الفنانين المصريين والأجانب المقيمين فى مصر، انطلاقاً من عام 1927، وفيه نظّمت «جمعية محبى الفنون الجميلة» «صالون القاهرة» الرابع، الذى كانت معروضاته نواة هذا المتحف. وأُسنِدَت رئاسة اللجنة الاستشارية للفنون الجميلة إلى «محمد محمود خليل»، للعمل مع «مكتب الفنون الجميلة». «وتجمعت المقتنيات ب«سراى تيجران»، إلى أن استأجرت الوزارة «سراى موصيري» بشارع 26 يوليو، (على ناصية شارعى فؤاد الأول وعماد الدين)، فى شهر فبراير من عام 1931، وقد بلغ عدد المعروضات 549 قطعة بمبنى عائلة «موصيرى»، وصدر أول دليل للمتحف فى عام 1935، وكان يقع فى حوالى 224 صفحة علاوة على 82 صفحة لصور بعض المقتنيات»، ومنذ ذلك التاريخ حرصت الدولة على الاقتناء من المعارض، وشُكِّلَت لجنة بقرار وزارى أصدره «نجيب الهلالي» وزير المعارف عام 1934 – 1935، على النحو الآتى: «شريف صبري» (شقيق الملكة السابقة «نازلى»)، و»حافظ عفيفي» (وزير مفوض بلندن سابقاً)، و»محمد محمود خليل» (رئيس جمعية محبى الفنون الجميلة)، و«روبرت جريج» (المندوب البريطانى بصندوق الدين)، والمهندس «مصطفى فهمى»، و«شارل تيراس» (مراقب الفنون الجميلة بالوزارة)، و»كاميللو إينوشنتى» (مدير مدرسة الفنون الجميلة)، والفنان «محمد حسن» (بالتعليم الفنى وناظر مدرسة الفنون الزخرفية)، والفنان «روجيه بريفال» (رئيس قسم التصوير بمدرسة الفنون الجميلة)». ثم انتقل المتحف إلى «سراى البستان» فى فبراير من عام 1936، ثم أُخلِىَ القصر ليصبح مقراً لجامعة الدول العربية، وفى عام 1939 عُدِّل تشكيل لجنة المقتنيات فى عهد «محمد حسين هيكل»، الأديب المعروف ووزير المعارف حينئذٍ، وكانت تتألف من: «محمد محمود خليل»، و»كامل غالب»، و»محمود سعيد»، و»جورج ريمون»، و»محمد حسن» (أمين متحف الفن الحديث آنئذٍ)». وفى مايو من عام 1940 نظمت «جمعية محبى الفنون الجميلة» معرضاً للمقتنيات الفنية الحديثة، بعد إعادة تنظيم صالات «متحف الفن الحديث»، عندما كان الفنان السكندرى «محمد ناجى» مديراً له. وانتقل المتحف إلى فيلا «زوغيب» بشارع «قصر النيل» رقم 4، وكان قصراً تطل حديقته الواسعة على «شارع شامبليون» شمالاً، وفى الحديقة شغلت مكتبة الفن جناحاً مستقلاً، بينما شغل المتحف الدورين المطلين على «شارع قصر النيل» جنوباً. وقد صدر بعدئذٍ «قرار وزارى بتاريخ 2/12/1952 بإعادة تشكيل اللجنة، فى الفترة التى تولى فيها «محمد فؤاد جلال» وزارة التربية، وكانت تتألف من: «محمد عبدالهادي»، وعميد كلية الفنون الجميلة، وعميد كلية الفنون التطبيقية، ومراقب عام الرسم، ومراقب عام الفنون الجميلة، ومدير متحف الفن الحديث». وظلت «فيلا زوغيب» مقراً للمتحف، إلى أن هُدِمت فى نهاية عام 1963. وأُعيد تنظيم بعض المقتنيات فى فيلا صغيرة بحى الدُقّي، إلى أن تم البناء المخصص لمتحف الفن الحديث بأرض المعارض بالجزيرة». وفى عام 1965 صدر قرار وزارى بتأليف لجنة المقتنيات الفنية، من كُلٍّ مِن: وكيل وزارة التربية، والمصور «محمود سعيد»، والخزاف «أحمد يوسف»، والمصور «صلاح طاهر»، والنحات «عبد القادر رزق»، والنحات «جمال السجينى»، والخزاف «سعيد الصدر»، والمصور «سيف وانلى»، ومُعلم الفنون الرائد «حسين يوسف أمين». ملكية عرش «محمد على» وعن قصة اقتناء الجمعية ل «عرش محمد على» قال «منجى»: «نرجع بالزمن حوالَى خمسة وثمانين عاماً، لنتعرف على شخصيةٍ فذّة، لعبت دور البطولة فى وقائع اقتناء «جمعية محبى الفنون الجميلة» عرش «محمد علي»، لِيُعرَضَ لأكثر من عشر سنوات فى واحدٍ من متاحف مصر الشهيرة، كان تابعاً لإدارة الجمعية آنذاك، وهو «متحف الشمع المصري». كان ذلك الفَذّ هو «فؤاد عبد الملك» (1878 – 1954)، سكرتير الجمعية منذ تأسيسها إلى وفاته، وهو عبقرى مَنسِيٌّ، أسدى للفن المصرى خدمات جليلة، كان من بينها تأسيس هذا المتحف، الذى ظل لسنوات يطاول أشهر متاحف الشمع فى العالم، قبل أن يَؤولَ حالُه إلى ما هو عليه الآن. كان «فؤاد عبد الملك» رجُلاً فَذّاً طَموحاً؛ إذ كان من أوائل المستثمرين فى صناعات منتجات الألبان، وصناعة الأثاث الفاخر، كما كان فناناً يجيد الرسم والتصوير الفوتوغرافى، ورحّالة جابَ أقطار الأرض شرقاً وغرباً. وفى عام 1919عاد من جولةٍ له بأروبا، وأسس داراً للفنون والصنائع، ودعا إلى تنظيم معرض بمقر مؤسسته تحت رعاية السيدة «هدى شعراوي»، اشترك فيه الفنانون الرواد: «محمود مختار» و«محمد حسن»، و«راغب عياد»، و»يوسف كامل»، و«محمود سعيد»، و«محمد ناجى»، وغيرهم من طليعة فنانينا الأوائل. وقد شهد هذا المعرض نجاحاً عظيماً، وكان مِن أبرز من اقتنوا بعض أعماله: الأمير «يوسف كمال»، والزعيم «سعد زغلول»، و«حسين رشدى» باشا، و»عدلى يكن» باشا. ولبراعته الفائقة فى تنسيق المعارض بأنواعها، عَهِدت إليه دولٌ غربية، منها فرنسا وروسيا وإنجلترا، بتنظيم بعض معارضها الصناعية، وهو ما دفع ب«الجمعية الزراعية الملكية» المصرية بِدَورِها لأن تعهَد إليه عام 1926 بتنظيم أجنحتها السنوية فى «المعرض الزراعى الصناعى الدولي» بالقاهرة، الذى كان مَقصداً لدول العالم فى عصرِه الذهبي. وبفضل هذه البراعة ذاتها، نال «فؤاد عبدالملك» «وسام جوقة الشرف» (الليجيون دونير) Légion dHonneur من الحكومة الفرنسية؛ تقديراً لاضطلاعه بتنظيم معرضٍ للفن الفرنسي، فى قاعات «جمعية محبى الفنون الجميلة»، بلغ مجموع قيمة معروضاته مليونَى جنيه بتقدير عام 1928. وفى صيف 1934، أنشأ «فؤاد عبدالملك» متحف الشمع، الذى سُمّى عند بداية إنشائه باسم «المتحف التاريخى المصري»، وكان يحتل عند إنشائه قصر «تيجران» بشارع «إبراهيم باشا» – وهو نفسُه القصر الذى سبق وأن استضاف أولى مجموعات «متحف الفن المصرى الحديث» منذ عام 1927 - ثم انتقل «متحف الشمع» فى 1937 إلى مقرٍ بشارع «القصر العينى»، قبل أن يُهدَم هذا المقر فتُنقَل محتويات المتحف إلى حلوان بمقره الحالي، الذى افتُتِح فى 6 أغسطس 1955، بعد رحيل مؤسِّسِه بعامٍ تقريباً. وتبدأ أولى الإشارات إلى وجود «عرش محمد علي» ضِمن مقتنيات «جمعية محبى الفنون الجميلة» عام 1936، أى بعد تأسيس «متحف الشمع» بحوالى عامَين؛ وهى إشارة ورَدَت فى سياق احتفاء الصُحُف والمجلات المصرية بهذا المتحف الجديد الفريد آنذاك. وبمجلة «المصور»، فى عددها الصادر بتاريخ 4 سبتمبر من عام 1936؛ إذ تُطالعُنا فى صفحتها الخامسة والعشرين صورةٌ فوتوغرافية، مصاحِبة لتحقيقٍ قصير بعنوان «جولة فى متحف الشمع». وتتضمن الصورة مشهداً بدا فيه تمثال «محمد علي» الشمعى، جالساً على كرسى عرشه المُذَهَّب، وقد وقف أمامه تمثال ابنه الفاتح «إبراهيم باشا». وإذا بالتعليق المكتوب أسفل الصورة، يوضح لنا أن كرسى العرش البادى فى المشهد هو بنفسه عرش «محمد علي» الأصلي، وأنه صار من مقتنيات «جمعية محبى الفنون الجميلة»؛ إذ نقرأ فى التعليق ما نَصّه: «وهذا العرش الذى يجلس عليه محمد على من الخشب المُذَهَّب، وقد اشترته إدارة متحف جمعية الفنون الجميلة من مخلفات سراى شبرا، التى كان يسكنها محمد على. بادَر «فؤاد عبدالملك» – بما هو متأصِّلٌ فى شخصيته من حنكة ومبادرة لاقتناص الفُرَص – إلى شراء العرش من المزاد المذكور، ليُعرَضَ بِوَصفِه أقيَمَ محتويات متحفِه الجديد، فى مقر سراى «جمعية محبى الفنون الجميلة» بقصر «تيجران». انتبه الملك «فاروق» إلى وجود عرش جده الأكبر بحوزة «فؤاد عبدالملك»، الذى كان يعتَزِم بيعَ العرش آنذاك، ليتخذ «فاروق» بدورِه قراراً فاصلاً فى هذا الشأن. ففى عددها رقم 1178، الصادر بتاريخ 25 إبريل 1947، وفى صفحتها الخامسة عشرة، تعودُ مجلة «المصور» لمناقشة الواقعة. وأن الملك «فاروق» سعى لاستعادة مقتنيات أجداده ونقل العرش الى قصر «الطاهرة» وبعد ثورة يوليو انتقل إلى واستقر العرش «قصر الجوهرة» بالقلعة. prince_youssef_kemal_(1) الفنان_احمد_نوار لوحة