رصدت بيانات حملة وزارة التضامن الاجتماعى، «بالوعى مصر بتتغير للأفضل»، أن زواج الفتيات فى سن صغيرة كان واضحًا بنسبة كبيرة فى قرى محافظتى أسيوطوسوهاج، بالمقارنة بقرى المنيا وبنى سويف التى ركزت الحملة عملها فيها، وهو ما أكدته بيانات استمارات السيدات اللآتى التى استفدن من الحملة التى شملت المحافظات الأربع فى مراكز المبادرة الرئاسية حياة كريمة. ترتفع نسب زواج الأطفال طبقاً للمسح الصحى السكانى 2014 وإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى ريف الوجه القبلى الذى تنخفض فيه نسب تعليم الفتيات وترتفع نسب الفقر وقلة فرص العمل خاصة للسيدات والفتيات. نستعرض فى هذا الملف ضمن فعاليات حملة وزارة التضامن الاجتماعى لمناهضة زواج الأطفال تحت شعار «جوازها قبل 18 يضيع حقوقها» والذى تنفذ بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائى وبمساهمة الاتحاد الأوروبى وسفارة المملكة المتحدة الأضرار الناجمة عن ممارسة زواج الأطفال من أرض الواقع، وفى سياق متصل نستعرض أيضًا نموذجًا إيجابيًا لأسرة استطاعت أن تهزم ظروفها القاسية وتصل بأولادها إلى بر الأمان من خلال الإصرار على التعليم والعمل. وما يلفت الانتباه أكثر فى محافظتى سوهاجوأسيوط هو انخفاض سن الخطوبة أو الزواج إلى 12 سنة و13 سنة فى بعض القرى، وهو أقل سن فى زواج الأطفال الذى يرتفع إلى 15 و16 فى قرى محافظات أخرى، وإن كان كله يندرج تحت المسمى القانونى «زواج أطفال لم يبلغوا الحد الأدنى لسن الزواج فى القانون وهو 18 سنة». وخلال أنشطة الحملة المتعددة تجد بعض الطفلات المخطوبات أو المتزوجات حديثا، الفرصة للحديث عن معاناتهن الشخصية، أو معاناة الأخت التى تزوجت فى سن صغيرة والخوف عليها، والخوف من نفس مصيرها، وتحكى الأمهات عن اضطرارهن للموافقة على تزويج الابنة فى سن 13 سنة، والظروف التى تدفعهن لذلك. فى جناح «وعى للتنمية المجتمعية» بالحملة، فوجئت الرائدة إيمان مصطفى، ابنة قرية الردينة بمركز أبوتيج بمحافظة أسيوط، أن بعض الفتيات فى قرى منفلوط يتزوجن فى سن 11 سنة، خلال كتابتها لبيانات السيدات اللاتى يتوقفن عند جناح «وعي» بالحملة. إيمان التى تعمل فى العمل التنموى منذ عشرين عامًا، فى قرى أبو تيج، فوجئت بفتاة تقف أمامها ببطاقة رقم قومى صادرة قبل أيام، وتقول بياناتها أنها آنسة وتبلغ 16 سنة، لكن الفتاة تقول: إنها متزوجة ومعها ثلاثة أطفال، أكبرهم فى عمر 4 سنوات. تكمل إيمان: لم تستطع الفتاة أن تكتب فى بطاقتها الشخصية أنها متزوجة، لأنه ليس لديها قسيمة زواج موثقة، والمشكلة لا تتوقف عند هذا، ففى بعض الوحدات الصحية، يرفضون تسجيل الطفل دون قسيمة زواج، فنجد أن بعض الأطفال يسجلون بأسماء أعمامهم بدلًا أو باسم الجد بدلًا من الأب الحقيقى. تسأل إيمان سيدة أخرى، عن بناتها وحالتهن الاجتماعية، فتذكر لها السيدة التى تزوجت فى سن 13 سنة، أن لديها ابنة تزوجت السنة الماضية وتبلغ 13 سنة، والأخرى 12 سنة ومخطوبة، وباقى البنات السبعة ما زلن صغارًا، وقد اضطرت لأن تنجب 9 بنات حتى رزقها الله بالولد. فتسألها إيمان : ليه تعملى كده فى بناتك وإنت مجربة التعب؟ فترد السيدة بكل أسى: «حمل يتشال من على وشى يابنتى، توفر لى أكلها وشربها، وبعدين هو ابن خالها ومش هيهملها ولا يهينها». فترد إيمان: «لو حصل له حادثة لا قدر الله، هتكتبى إزاى أنه زوج بنتك». «قبل 18 ..طفلة» بحسب القانون، يعرف الزواج المبكر أو زواج الأطفال، بأنه «كافة أشكال الزواج بين ذكر وأنثى لم يبلغ أحدهما أو كليهما 18سنة»، ويمنع القانون المصرى توثيق عقد الزواج إلا بعد بلوغ سن 18 سنة لكل من الذكر والأنثى. «سن 18 سنة» هو سن تعريف الطفولة فى الدستور والقانون المصري. هذا الزواج غالبًا ما يتم بموافقة أولياء أمور الأطفال، وفى بعض الأحيان جبريا، وفى أحيان أخرى لأغراض الاستغلال الجنسى والاتجار فى البشر. الإسلام والمسيحية يرفضان زواج الأطفال، لأنه انتهاك لحقوق الطفولة فى التعليم والصحة والحماية، وينشئ أسرًا مفككة وجيلًا ضعيفًا. فى احدى قرى سوهاج، تزوجت«حبيبة» من ابن عمها، «زواج مشهر» دون عقد زواج رسمي«قسيمة زواج رسمية»، لأنها لم تتعد 16 سنة وسن التوثيق الرسمى 18 سنة، عاشت حبيبة فى بيت أهل زوجها وسط فرحة كبيرة بوجودها بينهم. بعد شهور قليلة، سافر زوج حبيبة إلى عمله فى السعودية، وتركها حاملًا، لكن شاء القدر أن يتوفى وهو فى الطريق إلى عمله، وأصبحت حبيبة أرملة، وما زال ابنها لم ير النور بعد، وهى فى نظر القانون والأوراق الرسمية ما زالت طفلة، ليس لديها أوراق رسمية تثبت حقها وحق جنينها فى ميراث زوجها. وبدلا من أن يحتضنها عمها وزوجته، «والد زوجها وأمه» اعتبرا أن حبيبة «وشها نحس وشؤم على ابنهم»، وبدلا من أن يعتبروا أن الحفيد القادم هو تعويض عن غياب الابن، ألقوا بحاجيات حبيبة من الطابق العلوى إلى الشارع، وطردوها من بيتهم. لتعود حبيبة إلى بيت أهلها، ويضطر والدها أن يستخرج للطفل شهادة ميلاد باسمه، بعد أن رفض أخوه الاعتراف بحفيديهما، ويصبح ابن حبيبة «أخًا» لها فى الأوراق الرسمية. أميمة عبدالعاطى: الشغل بيغير وعى الناس خلال مشاركتها فى حملة وزارة التضامن الاجتماعى «بالوعى مصر بتتغير للأفضل» التى استهدفت قرى المبادرة الرئاسية حياة كريمة بمركز طما بمحافظة سوهاج، وقفت الرائدة أميمة عبدالعاطى فهمى، تشرح للسيدات وتشجعهن للحصول على مشروع صغير، ليغيرن حياتهن. «مش باقول للست ليه خلفتى 5 عيال، لكن أساعدها عشان تغير حياتها وتقدر تربيهم كويس، وما تعرضش البنات للختان ولا الجواز قبل 18 سنة ، تربى جاموسة أو بقرة، تبيع فول، تعمل فطير وتبيعه، تنظف خضروات للسيدات العاملات، تتعلم خياطة أوتطريز». تفخر أميمة صاحبة ال 50 سنة، والحاصلة على دبلوم التجارة 1989، بكونها تعمل كمتطوعة منذ سنة 95 فى برنامج تنظيم الأسرة وتنمية الأسرة الصغيرة التابع لمحافظة سوهاج، وبأن عملها هى وزوجها وكفاحه لاستكمال تعليمه بعد الوظيفة، كانا السبب فى اقتناعهما بتنظيم الأسرة، والاكتفاء بطفلين «أحمد» بالصف الأول الثانوى، و«إيناس» بالأول الإعدادي، والكفاح من أجل أن ينالا نصيبًا أفضل من التعليم. أميمة التى تعمل كرائدة اجتماعية منذ 2001 ، يعمل زوجها مديرًا لمكتب مدينة المراغة، بمحافظة سوهاج، ويساعدها فى عملها كرائدة منذ تزوجا، ودائما ما تحكى قصة كفاحه بفخر، فعندما تقدم لخطبتها، كان قد توظف بالشهادة الإعدادية، وفى نفس الوقت يعمل من الخامسة فجرًا حتى العاشرة صباحا كخباز فى أحد الأفران. «تعلم صنعة العجين والخبيز منذ كان فى المرحلة الإعدادية، ولم يتركها حتى الآن، ليوفر لى ولأولاده الحياة الكريمة، وخلال عمله كان أيضًا يكمل تعليمه الجامعى حتى حصل على ليسانس الآداب عام 1999، راتبه لا يتعدى 3آلاف و500 جنيه، لكنه يحصل على 100 جنيه يوميًا من عمله فى الفرن». تعمل أميمة بالوحدة الاجتماعية بقرية بناويط بمركز المراغة، وكثيرًا ما تنظم ندوات للتوعية فى بيت والدها بقرية الشيخ شبل، القريبة من بناويط، وشاركت منذ عام 2003 فى برنامج التوعية ضد زواج الأطفال، الذى تبنته جمعية الصعيد. «الجيل الجديد من البنات المتعلمات، يردن الاكتفاء بطفلين، خاصة العاملات، لكن أحيانا يكون الزوج وراء إنجاب المزيد من أجل إنجاب الولد، لكن حصول الزوجين على مؤهل عال يقلل من تأثير هذه العادات». تتحدث أميمة عن بلدتها «الشيخ شبل»، أما قرية «بناويط» فالأوضاع فيها مختلفة: «فى قرية الشيخ شبل نسبة الزواج المبكر لا تتعدى حالة واحدة بين كل 100 بنت، والشباب بيحبوا الاستقلالية عن الأهل بعد الزواج، عشان كده بيتأخروا فى الزواج، لكن فى قرية بناويط نلاقى الشاب عنده 20 سنة، ويتجوز مع أبوه وأمه وإخواته فى نفس البيت، يعنى فى أوضه، ويشتغلوا أى حاجة، وتلاقيه بقى عنده 5 عيال وهو لسه ماكملش الثلاثين». تعرف أميمة كيف تستخدم المنصة التفاعلية المجانية لوزارة التضامن الاجتماعى «1442»، بعد أن تدربت على استخدامها خلال التدريبات التى نظمتها الوزارة للرائدات الاجتماعيات، لتطبيق الاختبار القبلى والبعدى لمعلومات السيدات المشاركات فى ندوات التوعية حول طرق التربية الإيجابية، باستخدام الهاتف المحمول.