على قدم واحدة، تقف قارة أوروبا فى انتظار الفائز بانتخابات الرئاسة الفرنسية، فهى انتخابات تبدو خارجة عن المألوف منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، إذ شلتها أزمة وباء كورونا وهيمنت عليها الحرب فى أوكرانيا. وتوجه الناخبون الفرنسيون فى أراضى ما وراء البحار لمراكز الاقتراع أمس لاختيار الرئيس المقبل قبل يوم من نظرائهم فى البر الرئيسى. ويشير مصطلح «ما وراء البحار» إلى المناطق الفرنسية التى توجد فى الأمريكتين ومنطقة جنوب المحيط الهادئ. ويمكن أن يؤدى فوز لوبان وهى متشككة فى أوروبا بشكل حاد ومؤيدة لسياسات صارمة مناهضة للهجرة، إلى قلب سياسات التكتل رأسا على عقب. ونظرا لفرق التوقيت فى الأراضى البعيدة، فإن التصويت جرى السبت فى كثير منها، وهى سان بيير وميكلون، التى تقع قبالة الساحل الشرقى لكندا، إلى جانب جويانا الفرنسية، جوادلوب، ومارتينيك، وبولينيزيا الفرنسية. وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها فى البر الرئيس الفرنسى اليوم الأحد فى الثامنة صباحا. وتعقد جولتا الانتخابات بفاصل 14 يوما. الأولى تجرى اليوم وفيها يتنافس المرشحون ال12، وفى حال حصل أحدهم على أغلبية مطلقة من الأصوات (أكثر من 50 %)، يُعلن رئيسا من الدورة الأولى. وإذا لم يفز أى مرشح، كما هو متوقع، بأكثر من 50% من الأصوات فى الجولة الأولى، فإن المرشحَيْن الحاصليْن على أكبر عدد من الأصوات سيتقدمان إلى الجولة الثانية المقرر عقدها فى 24 أبريل الجارى. ويتصدر الرئيس الفرنسى المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون قائمة المرشحين الأوفر حظا للعودة إلى قصر الإليزيه، تنافسه فى ذلك اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وبدرجة أقل مرشح اليسار الراديكالى جان لوك ميلنشون. وفى هذا السياق، تشير نوايا الأصوات التى عكستها استطلاعات الرأى إلى سيناريو مماثل للعام 2017 حين عبر ماكرون مرشح حزب «الجمهورية إلى الأمام»، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الدورة الثانية قبل أن يفوز ماكرون بالرئاسة. «حملة المقاطعة» للانتخابات التى لا يزال الغموض يلف نسبتها وتترقبها أوروبا، ويخشى كثير من الخبراء السياسيين أن يتخطى مستوى المقاطعة فى الدورة الأولى النسبة القياسية المسجلة العام 2002 وقدرها 28,4% أى أن تكون أعلى بكثير من النسبة المسجلة العام 2017 والبالغة 22,2%. ورغم ذلك لا يزال عدم اليقين سيد الموقف حيث بات المرشحون ملزمين بعدم الإدلاء بأى تصريحات علنية حتى صدور نتائج اقتراع الذى تبدو المنافسة محمومة فيه بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. فيما أثرت الحرب فى أوكرانيا على الحملة التى انطلقت من دون حماسة لكنها انتعشت بعض الشىء فى الأيام الأخيرة مع بروز فرضية احتمال فوز مارين لوبان التى ستكون أول امرأة وممثل لليمين المتطرف تصل إلى الرئاسة فى حال فوزها. و الجمع بين وباء كورونا والحرب فى أوكرانيا جعل الانتخابات غير متوقعة. فيما تتمحور أبرز ملفات الانتخابات حول العمل وتكلفة المعيشة، والبيئة والهجرة والأمن. ويأمل الرئيس إيمانويل ماكرون أن يكون التعافى المتصاعد للاقتصاد الفرنسى أحد أسباب تعزيز محاولاته نحو إعادة انتخابه لولاية ثانية، وقد تعافى الاقتصاد الفرنسى بشكل أسرع من المتوقع من أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، حيث وصل النمو العام الماضى إلى أعلى مستوى له فى 52 عامًا عند 7%، بالإضافة إلى ذلك، انخفضت البطالة إلى أدنى مستوى لها فى 10 سنوات، وارتفعت القوة الشرائية للمستهلكين، وبدأ الاستثمار الأجنبى يتدفق. منذ وصوله إلى السلطة فى عام 2017، دفع ماكرون -وهو مصرفى استثمارى ووزير اقتصاد سابق- بسلسلة من الإصلاحات، منها تخفيف قواعد العمل لتسهيل تعيين العمال وفصلهم، وتقليص إعانات البطالة وخفض الضرائب على رأس المال والدخل لكل من الأسر والشركات.