«حتى لو الإنسان أذنب مش هنعاقبه مرتين، هيبقى قاعد بشكل آدمى إنسانى فى المجمع الذى سيتم الإعلان عنه، وفيه إعاشة طبية وثقافية وإصلاحية عالية جدًا، والقضاء هيبقى موجود هناك».. بهذه الكلمات كان الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية قد وعد بإنشاء مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون وقد جاء اليوم الذى أوفى فيه الرئيس السيسى بوعده ليصبح الحلم حقيقة وذلك انطلاقًا من تطوير منظومة التنفيذ العقابى وفقًا لثوابت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس السيسى مؤخرًا وفى ضوء سعى وزارة الداخلية نحو مواكبة آفاق التحديث والتطوير التى تشهده الدولة المصرية بكل المجالات. مجمع عالمى «وادى النطرون» ليس مجرد مكان جديد لمراكز الإصلاح بل هو مجمع عالمى يضاهى مراكز الإصلاح الأمريكية ويطبق المعايير الدولية والحقوقية فى إنشاء مراكز الإصلاح من حيث مساحة الأرض المُقام عليها وملحقاته التى تبلغ ما يقارب ال 515 فدانًا، وبذلك يعد أكبر مجمع لمراكز الإصلاح يتم بناؤه فى التاريخ المصرى الحديث. ثمانية مراكز إصلاح فى منطقة وادى النطرون يضمها المجمع الجديد، فضلًا عن حركة وإعاشة ورعاية صحية ورعاية إنسانية وثقافية وإصلاحية. كما يضم مجموعة من المحاكم، مما يقلل من التحركات بعربة الترحيلات ويشمل ثماني قاعات لجلسات المحاكمة «منفصلة إدارياً» بسعة إجمالية 800 فرد حتى يتم عقد جلسات علانية لمحاكمة النزلاء بها وتحقيق المناخ الآمن لمحاكمة عادلة. أما منطقة الاحتجاز فتشمل 6 مراكز فرعية وقد روعى فى تصميمها توفير الأجواء الملائمة من حيث التهوية والإنارة الطبيعية والمساحات. كما تشمل منطقة التأهيل والإنتاج مناطق الزراعات المفتوحة والصوب الزراعية والثروة الحيوانية والداجنة والمصانع والورش الإنتاجية. رد قوى على بعض المنظمات المسيئة لمصر اللافت أنه فى الوقت الذى تنادى فيه بعض المنظمات الدولية بضرورة تحسين الأوضاع فى مراكز الإصلاح فى مصر ودول العالم العربى إلا أنها تتجاهل تماما ما يحدث على سبيل المثال داخل مراكز الإصلاح فى أمريكا اللاتينية التى تكتظ بالنزلاء، حيث يتزايد عددهم بشكل أسرع من القدرة الاستيعابية للسجون فى المنطقة. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل فى أكتوبر 2021 ووفقًا لتقرير نشر على موقع بى بى سى عربية تم قتل 119 سجينًا فى مذبحة فى مركز إصلاح مكتظ بالإكوادور.. فالمتشدقون بالحرية ويطالبون بها فى تقاريرهم الحقوقية العالمية يتناسون بعض الأوضاع المسكوت عنها هناك فى بلادهم.. وفى هذا الإطار يروى كتاب «السجون والجريمة فى أمريكا اللاتينية» الذى صدر حديثا فى مايو الماضى للكاتب مارسيلو سيرجيو بيرجمان أستاذ علم الاجتماع وعلم الجريمة فى جامعة تريس دى فيبريرو الوطنية وأجرى بحثاً تجريبياً حول الجريمة على مدار العشرين عاماً الماضية أثناء عمله فى الولاياتالمتحدةالأمريكية والمكسيك والأرجنتين بالتعاون مع الكاتب جوستافو خافيير فونديفيلا أستاذ القانون فى مركز البحث والتدريس فى الاقتصاد، وهو أحد علماء الجريمة البارزين فى أمريكا اللاتينية وخبير رائد فى شئون مراكز الإصلاح فى المنطقة.. أنه مع ارتفاع معدلات الجريمة على مدى العقود القليلة الماضية فى أمريكا اللاتينية، تبنى صانعو السياسات هناك مركز الإصلاح كاستجابة أولية للاحتجاج العام، ومع ذلك، مع زيادة عدد السجناء، استمرت معدلات الجريمة فى الازدياد. هذا الكتاب يكشف أزمة سجون أمريكا اللاتينية وفشل سياسات الاعتقال الجماعي، ويناقش التحديات التى ستواجهها فى المستقبل، حيث تواجه أمريكا اللاتينية أزمة فى مراكز الإصلاح نتيجة للنمو السريع للسجن وأوجه القصور فى سياسة السجن. فى هذا الإطار، يرى أيمن نصرى، رئيس المنتدى العربى الأوروبى لحقوق الإنسان بجنيف أن هذه الخطوة التى إتخذتها مصر تأتى كرد قوى ضد تقارير هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية التى هاجمت الدولة المصرية على مدار خمس سنوات واستخدمت ملف حقوق السجناء وأوضاع مراكز الإصلاح لتشويه سمعة مصر أمام المجتمع الدولى. وأضاف قائلًا: الخطوة سوف تلاقى استحسانًا كبيرًا من المجتمع الدولى وتأتى ضمن استراتيجية الدولة لتوصيل الصورة الحقيقية عن أوضاع حقوق الإنسان التى تحسنت بشكل كبير بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى وعلى رأسها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والتى تعتبرها الدولة شريكًا أساسيًا فى تحسين أوضاع حقوق الإنسان ونقل التجربة إلى المجتمع الدولى دون أى وجهة نظر سياسية. مطلب حقوقى منذ 50 عامًا من جانبه، قال أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ل«روزاليوسف»: إن مجمع مراكز الإصلاح وادى النطرون يعد من أفضل المجمعات العقابية التى تطبق فلسفة العقاب وتراعى حقوق المذنب، كما وردت فى المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية وعلى رأسها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة النزلاء، مؤكدًا أنه يراعى البعد الثقافى والصحى والرياضى والاجتماعى والمهنى على غرار المجمعات العقابية فى الدول المتقدمة والتى تتعامل مع السجين كإنسان ارتكب جريمه ويتم معاقبته على الجريمة. وأضاف عقيل، أن هذه المعايير التى لطالما نادت بها منظمات للمجتمع المدنى الحقوقية على مدار ما يقرب من 50 عامًا قائلًا: كنا من قبل نطالب بإصلاح مراكز الإصلاح وإصلاح النظم العقابية فى مصر واليوم بدأت مصر تخطو خطوات حثيثة نحو الإصلاح مع ضرورة أن يقوم المجتمع المدنى بدوره بما يصب فى صالح الإنسان المصرى وتمتعه بحقوقه. توفير مكسب مادى مناسب فيما قال طارق زغلول، المدير التنفيذى للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان: إن مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون، التابع لقطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية مبنى متكامل من حيث العنابر، وبه مستشفى مجهز بجميع الأجهزة التى يحتاجها الأطباء هناك، لافتًا إلى أن المستشفى به مركز لعلاج الإدمان وآخر للعلاج النفسى. وأضاف «زغلول»، أن المنظومة العقابية الجديدة التى سيجرى تطبيقها فى وادى النطرون، تعتمد على التعامل الجيد مع السجناء، وتوقيع الكشوف الطبية عليهم، وعمل عمليات خاصة لهم، وهو تقدم كبير فى المنظومة العقابية. وأوضح أنه لا يوجد وجه مقارنة بين مراكز الإصلاح والتأهيل التى زارها طيلة حياته، وهذا مركز الإصلاح الجديد الذى زاره مؤخرا، حيث سيؤدى لخروج سجناء يمارسون عددًا من المهن وبالتالى يساعدهم على الكسب المادى المناسب لهم على حد تعبيره. والجدير ذكره، أن وزارة الداخلية نظمت زيارة إلى مركز الإصلاح الجديد شارك فيها عدد من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، وممثلو المجالس الحقوقية ولجان حقوق الإنسان بمجلسى النواب والشيوخ وعدد من الإعلاميين ومراسلو الوكالات الأجنبية. خطوة لتحسين السياسة العقابية من المعروف أن المبادئ والمعايير الدوليّة نصت على ضرورة توفير ظروف معيشيّة للسجناء تحفظ كرامتهم، ولا تؤدّى لزيادة معاناتهم وتؤثّر سلبًا على صحتهم ... وفى هذا الإطار.. أشاد سعيد عبد الحافظ رئيس ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان بالخطوة قائلًا فى تصريحات خاصة ل«روزاليوسف»: لا شك أنه يعد من أهم الخطوات التى اتخذتها الدولة المصرية لتحسين السياسة العقابية خلال عقود طويلة لاسيما وأن مركز الإصلاح تم بناؤها منذ بدايات القرن الماضى قبل صدور الاتفاقيات التى تنظم حقوق السجناء، مضيفًا أن هذا المجمع الجديد يتفق مع مدونة حقوق السجناء و كونهم يتمتعون بوجود أماكن احتجاز تحفظ لهم حقوقهم لما يتضمنه من مساحات شاسعة وزنازين ذات تهوية جيدة وأماكن تسمح بممارسة الأنشطة الرياضية. وأضاف عبد الحافظ، أرى أن هذه الخطوة وإذا تم بها بناء مراكز إصلاح جديدة محل مركز الإصلاح القديمة سوف تخطو بمصر خطوة تجعلها على غرار الدول ذات الإمكانيات الاقتصادية العالية. تحول فى مفهوم المؤسسة العقابية هانى إبراهيم، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، قال: «إن اعتماد تسمية مجمع مراكز إصلاح وادى النطرون بمركز وادى النطرون للإصلاح والتأهيل، وكذلك تغير تسمية السجين إلى نزيل، هو تحول له دلالة مهمة من حيث المفهوم والمعنى والهدف فى مفاهيم التنمية المرتكزة على المنهج الحقوقى، بمعنى أن هذا التغيير يعنى تحول مهمة المؤسسة العقابية نحو تأهيل السجناء، بالتالى تيسير عملية إدماجهم فى المجتمع مرة أخرى بعد انقضاء مدة سجنهم، وهو منهج تنموى حقوقى شديد الأهمية لسلامة المجتمع كما هو مهم لحق النزيل»، موضحًا «كنا نطالب دائمًا باستخدام ألفاظ ومسميات إيجابية لكى يكون لها أثر مستدام فى المجتمع». وتابع هانى «كشخص معنى بالحقوق والحريات أشدد على أهمية دعم المجتمع المصرى لهذا التوجه من أجل تعزيز السلام المجتمعى والارتقاء بحقوق السجناء ودفع مؤسسات إنفاذ القانون لاتخاذ مزيد من المسارات الصحيحة تجاه حقوق الإنسان على مستوى الممارسة وعلى مستوى اللوائح والتشريعات».