الإنسان بفطرته يميل إلى الحكم على الأمور بالمنطق أو المعقولية؛ ويأمل أن تأتى تصرفات غيره فى إطار منطقى؛ أى تتفق مع السنن الطبيعية لتصرفات البشر الصحيحة، ولكن من الغريب أن من يندهش للتصرفات غير المنطقية قد يأتى هو نفسه بتصرفات غير منطقية؛ فمن ينصح الآخرين بالمنطق ينسى نفسه وبالتالى يضفى على المشهد مسحة من الحيرة والسخرية.. ولكن فى كل الأحوال لا يجب أن نحكم على الأمور من أول وهلة، فرد الفعل لمثل هذا الشخص قد يكون هناك حكمة من ورائه، كحث الشخص الذى يخالف المنطق بالعودة إلى جادة الحق؛ وخير مثال على ذلك تلك القصة الشعبية الشهيرة التى وقعت فى إحدى المدن الأوروبية فى العصور الوسطى والتى رصدها الكاتب المعروف «ناثان أوسوبيل» والتى تحكى بأن إسكافى مدينة صغيرة قام بقتل أحد الأشخاص فأحضروه للمثول أمام القاضى الذى حكم عليه بالإعدام شنقًا، وعندما تُلى الحكم، نهض أحد الأشخاص وصرخ «اسمعنى من فضلك يا سيادة القاضى، لقد حكمت بالإعدام على إسكافى المدينة وهو الوحيد فى مدينتنا، فإن شنقته فمن يصلح أحذيتنا؟ وحينئذ بدت همهمة صاخبة فى القاعة ورد الجميع نعم من؟ من؟ فهز القاضى رأسه واستجاب للحضور وأعاد النظر فى حكمه، وقال، أيها الناس إن ما تقولونه صحيح، فبما أنه فى مدينتنا لا يوجد إلا إسكافيًا وحدًا، وإننى إن تركته يموت فهذا يعد خطأ فى حق المجتمع، وبما أن بعض المهن يمتهنها أكثر من شخص فأتونى بأحد منهم ليشنق بدلًا من الإسكافى، وهنا انتبه الجميع لخطأ رأياهم، فالعبرة من هذه القصة، أن اللا منطق – حينما يكون هادفًا - يكون أبلغ رد على التصرفات التى تجافى المنطق لتعيدها مرة أخرى إلى مجراها الطبيعى؛ وهو ما يعرف بمنطق اللا منطق؛ وغالبًا ما يتم اللجوء إلى هذه الطريقة عندما نستشعر أن المناقشة لن تفضى إلا إلى المزيد من الجدل.. ومع ذلك فهناك من يحتاج إلى النصح المباشر المتكئ على حجج منطقية؛ وهذا الصنف من الناس غالبًا ما لا يغير آرائه بسهولة؛ إلا إذا سبق إسداء النصح له قبولًا من الناصح؛ لذا فلا بد أن يسبق عملية النصح عملية تمهيد مدروسة ومؤثرة، وعلى عكس هذا النوع من البشر هناك من لا يجدى إسداء النصح معه أى نتيجة، فهو لا يثق فى أحد ويتصور أن النصيحة يمكن تلحق به أضرارًا بالغة، فالتجارب المؤلمة التى قد يكون مر بها فى حياته ربما تكون قد صورت له هذه الصورة البغيضة عن كل من يسدى له النصيحة، فالحقيقة أن مثل هؤلاء الأشخاص الذين يتشككون فيمن يقدم لهم النصيحة يحتاجون إلى مزيد من الجهد لقبول النصيحة، وهناك من يرى أن قبول النصيحة ثقيلة على النفوس لأنها تشعرهم بالنقص وهؤلاء حتى يُقبَلوا النصح لا بد أن يراعى حالهم وظروفهم وتخير الطريقة الأنفع لهم، وعلى خلاف ما سبق هناك من يتلمس القدوة ليهتدى بها إذ يكفيه أن تشعره بالقدوة لتحمله على تغيير تصرفاته ليعود إلى جادة المنطق من جديد، فهذا الصنف كل ما يحتاجه علامة مضيئة يهتدى بها، وهناك من لا يبالى بالمنطق من أساسه فى تصرفاته ولا فى تصرفات الآخرين، فهو يعيش الحياة ويقبلها كما هى ولكن الفطرة السوية للبشر تخبرنا أن هذا الشخص يتمنى بداخله لو أن الأمور تسير على ما يرام وأن نفسه تواقة إلى رؤية كل شىء يسير فى مجراه الطبيعى.. إذًا فالنتيجة بكل بساطة أن ما نسمعه من وقت إلى آخر من أن الأمور تسير فى زمننا هذا عكس المنطق وأن الإصلاح فى سلوك البشر لن يجدى هو مجرد هراء، فالإنسان جُبل على حب الخير، ومن ثم نستطيع مجابهة المفاهيم الغريبة والسلوكيات الشاذة بتحديد الأسلوب الأفضل للتعامل مع الآخرين.