الإيمان الحقيقى هو ما صدقه العمل، حتى إن بعض العلماء ربط بين الإيمان واليقين، وبين الإيمان والصدق، وبين الإيمان والأمانة، وبين الإيمان وعدم أذى الآخرين، وبين الإيمان والإحساس بالآخرين، وقال بعضهم: الإيمان الحقيقى أن تقول الصدق مع ظنك أن الصدق قد يضرك، وأن لا تقول الكذب مع ظنك أن الكذب قد ينفعك؛ لأنك تؤمن أن الأمر كله بيد الله وحده، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». ويذكر بعض الكُتَّاب: أن رجلاً أخطأ فى حق الحجاج بن يوسف الثقفى، فسجنه الحجاج، فجاء أهله يستشفعون عند الحجاج ليطلق سراحه، فقالوا: إن الرجل مجنون، فقال الحجاج إكبارًا لهم واختبارًا له: إن جاء واعترف أنه مجنون عفونا عنه، فذهبوا إلى الرجل فى محبسه، وقالوا: ما عليك إلا أن تقول أمام الحجاج أنك مجنون، لتنقذ نفسك من هذه الطائلة، فقال لهم: والذى بعث محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بالحق، ما كنت لأكذب أو أجحد نعمة من نعم الله تعالى عليَّ ولو مكثت فى السجن طول حياتى، فعادوا إلى الحجاج فأخبروه بما قال، فأطلقه لصدقه. كما أن المؤمن الحقيقى دائمًا ما يتعهد أمانته كما يتعهد الفلاح زراعته، والعامل صناعته، فالإيمان والوفاء بالعهد مرتبطان، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»، يتعهدونها ويقومون عليها، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، موضحًا معاليه أن من صفات المؤمن الحقيقى ما ذكره الله تعالى، حيث يقول سبحانه: «وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»، هذا هو الإيمان الحقيقى، فالمؤمن الحقيقى لا يكون غشاشًا، ولا منافقًا، ولا كذابًا، ولا خائنًا للعهد، ولا غادرًا، الإيمان الحقيقى يهذب نفس صاحبه، المؤمن الحقيقى حييّ كريم يألف ويؤلف، فالإيمان والحياء قرناء، فإن رفع أحدهما رفع الآخر، والمؤمن الحقيقى يشعر بآلام الآخرين، ويقف بجانبهم، ولا يؤذى أحدًا، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ما آمن بى من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به»، ونحن فى شهر الكرم، وأيام الكرم فليأخذ قوينا بيد ضعيفنا، ويقف بعضنا بجانب بعض، ونجتهد ونعمل، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم):» وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ "، ويقول سيدنا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):" مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".