5 ملفات مصيرية تفرض التنسيق المصرى السودانى.. أهمها سد النهضة والمياه وتأمين الحدود وأمن البحر الأحمر مستوى غير مسبوق من التعاون العسكرى والأمنى بين القاهرةوالخرطوم
فى توقيت مهم وفى ظل أجواء وتطورات أكثر أهمية بمنطقة وادى النيل، جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى المهمة للسودان بالأمس، لتؤكد مصر مبدأها ورؤيتها الثابتة بدعم وتعزيز مستوى العلاقات مع الأشقاء فى السودان فى إطار اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين بما يحمى مصالح شعبى وادى النيل. الزيارة تعد الأولى للرئيس السيسى عقب التطورات السياسية فى السودان وتغيير النظام السياسى هناك وبدء الفترة الانتقالية بإدارة من مجلس السيادة السودانى، لكنها تؤكد الجهود المصرية المستمرة للدولة المصرية لدعم السودان وشعبها خصوصًا مع بدء الفترة الانتقالية قبل عامين، والأهم هو تنسيق المواقف بين القاهرةوالخرطوم فى عدد من القضايا الحيوية للبلدين. وهو ما أكد عليه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضى بأن الزيارة تأتى للتأكيد على «التنسيق المشترك وتوحيد الرؤى والمواقف بين البلدين تجاه مختلف القضايا»، وعلى رأس هذه القضايا بالتأكيد قضية سد النهضة وحقوق البلدين المائية والتعاون العسكرى وتأمين الحدود والأمن فى البحر الأحمر. ولعل المبدأ المصرى الثابت للشراكة مع السودان جدد الرئيس السيسى التأكيد عليه خلال استقباله لوزيرة خارجية السودان الأسبوع الماضى بأن أمن واستقرار السودان يعد جزءًا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، والاتجاه الاستراتيجى لمصر هو دعم كل جوانب العلاقات الثنائية مع السودان تأكيدًا للشراكة والعلاقات الأزلية بين شعبى وادى النيل. ولا تختلف زيارة الرئيس السيسى للخرطوم فى أهميتها عن الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس وكانت الأولى له إلى دولة جنوب السودان فى 28 نوفمبر الماضى، من حيث حفاظ الدولة المصرية على عمقها الأمنى بالجنوب وحماية مصالحها المائية باعتبار أن السودان يمثل العمق الاستراتيجى الجنوبى لمصر. أمن منطقة وادى النيل الرؤية المصرية للعلاقات المصرية السودانية لم تتغير منذ تولى الرئيس السيسى مهامه كرئيس للجمهورية فى يونيو 2014، حيث تحتل الشراكة الاستراتيجية بين القاهرةوالخرطوم أولوية لدى القيادة السياسية بإرادة تترجمها عدة مواقف، ولعل الشاهد على ذلك أن السودان كان ضمن أول محطات الرئيس الخارجية بعد عدة أيام فقط من توليه مهامه الرئاسية. وتوالت الزيارات المتبادلة بين قيادات ومسئولى البلدين على مدى السنوات الست الماضية، ووصلت مستويات التعاون فى ملفات عديدة لمستويات رفيعة أهمها رفع مستوى انعقاد اللجنة المصرية السودانية المشتركة إلى المستوى الرئاسى فى 2018، ولم يتغير مبدأ التعاون والدعم بتغيرات مواقف الخرطوم، والدليل أن عدد لقاءات القمة للرئيس السيسى مع الرئيس السودانى السابق عمر البشير وصلت إلى 25 لقاء كان آخرها فى يناير 2019 بالقاهرة، وهو مستوى قياسى فى لقاءات القمة بين قادة الدول. ومع بدء الفترة الانتقالية بالسودان وتولى مجلس الرئاسة الانتقالى بالخرطوم مقاليد الحكم، واصلت الدولة المصرية دعمها للأشقاء فى السودان فى فترة حرجة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، حيث حافظت مصر على مبدأها لدعم السودان واستقراره كجزء من الأمن القومى المصرى، وترجم ذلك عدة زيارات ولقاءات ومواقف قدمتها القاهرة للخرطوم. فى سبتمر 2019، زار رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك القاهرة فى أول زيارة خارجية له بعد توليه مهامه وأكد وقتها أن مصر كانت أولى المحطات فى زيارته بعد جنوب السودان، فور رئاسته الحكومة؛ لأن السودان ومصر شعب واحد، وفى مارس 2020 كانت ثانى زيارة لحمدوك للقاهرة. بالإضافة لزيارة رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق عبدالفتاح البرهان للقاهرة فى أكتوبر الماضى، للتأكيد على تنسيق المواقف بين البلدين فى عدد من الملفات وخصوصًا سد النهضة والحدود والتعاون العسكرى. فى المقابل كانت زيارة رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى للخرطوم فى 15 أغسطس الماضى، فى زيارة مهمة أكد فيها توجيهات الرئيس بتقديم كل الدعم للأشقاء فى السودان خلال الفترة الانتقالية ودعم اتفاق السلام بين الأطراف السياسية بالسودان. وتجلى موقف دعم القاهرة للخرطوم فى أزمة الفيضانات التى اجتاحت قرى كاملة بالسودان فى سبتمبر الماضى، حيث كانت تكليفات الرئيس للحكومة والقوات المسلحة بتدشين جسر جوى استمر لعدة أيام لتقديم كل الدعم والمستلزمات الطبية واللوجستية. 5 ملفات مصيرية من هذا المنطلق، تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى المهمة للسودان، ذلك أنها تأتى فى توقيت تشهد فيه عددًا من الملفات الإقليمية المشتركة وتتداخل فيها مصالح البلدين تطورات مهمة، وبالتالى تبحث كل من القاهرةوالخرطوم عن مزيد من التنسيق وتوحيد الرؤى والمواقف بشأن هذه الملفات.. وهى كما يلى: 1- سد النهضة: تأتى زيارة الرئيس فى توقيت تنسق فيه القاهرةوالخرطوم بمفاوضات سد النهضة فى ظل تعنت إثيوبى على مدى عقد من المفاوضات، وتتوافق فيه البلدان على مسار التفاوض وعلى الهدف وهو ضرورة توقيع اتفاق ينظم عملية ملء وتشغيل السد مع إثيوبيا. فالهدف بين البلدين واحد فى هذا الملف، وهو حتمية اتفاق قانونى ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى، بما يحد من أضرار المشروع على دولتى المصب مصر والسودان ويحفظ الحقوق المائية التاريخية لهما. وأكد الوزيران كذلك على تمسك البلدين بالمقترح الذى تقدم به السودان ودعمته مصر بشأن تطوير آلية التفاوض التى يرعاها الاتحاد الإفريقى من خلال تشكيل رباعية دولية تقودها وتسييرها جمهورية الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى وتشمل كلاً من الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة للتوسط فى المفاوضات، حيث دعا البلدان هذه الأطراف الأربعة لتبنى هذا المقترح والإعلان عن قبولها له وإطلاق هذه المفاوضات فى أقرب فرصة ممكنة. 2- التعاون العسكرى: تأتى زيارة الرئيس السيسى للسودان فى توقيت وصل فيه التعاون والتنسيق الأمنى والعسكرى بين القاهرةوالخرطوم لمستويات غير مسبوقة، فالأسبوع الماضى وقع رئيسا الأركان فى كل من مصر والسودان اتفاقية عسكرية لتعزيز الأمن الإقليمى والتعاون الأمنى خلال الاجتماع السابع للجنة العسكرية المصرية السودانية المشتركة. ووقع رئيسا الأركان فى كل من مصر والسودان اتفاقية عسكرية لتعزيز الأمن الإقليمى والتعاون الأمنى بين الدولتين، وذلك خلال رئاسة رئيسَى الأركان الاجتماع السابع للجنة العسكرية المصرية السودانية المشتركة بالعاصمة السودانية الخرطوم. وقال رئيس الأركان المصرى الفريق محمد فريد: إن مستوى التعاون العسكرى مع السودان غير مسبوق، مشيرًا إلى استعداد بلاده لتلبية كل طلبات السودان فى المجالات العسكرية كافة لأن البلدين يواجهان تحديات مشتركة. وشهدت العلاقات العسكرية، تطورًا ملحوظًا خلال الفترات الماضية، ففى 14 نوفمبر الماضي، انطلقت بقاعدة «عوض خلف الله بمروى» السودانية، فعاليات أول تدريب عسكرى مشترك للقوات الجوية «نسور النيل 1» حيث شمل عددًا من التدريبات والتمارين الخاصة بإدارة الأعمال الجوية المشتركة. ومطلع نوفمبر، زار رئيس الأركان المصري، الخرطوم، وتم الاتفاق خلال الزيارة على التوسع فى مجالات التعاون العسكرى من دورات تأهيلية وتدريب مشترك، ليشمل كل التشكيلات البرية والجوية والدفاع الجوى والبحرية. 3- أمن البحر الأحمر: هذا المستوى من التنسيق الأمنى والعسكرى من شأنه يعزز قدرات البلدين فى حماية الأمن الإقليمى لمنطقة وادى النيل، فى ظل تحديات أمنية متعددة بهذه المنطقة، وخصوصًا أمن منطقة البحر الأحمر. وتستهدف الدولة المصرية مزيدًا من التنسيق الأمنى والعسكرى مع السودان لتأمين سلامة وأمن الملاحة الدولية فى البحر الأحمر باعتبارها من الملفات الحيوية للأمن المائى والقومى المصرى. وتمتد أهمية التعاون الأمنى والعسكرى بين القاهرةوالخرطوم إلى تأمين الحدود المشتركة، وأيضا الحدود المشتركة مع الجانب الليبى، بما تمثله من تهديد أمنى فى ظل تواجد جماعات وتنظيمات إرهابية متعددة على الأراضى الليبية، وعليه تأتى أهمية وحيوية التنسيق بين البلدين فى هذا الملف. 4- توتر الحدود مع إثيوبيا: من الملفات المهمة التى تبحثها زيارة الرئيس السيسى، هو الدعم المصرى للسودان فى قضية صراع التوتر الحدودى مع إثيوبيا، ودعم الجيش السودانى لفرض سيطرته على الحدود، ودعم المؤسسات الأمنية والعسكرية السودانية لحفظ الاستقرار الداخلى، لما لها من تأثير مباشر على حماية الأمن المصرى جنوبًا. 5- نقل تجربة الإصلاح الاقتصادى: من الملفات المهمة التى بحثتها زيارة الرئيس السيسى هو ملف التعاون الثنائى بين البلدين ونقل مستوى التعاون لمشروعات مشتركة كبرى، منها ما تحدثت عنه وزيرة خارجية السودان الأسبوع الماضى بأن الخرطوم تبحث نقل تجربة الإصلاح الاقتصادى بمصر للسودان، حيث بدأت الحكومة السودانية بعض الخطوات الإصلاحية منها تعويم الجنيه السودانى، فضلا عن دعم المشروعات الاستثمارية المشتركة ودراسة مقترح إنشاء منطقة صناعية مصرية بالخرطوم والذى تمت مناقشته خلال مشاركة وزيرة الصناعة المصرية بمعرض الخرطوم التجارى الدولى الشهر الماضى.