يبدو أن السحر انقلب على الساحر، فحتى حلافائها تدخلت فى شئونهم، حيث اتهم رئيس جمهورية شمال قبرص (قبرص التركية، وهى دولة غير معترف بها إلا من قبل تركيا)، مصطفى أكينجي، أنقرة بتهديده كى لا يرشح نفسه لولاية أخرى، قائلاً «أرسلوا لى رسالة عبر مدير مكتبى مفادها عليك الامتناع عن الترشح لولاية جديدة، هذا أفضل لك ولعائلتك». فخلال مقابلة على قناة tv2020، مساء أمس الأول السبت، قال رداً على سؤال حول تلقيه تلميحا تركيا لعدم الترشح، «حتى هذا فعلوه، ولقد دعيت السفير التركى لاستيضاح تلك المسألة، وهذه الرسالة، لكن أنقرة منعت قدومه». فى المقابل، نفت السفارة التركية، فى ليشطوفا، هذه الرواية، وكذبت الخبر. وقالت فى بيان «إن التصريح الذى جاء به السيد أكينيحى حول رسالة تهديد من تركيا، لكى لا يترشح لولاية جديدة، غير صحيح بتاتاً، تركيا مصممة على حماية عملية الانتخابات فى قبرص بشكل آمن، وحماية أرواح وأرزاق كل تركى قبرصى، لقد حاولتم جعل تركيا ضامنة للنجاح فى الانتخابات مرات عديدة سابقة، لذا فإن إصراركم على هذا التصرف المزعج للجمهورية التركية هو دليل على نوايا غير جيدة». يذكر أن القبارصة الأتراك بدأوا امس الأحد باختيار زعيم مكلف بالتغلب على الانقسامات السياسية العميقة مع القبارصة اليونانيين، من أجل تمهيد الطريق ل «اتفاق» ينهى 46 عاما من الانقسام العرقى فى قبرص، ويهدئ التوترات بشأن احتياطيات الطاقة البحرية. وتأتى تلك الانتخابات وسط اتهامات عديدة لتركيا بمحاولتها علانية توجيه الناخبين - البالغ عددهم 200 نحو مرشح اليمين أرسين تتار، الذى يدعو للمواءمة الكاملة لسياسات القبارصة الأتراك مع أنقرة، مثل متابعة صفقة الدولتين المحتملة كبديل للنموذج الفيدرالى للجزيرة المقسمة. رفض الاتفاقات مع السراج
وفى سياق التدخلات التركية، استغل السفراء الجدد للاتحاد الأوروبى، وسبع من دول الأعضاء، اجتماعهم أمس الأول فى العاصمة طرابلس مع فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسى، لإعلان رفضهم للاتفاق المثير للجدل، الذى أبرمه العام الماضى مع تركيا، وسط احتدام سجال علنى بين «الجيش الوطنى، بقيادة المشير خليفة حفتر، وصلاح النمروش، وزير الدفاع بحكومة «الوفاق». فى السياق ذاته، انتقد وزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية، أنور قرقاش، تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، التى برر فيها سبب وجود قوات تركية فى قطر. وقال قرقاش، عبر حسابه على «تويتر»، إن «تصريح الرئيس التركى خلال زيارته إلى قطر، والذى يشير فيه إلى أن جيشه يعمل على استقرار دول الخليج برمتها لا يتسق مع الدور الإقليمى التركى، والشواهد عديدة». ورأى قرقاش أن «أردوغان يحاول إبعاد النظر عن الأسباب الاقتصادية للزيارة، ولنكون واضحين، الجيش التركى فى قطر عنصر عدم استقرار فى منطقتنا»، واصفا الوجود العسكرى التركى فى الخليج بأنه «طارئ، ويساهم فى الاستقطاب السلبى فى المنطقة، هو قرار نخب حاكمة فى البلدين يعزز سياسة الاستقطاب والمحاور ولا يراعى سيادة الدول ومصالح الخليج وشعوبه». وقال وزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية، إن «منطقتنا لا تحتاج الحاميات الإقليمية وإعادة إنتاج علاقات استعمارية تعود لعهد سابق». إهانة لأنقرة.. كما تتواصل ردود أفعال المعارضة التركية الرافضة لزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان التى أجراها مؤخرًا لقطر؛ إذ يرى المنتقدون فيها إهانة لأنقرة فى سبيل البحث عن مال الحمدين. وبحسب تقرير لصحيفة «جمهورييت»، أمس الأول فإن فائق أوزتراق، الناطق باسم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أكد أن «الغرض من الزيارة هو طلب المال» من نظام الحمدين. وأضاف المعارض التركى :كلما سجل الدولار أرقاما قياسية أمام الليرة التركية، هرع أردوغان إلى قطر على وجه السرعة. لكن لا بد أن يعلم أن الذى يتلقى أموالا من الخارج يتعود على تلقى الأوامر أيضا». وتابع: «نرى أن أمير قطر بات ينظر إلى أردوغان بدونية كلما طلب منه الأموال»، مشددًا على أن مواضع ضعف الرئيس التركى تجعل الدولة مفتوحة لممارسة دول أخرى ضغوطا عليها وابتزازها. أوزتراق أوضح أن من مواضع ضعف أردوغان أيضا، اضطراره إلى إطلاق سراح الراهب الأمريكى أندرو برانسون عام 2018 عندما لوحت واشنطن برفض عقوبات على بنك تركى حكومى متهم بخرق العقوبات على إيران، رغم حديث الرئيس سابقا عن عدم السماح له بالمغادرة. ومضى فى حديثه: «نفس الضعف ينطبق على علاقات أردوغان مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، حيث لم يحرك ساكنًا رغم فقدان 34 جنديا تركيا أرواحهم فى قصف بإدلب شمال سوريا، خلال فبراير الماضي». وأردف: «وبينما كان يجب على أردوغان محاسبة بوتين على قتل جنودنا رأيناه أسرع فى الذهاب إلى روسيا. دع عنك محاسبة بوتين. أردوغان انتظره واقفا حتى قدومه». طريق مسدود فى الإطار ذاته، رأت شبكة «سى إن إن» الأمريكية أن سياسة المغامرات التى ينتهجها أردوغان أوشكت على الوصول إلى طريق مسدود نتيجة استمرار تدهور الاقتصاد والعزلة الدولية التى تعانيها تركيا بسبب تلك السياسة. ولفتت فى تقرير نشرته امس إلى أن أردوغان اتخذ خطوات طوال العقدين الماضيين لتعزيز مكانة تركيا فى العالم، لكن أحلامه باتت حاليا أبعد من أن تتحقق، مشيرة إلى أن أردوغان ظن أنه أوشك على تحقيق طموحاته من خلال الانتصارات التى حققتها المجموعات الموالية له فى دول عربية فى السنوات الأولى من «الربيع العربى». واعتبرت الشبكة فى تقريرها أنه بعد نحو 10 أعوام، بدأ حلفاء أردوغان، خاصة القوى الإسلامية المتشددة، تضعف عسكريا وسياسيا، وأن ما تبقى له من قواعد لا تتعدى أصابع اليد بما فيها قطر والصومال وحكومة الوفاق الوطنى فى ليبيا، التى يرأسها فايز السراج، فى الوقت الذى أثار فيه أردوغان بأعماله استياء معظم الدول العربية والإسلامية والأوروبية، بما فيها مصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا واليونان وقبرص ودول أخرى.