لقد شعرت بصدمة قوية عندما قرأت تقرير منظمة اليونسكو مؤخراً بعدم تمكن 1.5 مليار تلميذ وطالب، أى أكثر من 90 بالمائة من الدارسين فى العالم، من الذهاب إلى المدارس أو الجامعات بسبب إغلاقها بفعل انتشار جائحة «كورونا» وتمنيت من الله عز وجل ألا يعيد هذه الأيام مرة أخرى.. ومع اقترابنا من الموسم الدراسى الجديد وبمتابعة ما صدر عن وزارة التربية والتعليم من بشارة استئناف الدراسة هذا العام مع اتخاذ ما يلزم من وسائل وقائية تحافظ على سلامة أبنائنا وصحتهم فقد شعرت بسعادة غامرة.. ولكن أخذنى خيالى بعيداً إلى الماضى وتذكرت عبارة كثيراً ما كانت تتردد إلى أسماعنا ونحن صغار وهى أن التعليم سلاح فى يد المرء، فكثيراً ما كانت هذه العبارة يوجهها الآباء إلى الأبناء لحثهم وتشجيعهم على استكمال مسيرتهم التعليمة. والحقيقة أننى تأملت تلك العبارة كثيراً وأخذت أدقق فيها ووجدتها عبارة صحيحة إلى حد ما، فالتعليم سلاح فى يد المرء يستطيع أن يغزو به العديد من الدروب كدروب العمل ويعزز به العديد من القدرات كالإبداع ويستطيع من خلاله أن يساهم مساهمة عظيمة فى تحقيق الذات ومن ثم تحقيق آمال الوطن. إلا أننى وجدت أن التعليم ليس دائماً سلاح يحقق لصاحبه طموحاته التى يسعى إليها وليس دائماً سلاحاً يدفع عن المجتمع مظاهر التخلف، بل يمكن أن يكون سلاحاً مدمراً لصاحبه وللمجتمع حينما يُنزع عن صاحبه لباس الأخلاق، لذا تنبهت الدول إلى هذه المسألة وقامت بربط التربية بالتعليم. والحقيقة أننا إذا افترضنا أن العملية التعليمية جرت دون الالتفات إلى ترسيخ قيم الأخلاق لاعتبرت بحق مسرحية هزلية لا جدوى منها ولاعتبرت أداة لتفريخ آلاف المنحرفين الذين لا يستحيون من الانقضاض على حقوق الغير، مستغلين ما حصلوه من علم للتحايل على الآخرين فضلاً عن تطاولهم فى جراءة على قيم المجتمع وثوابته. لذا فبعد تأمل عميق انتهيت إلى أن العبرة ليست ببناء عشرات أو مئات المدارس والمعاهد التعليمية ولكن العبرة بتوفير مقومات التعليم للمنشآت القائمة وتطبيق معايير الجودة بها، وتوفير الموارد اللازمة لها. فإذا سلمنا بأن التعليم يتطلب نفقات طائلة وأن الحكومة لا تدخر جهداً فى طرق كل الأبواب للوفاء بمتطلباته وأن التعليم هو قاطرة تحضر الأمم، فإن ذلك إنما يعنى أنه مهما ضاق بنا الحال فيجب إلا نحرم أبنائنا من من تطبيق معاييره الدولية التى تسير عليها الدول المتحضرة.. لذا فقد يكون من الصواب أن نقول لا مزيد من الأبنية التعليمة ولكن مزيداً من المؤسسات التعليمية القادرة على تقديم خدمة تعليمية متميزة.. فإذا كنا نناضل من آجل القضاء على الجهل، فلا يعنى تحقيق هذا الهدف السامى أن يسقط أبناؤنا ضحية فى هواه ما يعرف بأنصاف المتعلمين، فلنتريث قليلاً ولنتدبر كثيراً ولا يجب أن نجزع من الجهل فالشخص الجاهل الذى يتحلى بالقيم والأخلاق ويمتهن حرفة ينتفع بها وينفع بها مجتمعه ولديه طموحات بسيطة وقناعة ورضا بأحواله؛ خيراً من أنصاف المتعلمين الذين يفتقدون إلى القيم الأخلاقية، وتتخطى طموحاتهم كافة الخطوط الحمراء؛ الأسيرين لأطماعهم البعيدين كل البعد عن مكارم الأخلاق.