حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغلو فى الدين... الأساس الفكرى لجماعات الإرهاب والتطرف ( 4-5)
نشر في الوفد يوم 07 - 02 - 2018


كتب: محمود على
تحتاج مواجهة ظاهرة الغلو والتطرف إلى تماسك المجتمع ووحدته واصطفافه، خلف استراتيجية عملية واضحة وجادة تتوحد وتتضافر فيها كل الجهود بين كافة الفئات والمؤسسات، بما يكفل معالجة شاملة للظاهرة من جذورها فكريا واجتماعيا وإعلاميا، لوقف نزيف دماء الأبرياء، والحفاظ على مقدرات الوطن، وبما يدعم الجهود المخلصة والباسلة لرجال القوات المسلحة والشرطة فى حربهم ضد التنظيمات الإرهابية.
وفى إطار جهود صحيفة «الوفد» فى معركة الأمة ضد التطرف والإرهاب، دعا الأستاذ وجدى زين الدين رئيس التحرير، فى منتصف سبتمبر الماضى إلى تشكيل جبهة وطنية لمكافحة الإرهاب، لمواجهة محاولات تقويض الدولة المصرية وهدم أركانها، فى مواجهة الساعين إلى النيل من أمن مصر واستقلالها، وإيقاف عجلة التنمية، وتعطيل مشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، التى تنطلق بمصر إلى الألفية الثالثة، وتؤسس لمجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة، الذى ناضل من أجله المصريون عبر ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
وهى دعوة لا تزال تفرضها معطيات الواقع وتحدياته، فالمواجهة مع جماعات التطرف والإرهاب طويلة ومضنية، وتحتاج لتوزيع الأدوار وتكامل وتكاتف الجهود، انطلاقا من الدور الذى يجب أن تلعبه الأسرة فى حماية أبنائها من الوقوع فى براثن شبكات التطرف والانحراف، عبر خلق المناخ الأسرى السوى المترابط، وتربيتهم على قيم الخير والحوار، بالإضافة إلى أهمية الدور الذى يمكن للمدرسة أن تقوم به عبر تطوير مناهج التعليم وأداء المؤسسات التعليمية، من خلال تعليم يؤمن بثقافة الاختلاف والحوار والاعتدال وقيم التعددية والحرية الفكرية والتفكير النقدى.
كذلك تفعيل دور المؤسسات الإسلامية فى العمل على وقاية المجتمع من الأفكار المتطرفة والمنحرفة، وعلاج من سقط فى شباكها ببيان المقاصد الحقيقية للشريعة الإسلامية وكشف التلاعب بالدين، وتجديد الخطاب الدينى بما يتفق وروح الشريعة ومستجدات العصر، بالإضافة إلى تطوير أداء وسائل الإعلام المختلفة لتأخذ زمام المبادرة، بعد أن باتت متوقفة عند ردود الأفعال أمام إعلام التطرف الذى تمدد وتوحش عبر تغلغله من خلال شبكات التواصل الاجتماعى.
واليوم تعرض «الوفد» عبر «مرصد مكافحة الإرهاب»، لبعض الدراسات المتعلقة بدور الأسرة والعملية التعليمية ووسائل الإعلام، وتجربة المؤسسات الإسلامية بالكويت فى مواجهة ظاهرة الغلو والتطرف، بالإضافة إلى تقديم رؤية مستنيرة لمفهوم الدعوة، وبيان قواعد اليسر والتيسير التى حفلت بها الشريعة الإسلامية.
تطوير التعليم أولى خطوات مواجهة التشدد
يلعب التعليم دورا رئيسيا فى مواجهة الغلو والتطرف والتشدد، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال وتربية الأجيال بما يعصمها من الوقوع فى التطرف، من كون التعليم هو الذى يمكنه أن يشكل ثقافة التلاميذ والطلاب وعقولهم على أسس وسطية رشيدة، تربيهم على قبول الاختلاف وإدارته، وترسخ فيهم ثقافة قبول الآخرين وحسن التعايش معهم، وتمكنهم من امتلاك الأدوات التى يستطيعون أن يواجهوا بها تحديات الحياة دون إفراط أو تفريط، وبغير أن يسقطوا فى هاوية الغلو والتطرف العنيف منه وغير العنيف.
من هذه الزاوية ينطلق الدكتور حازم على ليؤكد اهمية العامل الفكرى فى قضية الغلو والتطرف، باعتبار ان الفكرة التى تمتلك المتطرف هى التى تبنى له تصوره لنفسه وللواقع وللآخرين، وتحدد له منهج تعامله معهم جميعًا، بحسب كونها فكرة متطرفة أم معتدلة، فالعامل الحاسم يتجسد فى رؤيته هو تجاهها وتفسيره لها ولمقتضياتها، مشيرا إلى ان الفكرة التى تتحكم فى المتطرف، لا تتحكم فيه إلا إذا صادفت لديه جهلًا أو عصبية أو وجدت عقله خاويًا من القدرة على التفكير النقدى السليم لتمييز الغث من الأفكار عن السمين، وأن هذه العوامل الفكرية الأساسية هى المدخل الصحيح للنظر فى دور التعليم فى مواجهة الغلو والتطرف، دون اقتصار ذلك على مسألة زيادة نسبة التعليم ومكافحة الأمية، مشيرا إلى أن بعض أسوأ الفظائع ارتكبها متعلمون حصلوا على مؤهلات عليا كالهندسة والطب مثلًا.
ويشدد د. «حازم»، إلى ان التعليم هو العامل الأساسي فى مقاومة العوامل الفكرية التى تمكن من شيوع الغلو والتطرف، مثل الجهل والعصبية وافتقاد القدرة على التفكير النقدى، فالجهل يمكن علاجه بالعلم الحقيقى الذى يقوم على الوعى الصحيح بحقائق الأمور، وبأن الاختلاف بين البشر هو الأصل، وبأن إدارته تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والاعتدال لا باللجوء إلى الكراهية والتحقير واستخدام العنف ضد المخالفين، وأن العصبية علاجها من خلال تعليم يغرس فى المتعلمين مفاهيم كالتعددية والحرية الفكرية، ويعلمهم فن إدارة الاختلاف بينهم وقبوله من قبل ذلك، وأن غياب التفكير النقدى حله فى التربية عليه منذ الصغر فى المؤسسات التعليمية المختلفة، التى تكمن رسالتها الأساسية فى تنمية الوعى والفهم عند الدارسين، بحيث لا تربيهم على النظرة الأحادية للحقائق، فلا يرون لها إلا سبيلًا واحدًا فقط هو السبيل الذى يعتقدونه.
ويدعو د. «حازم» إلى غرس ثقافة الحوار وآدابه فى الدارسين منذ الصغر، وهذا هو السبيل الصحيح لوقايتهم من الأساليب العنيفة فى التواصل فيما بينهم وبين مجتمعاتهم فيما بعد، أو باعتبار «أن الذى ينشأ فى طفولته فى جو الحوار بالكلمة لن يسهل عليه فى شبابه أن يستبدل بها سلاح القتل والتدمير، والذى يجد له فى صناعة قرارات المجتمع مكانًا ونصيبًا منذ نشأته، يصعب عليه أن يفر فى شبابه إلى اغتراب يفرضه على نفسه»، مطالبا بضرورة تطوير المناهج التعليمية وإصلاح المؤسسات التعليمية ذاتها، وتطوير سياساتها التربوية والتعليمية من خلال تحقيق الاستقلالية الكاملة للعملية التعليمية، وتوفير حياة كريمة للقائمين على العملية التعليمية حتى لا يلجأوا لوسائل أخرى لتحسين مستوى معيشتهم تفقدهم مهابتهم فى نظر الدارسين، وتؤدى لانهيار ثقتهم فيهم، وهو ما يدفع الشباب إلى غيرهم من أئمة الغلو والتطرف، بالإضافة إلى إشاعة أجواء الحرية الفكرية فى المؤسسات التعليمية، ما يساعد على غرس التفكير النقدى الحر فى عقول الطلاب، ولا يمكن احد من زراعة الافكار المتطرفة لديهم، أو خداعهم بالشعارات الرنانة مثلما يحدث فى الكثير من حالات الغلو والتطرف.
فى ذات السياق، يرى الدكتور عبد الله بن عبد العزيز، أن المدرسة يجب أن تتحمل الدور المنوط بها فى تقليل الإرادة الإجرامية لدى أفراد المجتمع، حيث يرتبط الامن ارتباطا وثيقا وجوهريا بالتربية والتعليم، إذ بقدر ما تنغرس القيم الأخلاقية النبيلة فى نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان والاستقرار، مشيرا إلى أن التعليم يؤدى عملا حيويا ومهما فى الحفاظ على تماسك المجتمع، وخلق الانتماء الوطنى ومشاعر الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع الضرورية للمحافظة على بقاء المجتمع وتكامله، معتبرا ان مواد التربية الإسلامية من أهم المواد الدراسية التى يمكن ان تساهم بدور فاعل فى خدمة الأمن لدى الطلاب من خلال التركيز على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التى تربى النفس على القيم الفاضلة، وتحذر من انتهاك المحرمات والفساد فى الأرض، وحرمة أذى الناس، وتحريم حمل السلاح وسب المسلم وقتاله.
كما يدعو د. «عبدالله» إلى إعادة النظر فى الكثير من المناهج الدراسية والأساليب التربوية بعقلية انفتاحية جديدة، يكون لديها الرغبة والقدرة والصلاحيات والإمكانات المادية والبشرية لحذف ما أصبح غير ملائم لمعطيات العصر، وإضافة ما هو ضرورى وملائم لمعطيات العصر فى عصر العولمة والسماوات المفتوحة، وإضافة مناهج جديدة حول الوقاية من الجريمة والانحراف، مشيرا إلى ان الدور المأمول من المدرسة فى مواجهة الفكر المتطرف، يقوم على عملية متكاملة يعتمد التعامل والترابط فيها على أربعة مقومات أساسية هى الطالب والمنهج والأستاذ وبيئة المدرسة، ولا يمكن النهوض بالعملية التعليمية دون تحسين العوامل الثلاثة حيث إنه لا يمكن مناقشة الدور المأمول من المدرسة فى مواجهة الفكر المتطرف بمعزل عن تطوير عناصر العملية التعليمية، معتبرا أن المناهج الدراسية هى عماد العملية التعليمية، وأنها يجب ان تكون قادرة على مسايرة العصر وتقزيم الإرادة الإجرامية لدى الطلاب، وأن تهدف فى مجملها إلى تعميق مفهوم الولاء الوطنى لدى جميع أفراد المجتمع.
هل فشلت وسائل الإعلام فى معركة مواجهة الإرهاب؟
يطرح الدكتور تحسين محمد أنيس، فى دراسته حول «دور وسائل الإعلام فى مكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف»، مجموعة من التساؤلات الهامة حول العلاقة بين الإعلام والتطرف، والتى تحتاج إلى مزيد من البحث الجاد للوصول لإجابات واضحة تسهم فى صياغة معركة إعلامية ناجحة ضد الإرهاب، أهمها هل يمكن أن يعيش الإرهاب بدون إعلام؟ وهل تغذى التغطية الإعلامية الأعمال الإرهابية وتشجع على ارتكاب المزيد منها؟ وهل يساعد الإعلام على نشر الثقافة الإرهابية؟ ومن ثم الإسهام فى زيادة معدل ظواهر العنف والإرهاب، وهى تساؤلات جوهرية كما يرى خاصة فى ظل قدرة المنظمات الإرهابية على تطويع وسائل الإعلام، والاستفادة من ثورة الاتصالات المتقدمة فى تنفيذ عملياتها وأجندتها ومخططاتها الإجرامية، إضافة إلى حضورها الفاعل على الإنترنت وغيره من وسائط المعلوماتية للترويج لأفكارها الهدامة، وتجنيد الشباب فى صفوفها، الأمر الذى يؤكد أن وسائل الإعلام أصبحت سلاحًا خطيرا فى يد الإرهابيين، الذين بات بمقدورهم توجيه رسائل لها تأثير سلبى مباشر على الأفراد والمجتمعات.
ويقول د. «أنيس» إنه لا يمكننا إغفال الدور الذى لعبته وسائل الإعلام فى تغذية أو دعم أو ظهور الإرهاب والتطرف، من خلال استغلال الإرهابيين لها فى تسويق أغراضهم وتوظيفها فى تضليل الأجهزة الأمنية، واكتساب السيطرة على الرأى العام عن طريق نشر أخبار العمليات الإرهابية التى يقومون بتنفيذها باعتبار أن الحملات الإعلامية التى تغطى هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال أهدافهم، حيث يرون فى التغطية الإعلامية لجرائمهم معيار مهم لقياس مدى نجاح فعلهم الإرهابي، لدرجة أن البعض منهم اعتبر العمل الإرهابى الذى لا ترافقه تغطية إعلامية عملا فاشلا.
مضيفا أن الوضع العربى الراهن أوجد تحديات مهمة وخطيرة، ووضع على المؤسسات الإعلامية مسئولية مواجهتها والتعامل معها فى الحاضر والمستقبل، الامر الذى يستدعى قيام وسائل الإعلام ومنها القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعى بتطوير بنيتها حتى تواكب كل ما يستجد على الساحة الدولية، من خلال تطوير نظمها وبرامجها وسياساتها، وفقا لهذه المستجدات وذلك بتوظيف آليات تساهم فى إيجاد حلول للحد من ظاهرة الإرهاب.
بينما يعتبر الباحث الأردنى عونى الداود، فى اطار تقييمه لدور الاعلام فى هذه المواجهة، انها يغلب عليها طابع ردود الافعال، التى تعلو وتتقدم اهميتها لحظة المواجهة، وما تلبث ان تخبو بعد فترة قصيرة، مضيفا أن التطرف يتطور فى لغته الاعلامية، بينما لا يتطور الاعلام فى اساليب الردع والمواجهة، وما زالت تغلب عليه الطرق التقليدية عموما رغم تطوره كما ونوعا من مقروء ومسموع ومرئى وإلكترونى وتواصل اجتماعى وغير ذلك.
ويقول «الداود» إن المواجهة تبدو فيها جبهة التطرف اكثر تخطيطا وتنظيما اعلاميا فى مواجهة جبهات اعلامية مفككة غير موحدة، ما يفقدها الصلابة ويسمح باختراقات بين حين وآخر، وأن التعامل الإعلامى لمنظومة التطرف فى معادلة «المرسل - والمرسل إليه - والرسالة»، يبدو دقيقا فى اصابة الاهداف، اضافة لدقة تصويب رسائل التطرف للأهداف المطلوبة من دول أو مجتمعات تهدف لمزيد من التشويه وزرع الفتن والطائفية والفرقة.
ويضيف «الداود» أنه فى المقابل وباستثناء جهود فردية على مستوى الدول او المؤسسات أو الافراد، لا نجد دقة التصويب او حتى دقة الدفاع لعدم وجود تماسك او تعاون لتحقيق نتيجة صحيحة فى معادلة «المرسل- والمرسل اليه - والرسالة»، بينما هناك استمرار فى الحرب الاعلامية من قبل المتطرفين مع اختلاف وسائلها
وصورها وتوقيتها، وانه لا بد من استراتيجية اعلامية او خطة عمل او برنامج يتفق عليه من قبل كافة الجهات المعنية لتوحيد وتوزيع الادوار فى مواجهة الحرب ضد التطرف بخطاب إعلامى محترف.
الأسرة.. سياج المجتمع الأول فى مواجهة التطرف
تعتبر الأسرة اللبنة الأولى فى بنيان المجتمع وبيئتها، وأول ما يراه الطفل فى حياته، حيث لا يزال على الفطرة، وبوساطتها ترتسم فى ذهنه أولى صور الحياة، ولهذا فلا غرابة أن تكون لها تأثيرات مهمة فى حياة الفرد، فهى تشكل فكر الطفل فى فترة يكون فيها سهل الانقياد، لأن الأمر يعسر فيما بعد.
بهذه المقدمة ينطلق الدكتور خالد بن صالح محمد فى دراسته العلمية الهامة والتى جاءت تحت عنوان «دور الأسرة المسلمة فى تحصين أبنائها ضد الإرهاب والتطرف من منظور التربية الإسلامية»، ليضع الأسرة فى مقدمة كل المؤسسات الاجتماعية والتربوية، التى تتحمل عبئا كبيرًا فى معركة الأمة الإسلامية فى مواجهة ظاهرة الإرهاب ومعالجتها.
مشيرًا إلى أن قلب الطفل يعد صفحة بيضاء قابلة للنقش والتشكيل، وإن الأسرة متمثلة في الوالدين تقوم وتتحمل مسئولية كبرى تجاه هذه القضية بهذا الدور، وكما يقول الإمام الغزالى «الصبى أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد فى الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقى وهلك، وكان الوزر فى رقبة القيِّم عليه والوالى له».
وفى هذا الإطار يتناول د. «خالد» مضمون الدور الذى يمكن أن تقوم به الأسرة تجاه أبنائها فى وقايتهم من الفكر من الانحراف، عبر مجموعة من السبل والقنوات تتمثل فى توفير المناخ الأسرى المناسب، فالأسرة لا يقتصر دورها على توفير النواحى المادية والمعيشية فحسب، بل يتعدى دورها إلى التربية والتهذيب والتوجيه للفرد، وتعويده على المهارات السلوكية الحسنة، وإن جو الحنان له أثر كبير فى وقاية الطفل من الانحراف فى المستقبل، لذا ينبغى إمداده بشحنات وطاقات من الحنان، وقد عاب الرسول صلى الله عليه وسلم على موقف الأقرع بن حابس حينما شاهده وهو يقبل الحسن بن على رضى الله عنهما فقال «إن لى عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم، فنظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال :« من لا يرحم لا يرحم».
لذلك فالأسرة مسئولة عن وقاية أبنائها من الانحراف من خلال إيجاد الجو الأسرى المناسب الذى تغمره عاطفتا الأبوة والأمومة الضروريتان لنمو العواطف لهؤلاء الأطفال، لأن العاطفة تشكل مساحة واسعة من نفسية الطفل، حيث يتم بناء نفسيته وتكوين معالم شخصيته، وقد روى أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يداعب أخاه الصغير ويسأله عن طير كان معه، كما روى البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضع الحسن بن على،على عاتقه وهو يقول: «اللهم إنى أحبه فأحبه».
ويحذر د.« خالد » من أن التفكك الأسرى يساهم فى إيجاد المشكلات السلوكية والعاطفية والصحية والاجتماعية، مستندا إلى نتائج للدراسات التى قام بها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى مصر، والتى اكدت أن نسبة كبيرة من الجانحين المتهمين بالسرقة من الأحداث، كان التقصير الاسرى وراء انحرافهم، وهو ما يدل على أهمية العطف والحنان فى هذه الفترة من حياة الطفل من حيث نموه بشكل متزن وسليم، كونه من أسباب الوقاية له من الآثار السلبية والعقد النفسية.
ويشدد د.« خالد» على أهمية المساواة بين الأبناء فى المعاملة، ذكورًا وإناثًا دون أى اعتبار، فهم فى الحب سواء، وعدم تفضيل بعضهم على بعض، أو التمييز بين الذكور والإناث، وعدت تلك السلوكيات من بقايا القيم الجاهلية التى تهتم بالعزوة والذكورة والتى جاء التصور الإسلامى ليهدمها، والتى تحط من شأن البنت، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم فضل البنات، وحث على الصبر عليهن ووعد بجزيل الثواب الذى يترتب على ذلك، فقد روت عائشة رضى الله عنها، أن امرأة جاءتها ومعها ابنتان لها وسألتها فلم تجد عندها شيئا غير تمرة واحدة فأعطتها إياها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، وحدثت الرسول صلى الله عليه وسلم عنها فقال: «من ابتلى بشيء من البنات فأحسن إليهن كن له سترا من النار».
مضيفا أن التربية الإسلامية تدعو الأسرة إلى المساواة بين أبنائها فى المعاملة دون تمييز، وهذا يشمل المساواة فى الحب،والعطية،وفى طلب العلم، والمعاملة، فقد ورد عن رسول الله قوله :«فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم »، وهو ما انتهت اليه الدراسات الحديثة التى اشارت إلى أن الأمر يزداد سوءًا إذا ارتبط مع عدم العدل إهمال للطفل ونبذه فى الأكل والمشرب، والملبس والرعاية، ومداومة التهديد له وإذلاله بالنقد واللوم، وتقليل شأنه، وجرح شعوره، ومعاملته بقسوة وصرامة، لذا حرصت التربية الإسلامية على التأكيد على أهمية العدل بين الذرية والأبناء، لتنشئة أفراد يتمتعون بدرجة عالية من التوازن فى الانفعال، الذى يؤدى بدوره إلى تكوين شخصية سوية ومتوازنة ومتكيفة.
ويؤكد د. «خالد» دور الاسرة فى حسن اختيار الأصدقاء لأبنائهم، باعتبار أن المخالطة مع الأصدقاء لها تأثير عميق على شخصية الفرد، لأن الأخلاق تنتقل من شخصية إلى أخرى، وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم الأهمية التربوية الناجمة عن اختيار الصاحب فبين أنه لا محالة مؤثر على صاحبه، فقال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل »،كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن اختيار الصاحب، وأجرى مقارنة بين الرفيق الحسن والسيئ من خلال تشبيههما بحامل المسك، ونافخ الكير، فقال صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير،إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة»، ولذا فإن الأسرة تتحمل تبعة كبيرة، ودورًا مهمًا يتمثل بممارسة نوع من التوجيه والإرشاد الذى يمكن الابن من حسن الاختيار، ويشير د. «خالد» إلى أنه لوحظ أن هناك أكثر من (80%) من الأحداث المودعين فى مراكز الملاحظة الاجتماعية فى السعودية مارسوا السرقة بمشاركة الرفاق، وهذا يدل على وجود علاقة ارتباطيه إيجابية بين الانحراف ومشاركة الآخرين، وكذلك علاقة ارتباطيه إيجابية بين وجود جماعة الرفاق والانحراف، وهو ما يفرض على الاسرة الالتزام بمراقبة الأبناء فى صحبتهم لتكون صحبة سليمة وصحيحة وسرعة تصويب ما يرى فيها من اعوجاج عبر النصح والإرشاد وإبداء المشورة.
ويدعو د.« خالد » الأسرة إلى مصاحبة الاولاد الذكور ومعاملتهم معاملة تتناسب والمرحلة التى يمرون فيها، خاصة مرحلة المراهقة التى تعد أخطر المراحل، لذلك تنصح الدراسات العلمية، إلى ضرورة مساعدة الوالدين أبناءهم على تخطيها، بأن تغير سياسة النظر إليهم على أنهم أطفال، ومساعدتهم فى اختيار نوعية أصدقائهم فى جو هادئ يسوده الود والاحترام، وتحذر من معاملة الفرد فى هذه المرحلة بالخشونة والغلظة،لأن الأساليب العنيفة تفسد أكثر مما تصلح، محملا الأب مسئولية مراقبة سلوك أبنائه، وإبعادهم عن النزعات الشريرة، ومشددا على أن مصاحبة الأب لابنه لها قيم تربوية مهمة تتمثل بإزالة الحواجز التى قد تعيق التفاهم بينهما، ويفتح مجال الاستشارة بينهما، والكشف عن القدرات الفعالة التى يمتلكها الولد.
نجاح المؤسسات الإسلامية فى الكويت فى محاصرة الغلو
حول دور المؤسسات الإسلامية فى مواجهة الغلو والتطرف، يقول الدكتور مطلق القراوى، الوكيل المساعد لوزارة الأوقاف الكويتية، إن استراتيجية هذه المؤسسات تقوم على منهجين هما الوقاية، والعلاج، ويعتمد منهج الوقاية على العمل على نشر الفكر الوسطى، واعتماده منهج حياة، والسعى إلى أن تكون الوسطية ثقافة عامة وليست ثقافة متخصصة، وترسيخ واستنهاض مشاعر الولاء والانتماء الوطنى والترابط بين جميع فئات وشرائح المجتمع، توعية المجتمع بأضرار وعواقب التعصب المذهبى وأخذ العبرة من المجتمعات التى تعانى من هذه الآفات الفكرية التى تفتك بنسيجها الوطنى، تقبل الطرف الآخر واحترام رأيه بغض النظر عن مذهبه وجنسه وفكره، وتوجيه طاقات الشباب واستثمارها لصالح الوطن والحرص على مشاركتهم لرصد رؤاهم تجاه حب الكويت، و إحياء العمل التطوعى لدى الأفراد لربط الجهود الحكومية والأهلية لخدمة البلد، وتدريب وتأهيل العاملين بالمؤسسات الذين لهم اتصال بالجمهور لتأصيل مفاهيم المواطنة الصالحة لديهم ونبذ التعصب من خلال برامج تدريبية متكاملة، وفتح باب الأنشطة الرياضية والفكرية والثقافية للشباب، التواصل مع شباب الجامعات، وإقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات، والالتزام بالإسلام كمنهج حياة، وتقديم نموذج حقيقى للتدين.
ويضيف د. «القراوى» أن منهج العلاج يتم مع الذين وقعوا فريسة التطرف والغلو، والسعى لعلاج الداء الذى قد حل بعقولهم، وهو يحتاج إلى صبر ومثابرة، ونفس طويل، وحكمة وتؤدة، وإخلاص وتجرد، ومن أهم سبل علاج التطرف والغلو احتواء الشباب المتطرف، والتقرب منهم والتعرف على دوافع فكرهم، وإشعارهم بأنهم جزء من نسيج المجتمع، وإن اختلفت الأفكار، و اعتماد الحوار كوسيلة للتغيير عبر المناقشات المغلقة بعيدا عن أضواء الإعلام مع العلماء، حتى لا نثير أهواء النفس من المتطرفين والعلماء، فى التفكير فى صورتهم أمام المجتمع، وإن كانت صدقة السر خيرًا من صدقة العلانية، فإن مناقشة الغلاة فى السر أفضل من مناقشتهم فى العلانية، والتعاون مع العلماء الثقات فى رد الشبهات وهو جهد علمى يقوم على التأصيل وبحث بيان مواطن الخلل فى الاستدلال، سواء تعلق هذا بالفهم الخاطئ، أو إيراد الأدلة فى غير موطنها، أو تحميلها ما لا تحتمل، أو إخراجها عن سياقها، أو عدم اعتبار السياقات المحيطة بها، أو غيرها من مواطن الخلل التى تؤدى إلى سوء الفهم والتصرف.
وينوه د. «القراوى » بدور المركز العالمى للوسطية الذى قام منذ نشأته بعدد من الأعمال الهامة فى ترسيخ وتعزيز مفاهيم الوسطية، ومعالجة الغلو والتطرف، ومن أهمها تدريب الأئمة والخطباء بالوزارة على تعزيز مفاهيم الوسطية وكيفية مواجهة الفكر المتطرف والتعامل معه، وإقامة برامج تدريبية لموجهى ومدرسى مادة التربية الإسلامية والعلوم الشرعية فى وزارة التربية، وعقد مؤتمرات فى قضايا تؤصل للوسطية وتعميق الوحدة الوطنية، واستكمال مشروع برنامج علماء المستقبل وعالمات المستقبل لتحصين أبناء الكويت بالفكر الوسطى من خلال برامج علمية وتربوية ومهارية، والعمل على إعداد موسوعة للرد على شبهات جماعات العنف والتطرف، واصدار عشرات الاصدارات فى مجال الوسطية ومعالجة جذور الغلو، وتعميق الوحدة الوطنية، بالإضافة إلى بعض الأدوار العالمية كالدورات التدريبية التى تقام للأئمة والدعاة خاصة فى أوربا وأمريكا ودول شرق آسيا، وافتتاح مراكز للوسطية فى بعض الدول الأخرى، استكمالا لدور الكويت فى نشر الفكر الوسطى.
ويشير د. «القراوى»، إلى تأليف عدد من الكتب والبحوث والدراسات حول الغلو فى الجهاد فكرا وسلوكا، والغلو فى التكفير، والوسطية مفاهيم ومعالم، واتجاهات طلبة المرحلة الثانوية نحو التطرف والعنف، وخطوات حماية النشء، وسبل وقاية الطلاب من التطرف والعنف ودعم الوسطية والاعتدال، والتعصب الدينى والانحراف الأخلاقى، ومشروع تعزيز الوحدة الوطنية، وإستراتيجية دولة الكويت لمواجهة التطرف، ومصفوفة القيم والتى تعالج قضية التطرف الدينى، وحماية الشباب فى المجتمع الكويتى، مما أدى إلى خفض أعداد المتطرفين إلى النصف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.