تواجه مصر وغيرها من دول العالم موجات من العنف والإرهاب لم تشهد مثيلا لها في تاريخها الحديث, وقدمت حتى الآن آلاف الضحايا الأبرياء من الشهداء والمصابين، ولم يفرق الإرهاب ورصاصات الغدر والخيانة بين مدني أو شرطي أو عسكري، كما لم يفرق بين الأطفال والشباب والنساء والرجال، أو بين مسلم أو مسيحي، فالكل يتساقطون ضحايا للتطرف الديني. ورغم الجهود التي تبذلها قوات الشرطة والقوات المسلحة, فإن صناعة التطرف الديني الذي يغذي العنف والإرهاب، لم تجد حتى الآن إستراتيجية فكرية واضحة المعالم لمواجهة هذا الفكر المتشدد. وإذا كان الشباب هم أكثر الفئات العمرية انخراطا في العمليات الإرهابية، وضحايا الاستقطاب الديني لجماعات العنف والإرهاب التي تجعل منهم بنادق مصوبة لترويع الآمنين وقتل الأبرياء، فكيف يمكن حماية الشباب من الانحراف الفكري؟ وما سبل التصدي لاستغلال الجماعات الإرهابية للشباب في تنفيذ أهدافها وفكرها المتطرف بكافة صوره وأشكاله؟ وما دور التربية الإسلامية الصحيحة في الوقاية من الإرهاب والتطرف؟ وهل نحن بحاجة إلى إستراتيجية جديدة لمؤسسات الدولة لتجفيف منابع الفكر الديني المتطرف؟ علماء الدين يؤكدون أن مكافحة الإرهاب يمكن أن تتم من خلال اتخاذ إجراءات وقائية، دون الاقتصار على معالجة الآثار الناتجة عن هذه الظاهرة الإجرامية بعد وقوعها. وأن وقايتهم من التغرير بهم عن طريق التربية الإسلامية الصحيحة يمثل حصناً حصيناً لهم من الوقوع في الانحراف العقدي، ليكونوا معول هدم لمجتمعهم. علاج فقهي بحت يقول الدكتور احمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن فرق العنف المسلح تجيد استمالة وتجنيد العوام وغيرهم على مر التاريخ ويلجأون إلى إثارة العواطف الدينية والشحن المعنوى فأول ما ظهر في التاريخ الإسلامي فرقة الخوارج فقد رفعت شعار (إن الحكم إلا لله ) وقابلوا به الإمام على رضي الله عنه وقالوا له: (الحكم ليس لك يا على لكن لله) ورد مصححا ويعد أول من صحح شعارات هؤلاء فقال (كلمة حق يراد بها باطل) ثم جاء من بعدهم الشيعة فرفعوا راية الولاء لآل البيت رضي الله عنهم، ثم جاء القرامطة فرفعوا شعار (الناس شركاء في كل شيء)، فاستباحوا الأموال والأعراض بدعوى الشراكة الاجتماعية، وفي العصر الحديث جاءت جماعة الإخوان فرفعوا شعارات منها (الخلافة, أستاذية العالم, أسلمة المجتمع) ونشروا وأشاعوا الفكر السلفي المتشدد مثل تقصير الثياب وإطال اللحي ومعاداة الأولياء وتكفير المخالف، والخوض في الأسماء والصفات الإلهية، كل ذلك نسبوه زورا إلى الإسلام، ثم جاء تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية لنشر خلافة وإمامة ودولة إسلامية إلى آخره، وكل هؤلاء يحملون مبادئ ظاهرها الرحمة وما هي إلا شعارات للاستمالة واستقطاب الشباب تحت ستار الدين. وأكد كريمة أن تصحيح هذه المفاهيم والقول الحق في جوهرها يستلزم علاجين مهمين العلاج الأول فقهى بحت فلا يتصدى للشبهة إلا الفقهاء وهم مهمشون حاليا بالإضافة إلى اشتراك مراكز التأهيل الاجتماعي والنفسي فلابد من الاستفادة من الأبحاث وعمل جلسات لاستشفاء المغرر بهم من براثن الاستقطاب إن كنا جادين في تجفيف منابع التطرف والإرهاب، وكلها تدابير وقائية وزجرية في التشريع الإسلامي يجب الإسراع بتطبيقها. الدعوة للأزهريين من جانبه طالب الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين الأسبق، بقصر الاشتغال بالعمل الدعوى على خريجى الأزهر أو من يجيزهم الأزهر، ليقدموا للناس الإسلام على أساس من الاعتدال والاتزان والفكر الوسطي، لأنه فى الآونة الأخيرة أفلس كثيرون فى ميادين تخصصهم الدقيقة، ورأى هؤلاء أن الحل الوحيد هو التوجه إلى الاشتغال بالدعوة الإسلامية، يستوى فى هذا من كان يسارى الثقافة، ومن كان متخصصا فى الطب، ومن كان متخصصا فى بعض ميادين المعرفة، حيث لم يستطع أن يثبت ذاته من خلال تخصصه الدقيق، ولم يستطع أن يخدم الإسلام والمسلمين من خلال هذا التخصص، فإذا بهم يتجهون إلى الاشتغال بالدعوة الإسلامية، ولما كان الدين مرتبطا بالعاطفة، وكانت الآذان صاغية لكل من يتكلم باسم الدين، فقد أصغى كثيرون إلى هؤلاء وترتب على الإصغاء، أن يتولد غرور لدى هؤلاء، فانتقلوا من رحلة الاشتغال بالدعوة إلى إعلان الإمارة، ثم زعم بعضهم أنه أعلم أهل الأرض بالسنة النبوية، وصدقه الحمقي، فرددوا قوله، ثم تربحوا من وراء هذا الاتجاه. وهناك طائفة أخرى عجزت عن إثبات وجودها السياسي، من خلال الحركة الهادئة المقنعة أو البرامج الموصلة للغاية، ورأت أن خير ما يعتد به أو يعول عليه، هو التظاهر بالاشتغال بالدعوة الإسلامية، ومحاولة رفع شعارات دينية، ولو سألت أحدهم عن تفسير أى شعار منها ما استطاع أن يفسره، فهناك عبارة واحدة محفوظة «الإسلام هو الحل»، ومن هنا تم استغلال العاطفة الدينية واتجه الناس تجاه من يقدم هذا الشعار ولم تمض شهور عدة حتى تفاقمت المشاكل واحتار الناس فى الحصول على الخبز والبنزين وغير ذلك، فإذا البعض يقول إن الإسلام هو المشكلة وليس الحل، وبهذا أساءوا للإسلام أكثر من إساءتهم إلى أنفسهم، تراجع دور المؤسسات ويرى الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، انه من أسباب انحراف الشباب عن السلوك السوى والتشكيك في أمور العقيدة وبعدهم عن الأخلاق غياب الدور الرقابي للأسرة، يضاف إلى هذا أن كثيرا من وسائل الإعلام دأبت مؤخرا على الخروج عن المألوف وركوب متن الشطط في الخروج عن ثوابت الدين فضلا عن إفساح المجال لذوى الأفكار الضالة للظهور في وسائل الإعلام المختلفة وبث سمومهم الفكرية على الناس ولما كانت ( الداتا ) لدى الشباب شبه فارغة فيما يتعلق بالقيم والمبادئ والأخلاق وأمور الدين فأنه يقبل ما يشغل هذه «الداتا» بأي مادة سواء كانت هذه المادة طيبة أم خبيثة، وهذا ما افرز لنا الفكر الإلحادي لدى طوائف كبيرة من الشباب، كما افرز لنا السلوك غير السوى الذي يمارسه الشباب والذي لا يوصف حتى بالسلوك الإنساني وتوارت القيم المجتمعية التي ورثها الناس عن أسلافهم أمام هذه الهجمة الطاغية من ذوى الأفكار الضالة وهذا أمر متوقع مع تقاعس من تولوا أمر الدعوة في مصر عن القيام بواجبهم واكتفائهم بالبيانات والشعارات. وقد حذرنا من استمرار هذا الوضع فهذا ينذر بكارثة في حق الأخلاق التي تسود في هذا المجتمع وذلك أن الاتجاه الآن لدى كثير من الناس شبابا أو شيوخا هو اتجاه لا أخلاقي، فضلا عن اتجاه لا يصبغه أي صبغة دينية أو سلوكية يقرها دين سماوي لهذا ينبغي أن تقوم الجهات المعنية في الدولة بواجبها نحو نشر القيم والأخلاق والمبادئ التي جاءت بها الشرائع السماوية في نفوس الناس حتى يؤوب الناس إلى رشدهم ويعتبروا أن هذه الدنيا ليست غابة وإنما هي مسرح لاكتساب الرزق واكتساب الحمد أيضا فما ينبغي أن يفل الناس هذه الحقيقة ويجب أن يعاملوا الناس بعضهم معاملة حسنة. مناهج التربية الدينية وفي سياق متصل يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، إن مسئولية الأسرة تقع في المرتبة الأولى من خلال متابعة الشباب قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)، ومن هنا يجب متابعة أصدقاء الأبناء بدقة شديدة حتى ينشأوا نشأة سوية ويكمل هذا الدور المدرسة والأسف ان كتاب التربية الدينية في المدارس لا يدرس وتم تحويل حصص التربية الدينية إلى مادة اللغة العربية نتيجة لانشغال المدرس، ولا يوجد تدريس دين في المدارس، ومادة التربية الدينية لا تدخل في مجموع الدرجات، كما أننا نحتاج إلى مدرس متخصص لمادة التربية الدينية وان تدخل المادة في مجموع الدرجات، كما ينبغي أن يكون المدرس قدوة للطلاب بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي تقع عليها مسئولية تحسين المناخ الذي نعيش فيه خاصة لقدرة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية على التأثير، فلا يوجد أي توجيه ديني على الإطلاق في وسائل الإعلام، وليس به أي قيم او أخلاق، واغلب الأعمال تبعث على الانحراف، ولابد أن تكون برامج التليفزيون هادفة بحيث تعمل على محاربة الإرهاب والتطرف لحماية الشباب. وأضاف: إن مراكز الشباب لها دور كبير في محاربة التطرف وهى أماكن لنشر أي فكر وإذا لم يكن فيها توعية دينية فان ذلك يكون سببا رئيسيا في الانحراف الفكري للشباب، ولابد أن يتوافر فيها مثقف ديني يكون مرجعا للشباب للإجابة عن تساؤلاتهم لتثقيفهم وتوعيتهم دينيا لبث ونشر الفكر الديني المعتدل. ندوات جامعية وحول دور مؤسسات الدولة في مواجهة الاستقطاب الفكري للشباب يقول الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية، أن المواجهة الفكرية لا بد أن تنطلق من مبدأ المحافظة على فكر الوسطية فى المجتمع من التطرف والانحراف، حماية للمنظومة العقدية والثقافية والأخلاقية فى المجتمع المعاصر، وهذا الأمر يتطلب من العلماء المشهود لهم بالوسطية أن يتقدموا الصفوف فى نشر المنهج الإسلامي الوسطى والبدء فى برامج إعادة تأهيل الشباب الذين سقطوا فى براثن التطرف والعنف، وإعاقة أى عمليات تجنيد جديدة من خلال الحملات التوعوية والبرامج الإرشادية والدروس واللقاءات الدينية، كما ننصح باتخاذ أساليب وطرق مختلفة لاحتواء الشباب ووقايتهم من مخاطر التطرف والعنف، من خلال الالتزام بتقديم نموذج وسطى للتدين والسعى الجاد في أن تكون الوسطية ثقافة عامة سائدة كما طالب الدكتور مجدى عاشور، بتوجيه طاقات الشباب واستثمارها لصالح الوطن والحرص على مشاركتهم لرصد رؤاهم تجاه الوطن، والتواصل مع شباب الجامعات، من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات داخل الحرم الجامعى وفى الدروس الدينية والثقافية، واعتماد الحوار كوسيلة للتغيير.