بقلم: د. ناجح إبراهيم «شرعية أى نظام حاكم تنبع أساسا ً من رضا الشعب عن هذا النظام» وإذا انعدم هذا الرضا بشكل آخر فقد هذا النظام شرعيته.. ووجب عليه أن يتنحى من تلقاء نفسه.. فالرضا هو مناط الشرعية وغياب الرضا يعنى غياب الشرعية عن النظام الحاكم. أما الجيوش الوطنية فمهمتها الدفاع عن الوطن وحدوده وليست الدفاع عن الحاكم.. ولا يجوز لهذه الجيوش أن تكون أداة فى يد الحاكم ليقتل بها شعبه إذا عارضه أو تظاهر طالباً خلعه أو رحيله عن كرسى الحكم. هذه المعانى وردت فى وثيقة الأزهر الثانية التى شرفت بحضور مناقشاتها مع فضيلة د. أحمد الطيب وصحبه الكرام.. وكم كنت أود أن ينصت إليها جيداً بشار الأسد ونظامه وجيشه ليعلم بشار أن شعبه لا يريده.. فهتافات الجماهير السورية الغاضبة تكاد تصم الآذان.. وآلاف القتلى والجرحى السوريين يجعلون أقسى القلوب ترق لهم.. ومن الأكرم والأفضل لبشار الأسد أن يترك السلطة لغيره بطريقة تحفظ استقرار ووحدة وأمن سوريا. وقد كنت أتمنى أن يقرأ وثيقة الأزهر الجيش السورى الذى حصد فى اليومين الماضيين فقط أكثر من مائة قتيل فى تطور دموى خطير للأزمة السورية الحالية. فقد قام الجيش السورى والحرس الجمهورى بخمس مذابح فى حمص وحماة.. وهما يمثلان المربع السنى المهم فى سوريا والذى يصر نظام بشار على سحله وتأديبه ودك مدنه وقراه وإذلال سكانه وليس مجرد السيطرة على المدن.. مما يعيد للأذهان مذبحة حماة التى قام بها الرئيس حافظ الأسد والد بشار عام 1982م والتى قصف فيها حماة بالطيران والمدفعية والصواريخ وقتل فيها قرابة عشرة آلاف مدني. لقد أبادت قوات بشار والشبيحة عائلة كاملة فى حى أبو كرم بحمص.. وقتلت أطفالها ونساءها وفتياتها فى مجزرة يندى لها الجبين.. ولم تستطع الفضائيات بث هذا المنظر البشع الذى لا يتحمله أى قلب ولا تصمد عين عن رؤيته. قد يكون بشار الأسد يريد الرحيل عن الحكم وسوريا ولكن قوى كثيرة قد تحول بينه وبين ذلك .. لأنها ستضرر ضرراً بالغاً من رحيله وزوال نظامه. فالطائفة العلوية التى ينتمى إليها تخاف أن يترك الحكم فتقع نهباً للانتقام الفظيع من الثوار. كذلك حزب الله الذى يرى فى النظام السورى الحصن الحصين له فى المنطقة وهو يخاف من انفراد القوى الإقليمية والدولية التى تتربص به لنزع سلاحه منذ زمن طويل. فضلاً عن قادة المنظومة الأمنية والعسكرية السورية الذين ارتبطت مصالحهم بنظام بشار ويخافون من المحاكمة أو عمليات الانتقام من أسرهم التى قد يقوم بها الثوار إذا زال نظام بشار.. خاصة أن الثوار الآن أصبحوا مسلحين بأسلحة ثقيلة وخفيفة. وعلى كل من يريد حل المشكلة السورية أن يطمئن هذه الأطراف الثلاثة حتى يتوقف نزيف الدماء.. وحتى لا تتحول الأمور إلى حرب أهلية أو طائفية أو عرقية فى سوريا تأكل الأخضر واليابس. إن حالة سوريا أكثر تعقيداً من حالة مصر أو تونس أو اليمن.. ومن يريد أن يدرك ذلك فعليه أن يقرأ التاريخ السورى جيداً فى فترة الانقلابات الكثيرة فى الخمسينيات من القرن الماضي. إن الأزمة السورية معقدة فلا العالم الخارجى يستطيع التدخل الدولى فيها مثلما تدخل فى ليبيا.. فليس فيها ما يغريه على ذلك من بترول وخلافه.. فضلاً عن المصاعب الجمة التى قد تقابلها هذه القوات.. فسوريا ليست صحراء جرداء كبيرة تفصل بين المدن مثل ليبيا.. وأى قوة عسكرية للناتو سوف تدخل سوريا ستتعرض لخسائر بشرية فظيعة.. لأنها ستدخل فى حرب مدن مع الجنود السوريين الأقوياء ذوى التدريب الجيد.. والغرب الآن كله مهلهل سياسياً واقتصادياً ولا يريد المغامرة بأبنائه. أما التدخل العسكرى العربى فلن تجازف به أى دولة عربية.. لأنها إذا أدخلت جيشها فيه فكأنها تدخله إلى الجحيم بعينه.. وتلوث شرفه العسكرى بإراقة دماء المسلمين.. ودخول ميدان قتال لا تعرفه.. وتكرر مأساة تدخل مصر فى اليمن والذى كان من أسباب هزيمة 5 يونية. إذاً الحل ينبع من سوريا نفسها على أن تتوافق الأطرف السورية والعربية على إعطاء ضمانات لهذه الأطراف الثلاثة لحل هذه الأزمة بطريقة تحفظ دماء كل الأطراف.