المراقب لما يحدث من تطورات مفجعة في سوريا يكتشف وجود قائمة طلبات متعارضة مع بعضها البعض لا سبيل لحسمها, فالشعب السوري بمظاهراته السلمية!! يريد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. والرئيس يريد اخماد الثورة السلمية بأي ثمن وأي طريقة ولا يبدو أنه مستعد للسقوط أو التنازل عن موقفه ولو أدي الأمر لسحق نصف سكان سوريا. وقد اثبتت التجربة علي الأرض أن الدكتور بشار الأسد يفضل الحل الجراحي لعلاج أزمة شعبه مهما كانت مكلفة ومؤلمة للشعب طبعا, وقد استفاد جيدا من دروس بن علي ومبارك, فلا يبدو أنه مستعد للرحيل أو الهروب كما فعل الرئيس التونسي, ولا هو مستعد للمثول للمحاكمة ودخول قفص الاتهام مثل مبارك. وفي سبيل ذلك, لم يتورع الأسد عن استخدام الدبابات والمدرعات والطائرات والاسلحة الثقيلة والمدفعية لسحق الثورة وإسكات المعارضين كما لم يغفل استخدام الآلة الإعلامية الموجهة التي اطلقت علي الثوار وصف( القوي الإرهابية) برغم احتكاره لاستخدام القوة المفرطة في قمع مظاهراتهم, فيما يمكن اعتباره حالة إسقاط مكشوفة. من ناحية ثالثة, أحكم الأسد سيطرته علي وسائل الإعلام العالمية بمنع دخول مندوبيها لتغطية ما يجري في المدن السورية من انتهاكات وقتل وتعذيب وتمثيل بجثث المعارضين والقمع الوحشي, لتحتكر وسائل إعلامه الرسمية الحقائق من وجهة نظر النظام, ولنقل ما تشاء عن المعارضين السلميين( فهم وفقا لبشار الأسد ليسوا أكثر من إرهابيين ينشرون الرعب بين السكان ويجب التصدي لهم بكل الوسائل. .......... وبرغم الإدانة العربية والدولية, وبرغم تواصل المواجهات غير المتكافئة بين شعب أعزل مسالم وبين جيش مدجج بالاسلحة الثقيلة, وبرغم آلاف الضحايا في حماة وحمص وأدلب وغيرها.. يبدو أن الأسد لم يعد امامه خيار آخر غير أن يمضي في نهجه المدمر حتي يسحق الانتفاضة نهائيا, حيث انعدمت فرص المصالحة تماما مع الشعب بعد سقوط هذا العدد الهائل من الضحايا في انحاء سوريا, في الوقت الذي يرفض خيار التنحي أو الرحيل.. فهو باق إلي النهاية فيما يبدو ليس نهايته بالطبع ولكن نهاية الثورة والثائرين بأي عدد من الضحايا. يبقي الأمل في تدخل خارجي يجبر الأسد علي وقف المذابح والمجازر التي يرتكبها بحق شعبه وهو أمل ضعيف, إذ ليس للاطراف الدولية القادرة علي التدخل بالقوة العسكرية مصلحة في إنهاء هذا الوضع المأساوي إضافة إلي أن التدخل العسكري في أحيان كثيرة لا يفيد مثلما هو الحال في ليبيا, فقيام الناتو بقصف بعض قوات القذافي وكثير من المدنيين الليبيين بطريق الخطأ لم يجبر الزعيم الليبي علي الرحيل أو التنحي, والأسد يفهم هذا جيدا, كما أن فرض عقوبات اقتصادية علي سوريا من شأنه زيادة معاناة الشعب السوري وحده ولن يمس الأسد حتي لو جمدوا مدخراته في بنوك العالم, فمازال لديه الأصل في سوريا وبإمكانه تعويض أي خسائر مادية من الشعب نفسه. وبهذا.. نعود بالمعادلة إلي الوضع الأول أو الرغبة الأولي للشعب السوري في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا بالاجماع الشعبي الكامل علي خلعه أو اسقاطه, وهو ما لم يتحقق بعد, اضافة إلي ضرورة أن ينحاز الجيش والشرطة إلي الشعب والذان اختارا من البداية أن يكونا في صف الرئيس وهما عنصران حاكمان في هذه المعادلة المؤلمة.. وحتي يتم ذلك سيظل الشعب السوري يسدد ثمنا فادحا من دمائه ولن يستطيع اسقاط الأسد حتي تتغير معطيات هذه المعادلة لصالحه.