لا نستطيع على الإطلاق أن ننفصل عن الواقع المصرى الذى نعيشه فى المرحلة الآنية؛ ولا نملك تجاهه إلا الرصد الصادق والمُحايد لحراك وتفاعلات المجتمع تحت وطأة ما هو أشد من «الطاعون» الذى اجتاح القطر المصرى وبلاد المغرب لعدة مرات؛ وهو الذى قام برصده «عبد الرحمن الجبرتي» فى كتابه المهم بعنوان «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» أو المعروف لدى العامة ب «تاريخ الجبرتى». ولست بصدد استعراض ما رصده الجبرتى عن وقائع تفشى المرض وصدام المصريين مع جيوش الفرنجة الفرنساو على حد وصفه وسقوط الآلاف من المصريين صرعى فترة اجتياح ذاك الوباء. ولكنى سأعقد مقارنة بسيطة لمجرد الرصد للتأريخ بين المواجهات التى تتم الآن لمواجهة فيروس «كورونا» من وجهة نظر «العلماء والأطباء» ووجهة نظر كتائب الشر من «الأدعياء»، ومحاولة رصد كيف يتعامل كل فريق مع «الوباء» إذا ما تخيلناه بمثابة وجبة كلٌ على مائدته بذائقته النفسية والعلمية والعقائدية! وأعرف مسبقًا أن المسألة صعبة ولكنها بالرؤية العاقلة ليست مستحيلة. ترى.. هل سيحالفنى النجاح ؟ بداية.. لابد لنا أن نعرف أن الجنس البشرى يخوض الآن معركة طويلة الأمد ضد «فيروس» بدا غامضًا فى بدء حياته من مدينة «ووهان الصينية»؛ وصاحب الرعب خطوات انتشاره بسرعة رهيبة ليحصد المئات من الأرواح؛ وخاصة كبار السن الذين يفتقدون لقوة جهاز المناعة فى تركيبتهم الجسدية. وسرعان ما عكف الأطباء والعلماء داخل المعامل البحثية المُجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية على إجراءات محاصرة واستكشاف هذا العدو الخطير، وجاءت النتائج البحثية الفورية بما يؤدى مرحليًا إلى تحجيم انتشاره وتغلغله قدر الإمكان وتحديد صفاته الجينية ومكوناته الخلقية، وكان الإجماع على تسميته مؤقتًا «فيروس كورونا المستجد 2019»؛ حيث سجلت أول حالة إصابة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية على سبيل المثال فى عام 2012، حين أصيب طفل بالفيروس إثر مخالطة «جمل» حامل للفيروس. وسجلت بعدها حالات إصابة عديدة بين البشر إثر التعرض للإبل المصابة. وكلمة «كورونا» هى المقابل اللاتينى لكلمة «تاج»، وقد استمد اسمه من شكله الحلقى المغطَّى بالنتوءات التى تشبه التاج. وتشير خلاصة الأبحاث العلمية الجادة إلى المزيد من الأمل فى القضاء عليه قضاءً مبرمًا؛ أو تحجيمه ومحاصرته لإنقاذ البشرية من هجماته المتوحشة. وعلى رأس المشهد كانت تقف مصر كعادتها بأطبائها وعلمائها وباحثيها ومعاملهم ذات التكنولوجيا المتقدمة؛ علاوة على جهود وزارة الصحة المصرية بالزيارات المكوكية إلى البلدان المضارة بالفيروس؛ للوقوف على المستجدات فى المقاومة وتبادل الخبرات بالتعاون مع قطاعات إدارة الأزمات والكوارث؛ تمثلت فى تنظيم دورات تدريب توعوية لمديرى مدارس التربية والتعليم، والمعاهد الأزهرية والمدرسين، والأطقم الصحية على إجراءات الوقاية ومكافحة العدوى من فيروس كورونا. تلك هى تعاملات العلم والعلماء مع ما تخيلناه « وجبة « والتشبيه مع الفارق لتقريب الصورة على المائدة؛ وكيفية التعامل بالمنظور العلمى البحت؛ وليس بالتهويمات والحوقلات وغيببوبة حلقات الدراويش من المجاذيب الذين يعتقدون أن كل خطوة يكسبها «العلم» وقوانينه المحسوبة يخسرها «الدين والعقيدة» والعكس، وللأسف يستوى فى هذا الاعتقاد الخاطئ كبار السلفيين فى الدين الإسلامى والمسيحى! ولنا أن ننتقل إلى الجانب الآخر من الشريحة الاجتماعية وهى موجودة شئنا أم أبينا كطبيعة للمفارقات المجتمعية الموجودة منذ الأزل التى تتعايش مع الواقع المصرى المعاصر بنظرة متخلفة معجونة بكل ما غرسته الكتب الصفراء التى قامت بتلويث التراث العقائدى بكل الخرافات غير المستندة إلى منطق العلم والعلماء. ولنا أن نرصد ما قامت به أخيرًا تلك الفئة من جماعات الجهل والتعتيم، وحملة أفكار ثقافة الموت والتربص لإطفاء مشعل التنوير؛ وذلك باعتلاء المنابر والصراخ الجهورى بأن يستسلم «االناس» للبلاء لأن تلك الفيروسات والجراثيم الفتاكة بحسب جهلهم جندٌ من جنود الله أتوا للقضاء عليهم وعلى الحرث والنسل لفسادهم فى الأرض فحقَّت عليهم اللعنة بهذا الوباء والبلاء! لقد تناسى هؤلاء الغوغاء أن الله أمرنا أن نأخذ بالأسباب العلمية لمجابهة أخطار الحياة و«قل رب زدنى علمًا» ولم يقل : تقاعسوا وانتظروا الموت! ولو تمعن هؤلاء واستخدموا عقولهم فى العديد من المشاهد التى منحها الله لنا للعظة والعبرة، فنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه «إبراهيم» يعانى سكرات الموت.. ليموت بين يدى أبيه بفعل المرض، وهو النبى القادر على أن يدعو الله ببقاء ابنه حيًا فيلبَّى طلبه، ولكنها حكمة الله القادر العليم بأحوال البشر وربما للخوف من الأدعياء بالمطالبة بتوريث الرسالة والنبوة ! فهل يعى هؤلاء قيمة هذا الدرس للعودة إلى عقولهم؟ تلك هى رسالتنا ورسالة الدولة الحريصة على صحة وسلامة ابنائها ؛ ولا يسعنا إلا أن نثمِّن دورها الإيجابى تجاه الشعب المصرى وملايين الوافدين فى ضيافته من كل جنسيات العالم، وهو الموقف الذى قوبل بالإشادة من كل المنظمات الصحية العالمية وتوجيه الشكر لتلك الجهود الخلاقة فى سبيل إنقاذ البشرية؛ والسير بأمان على طريق الحياة. ولكِ يا مصر السلامة أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون