أعترف بأن آلة التشوية السياسية والإعلامية التي استخدمها الرئيس المخلوع وما زال يستخدمها بقايا هذا النظام ضد معارضيه من مرشحي الرئاسة المحتملين كانت وما زالت لها مفعول السحر. اكاد أجزم انها الآلة الوحيدة التي كانت تعمل في مصر بكفاءة في ظل حكم مبارك، فهبوط مؤشر شعبية جميع من وقفوا أمام نظام مبارك وصعود من لم يكن معارضا لهذا النظام في يوما ما، يجعلنا علي يقين ان هذه الآلة التشويهية لا يمكن أبدا الاستهانة بها. المشكلة في رأيي ليس لها علاقة ببرنامج المرشح المحتمل ومواقفه و صحيفة اعماله أو حتي قبوله عند الناخبين، المشكلة أن من وقفوا امام الحاكم المخلوع تم تشويه صورتهم وتم اغتيالهم سياسا باتهامهم دائما بأنهم عملاء للغرب وأنهم صناعة أمريكية وأن لهم اجندات خارجية علي الرغم من أن الجميع يعلم الآن من الذي كان يضع مصلحة الغرب امام مصلحة مصر من أجل البقاء أطول فترة ممكنة في حكم البلاد. لكن السؤال هنا لو كان الاشخاص تبادلوا المواقف هل كان الامر اختلف؟ ماذا لو كان السيد عمرو موسي مثلا هو الذي ترك منصبه في جامعة الدول العربية وقرر الانضمام في صفوف المعارضة في فبراير 2010؟ أعتقد ان جميع القوي السياسية في مصر كانت ستلتف حوله كما فعلوا مع الدكتور البرادعي وكانوا سيدعوه لتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير. هل لك أن تتخيل عزيزي القاريء حجم التشوية والملفات السوداء التي كانت ستخرج علي عمرو موسي في هذا الوقت؟ خاصة ان موسي كان جزءا من هذا النظام في يوم من الأيام وأن نظام مبارك كان يعلم عنه الكثير، علي الاقل يعلم عنه ما لا يعلمه عن الدكتور البرادعي الذي كان رجلاً يفتخر به كل مصري حتي نهاية عام 2009 لانه من القلة التي تعد علي اصابع اليد الواحدة الذي حصل علي جائزة نوبل ولكن النظام المخلوع لم ييأس يوما في اغتياله سياسيا. فأصبح البرادعي بين يوم وليلة عميلاً وخائناً وهو السبب الرئيسي في تدمير العراق، علي الرغم من ان هذا هو الموقف المشرف الذي كان السبب وراء حصوله هو ووكالة الطاقة الذرية التي كان يرأسها علي جائزة نوبل للسلام، ذلك لعدم رضوخه للضغوط الأمريكية التي طلبت منه الاعتراف بإمتلاك العراق لسلاح نووي و لكنه لم يفعل. لكن رجال مبارك في الساحة السياسية والاعلامية لم ييأسوا يوما من تشوية الرجل ليقينهم انه اصبح خطراً حقيقياً يهدد مصالحهم الفاسدة. أما اليوم وبعد القرار المفاجئ الذي اتخذه الدكتور البرادعي من إعلان انسحابه من سباق انتخابات الرئاسة فلا أستبعد أبدا إذا ما عاد الدكتور البرادعي ليكون قيمة وطنية ودبلوماسية جليلة يحتذي بها مثله مثل الدكتور أحمد زويل مثلا طالما انه أصبح بعيدا عن منافسه محتكري السلطة في السابق ومحتكري الثورة الآن. إن شجاعة رجال امثال الدكتور محمد البرادعي وصلابته في تحمل الإهانات والتنكيل الشخصي ما هي الا فاتورة دفعها الشرفاء اصحاب المواقف الوطنية المحترمة قبل الثورة ومازالوا يدفعون هذه الفاتورة حتي بعد قيام ثورة ضد نظام فاسد مستبد. شكرا يا دكتور برادعي علي ما فعلته وشكرا علي ما أردت أن تفعله ولكنك لم تستطع.