تعد محكمة القضاء الإداري المصرية علماً علي مواجهة الظلم في كل العهود السابقة خاصة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وقد دفع بعض قضاة هذه المحكمة ثمناً غالياً من أجل مواجهة هذا الظلم والبغي.. ومن هؤلاء المستشار طارق البشري الذي كان رئيساً لمحكمة القضاء الإداري عام 1992 فقضي ببطلان تحويل الرئيس مبارك لمتهمين مدنيين لمحاكمتهم أمام العسكرية. وذلك الحكم أوقف تحويل بعض أبناء الجماعة الإسلامية إلي المحكمة العسكرية لمدة شهرين.. حتي تم نقض الحكم من المحكمة الإدارية العليا. وهذا الحكم كان سبباً في إقصاء المستشار البشري من القضاء الإداري.. وعدم وصوله إلي سدة رئاسة مجلس الدولة المصري رغم أحقيته بمثل هذا المنصب.. ورغم أن هذا المنصب بلغه كثيرون أقل منه علماً وشأناً وشجاعة. واليوم أصدرت محكمة القضاء الإداري المصري بالإسكندرية حكمها التاريخي بأنه لا يجوز منع المرأة المحجبة من العمل أو إقصاؤها من مهام عملها بسبب ارتدائها للحجاب. وأشارت المحكمة في حكمها إلي «أن الحجاب لا يعوق المرأة عن أداء عملها بل يصون كرامتها» وقررت المحكمة في حكمها إلغاء قرار وزير الإعلام الأسبق بمنع مذيعة في القناة الخامسة من الظهور علي الشاشة بدعوي ارتدائها الحجاب. وأردفت المحكمة في حكمها: «أن الحجاب كزي للمرأة المسلمة لا يقلل من ظهورها أمام المشاهدين علي شاشة التليفزيون ومنع المرأة المحجبة من أداء بعض الأعمال مثل الظهور علي الشاشة أو بعض الوظائف التي تشترط ألا تكون المرأة محجبة». لقد أنهي هذا الحكم حقبة من الإقصاء الذي كان يمارسه نظام الرئيس مبارك ووزراء إعلامه صفوت الشريف وأنس الفقي ضد كل من تلبس حجاباً من مذيعات التليفزيون. وقد سألت نفسي طوال هذه الفترة عدة أسئلة: ما الذي يضايق أمثال هؤلاء من الحجاب؟ أليست المذيعات يمثلن شرائح المجتمع المصري التي تبلغ نسبة الحجاب فيها قرابة 90% من المصريات؟ كل مذيعات الدنيا فيهن كل أطياف المجتمع جميعاً.. فإذا كان المجتمع أسمر البشرة كانت المذيعات سمراوات.. وإذا كان المجتمع أبيض البشرة كانت المذيعات بيض البشرة.. وإذا كان المجتمع فيه المحجبة والمتبرجة.. والسمراء والبيضاء وقمحية اللون فلتأت شرائح المذيعات من كل هذه الشرائح.. أما أن تكون كل المذيعات المصريات شقراوات ذات عيون خضراء وفي غاية التبرج فهذا لا يحدث إلا عندنا. فأمريكا نفسها فيها مذيعات سود وهي وطن البشرة البيضاء أساساً. هل العقل والفكر والقدرة علي العمل الإعلامي هو أساس الاختيار.. أم خلع الحجاب وكراهيته هو الصك الذي تدخل به المذيعة إلي التليفزيون المصري.. فضلاً عن الوراثة التي تفشت كالوباء في أجهزة الإعلام الرسمية.. حتي رأينا الجد والأب والابن.. أو الجدة والأم والابنة في التليفزيون المصري. هل الحجاب يحول بين المذيعة وبين قدرتها علي الحوار والتواصل مع الضيوف والإبداع الإعلامي.. أم ماذا؟ لمَ لم تقم جمعيات حقوق الإنسان التي كانت تملأ مصر كلها بتبني قضية المذيعات المحجبات والظلم الذي وقع عليهن.. أم أنها انشغلت عن ذلك بجمع الأموال من هنا وهناك.. وهذه القضايا تغضب صاحب «المخل» علي رأي المثل. لم نسمع لجمعيات المرأة وحقوقها ومشيرة خطاب وأخواتها صوتاً عندما كانت المذيعة المحجبة تطرد من الشاشة طرداً مؤبداً.. وكأن هؤلاء المذيعات لسن من جنس النساء.. أو أن حجابهن أخرجهن من سقف الحماية لهذه المؤسسات التي فشلت تماما ً في رعاية المرأة المصرية الحقيقية. لقد كان صفوت الشريف وأنس الفقي يعادون أي مظهر إسلامي داخل التليفزيون.. وكأنه كان ملكا ً لهما من دون هذا الشعب المسكين الذي يدفع هذه المرتبات الباهظة من عرقه وتعبه وضرائبه.. ورغم ذلك كله كان الإعلام المصري من أفشل أجهزة الإعلام في العالم العربي كله.. فلا دينا ً أبقوا ولا مهنية اتبعوها ولا ريادة مزعومة حافظوا عليها.. ولكنهم حصدوا الفشل تلو الفشل.. وهذا الحكم دليل آخر علي فشلهم.