نستحقها هذا العام والعام الجديد الذي تعمّد بالدم وبالتضحيات وبالوعد. كل سنة وشهدائنا أحياء عند ربهم يرزقون، وأحياء في قلوبنا. ينظرون إلينا من جنان وارفة، يحيطونا بالرعاية والذكري، ويسألون عن المستقبل. المستقبل انفتحت أبوابه وطريق السعي له طويل. لا ينتظره الجبناء، ولكن من يحلمون ويغنون ويصبرون علي ما يكرهون. وحين ينفضّ الناس من حولهم، يستدفئون ببعضهم، ويستعينون علي غربتهم بمزيد من السعي للحرية والمقاومة. هربنا من الهروب، وأزحنا الجدار الذي كان يقسّمنا طوائف ويلقي إلينا بالفتات، لنعيش مسالمين فوق السطح ومتناحرين تحته. طائفة موسرين في جيتو مغلق، وطائفة فقراء لا حيلة لهم، وطائفة ترفع شعار الأخلاق والدين لتحتكرهما، وطائفة خدم نظام العبودية، وطائفة المستفيدين من الفساد والرشوة والتحلل الإجتماعي، وطائفة أمن الدولة التي لم تعد دولة. لكي نتحول من طوائف إلي شعب كان لا بد أن يغيب هذا الجدار وهذا الطاغية، الذي يحرّضنا جميعا علي بعضنا لكي يستمر في استنزاف قوتنا وحريتنا، ويواصل إهدار حقنا في أن نعرف بعضنا، ونواجه خلافاتنا ومشاكلنا. اليوم غاب الطاغية وترك طوائف حمايته لتقتلنا، وتركنا نواجه ما زرعه من ألغام في نفوسنا، ونحصد بذور الكراهية التي نثرها بيننا. ترك من يروّعنا لنطلب الأمان المنقوص الذي كنا نعيش فيه تحت حمايته، وترك الأغنياء خائفين من «ثورة جياع» مزعومة، والفقراء خائفون من «عصابة» جديدة تمص دماءهم وتزيدهم بؤسا، والأقباط خائفون من غربة في الوطن، والإسلاميون مشحونون بهواجس عن «أعداء الإسلام» الذي يملكونه هم بالطبع. ولكن علي الناحية الأخري، ها هنا أناس طلبوا الحرية والأخلاق والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية معا وفي وقت واحد ودون تراجع. وفي سبيل ذلك، يبحثون جديا عن معني للأخلاق التي لا تتلون حسب المصلحة، ولا يتغير تعريفها بتغير أصحاب الكرسي. أناس يطلبون للفقير كرامته وقوته دون حساب لما سيتكلفه ذلك من قوتهم هم أو ثروتهم. أناس يعرفون الدين كحاضنة عظمي للكرامة والتحرر الإنساني والإنعتاق من العبودية لشيخ أو نظام ظالم أو مؤسسة فاسدة. أناس يعملون من أجل تحالف اجتماعي واسع تغيب فيه عقلية الطائفة، ويعود فيه الشعب شعبا، والمواطن صاحب الحق الأول. العام المنصرم والعام القادم يشهدان ميلادا جديدا لمصريين جعلوا كفاحهم رسالتهم، وجعلوا رد الحقوق لأصحابها مهمتهم، ورفض الظلم ضالتهم. هؤلاء هم مكسبنا الحقيقي، هم الذهب الذي خرج من هذا المنجم المحترق بنار مبارك وزمانه وأعوانه. أي أمة تضل وفيها مثل هؤلاء الذين بوصلتهم الحق والعدل؟ لمن لايزال يسأل: هذا ما قدمته لنا الثورة. لا نصرا سريعا ولا تغييرا شاملا. ذهبت الثورة بالطاغية وتركتنا لضمائرنا التي يحرسها شباب ونساء وشيوخ استحقوا شارة القيادة. وهاهم يتصدون اليوم وغدا لضربات الأسود الجريحة في نزعها الأخير، تلعب الماتش الأخير. ولكن هل يعود من عمّد توبته بالدم لأزمنة الرذيلة؟