المسألة ليست في قلة الاسماء أو ندرتها لكنها طبيعة المصريين من أولاد البلد في الاحياء الشعبية الذين يحمل بعضهم إلي جانب أسمائهم الحقيقية أسماءً أخري للشهرة مثل «شفة».. و«حمقة».. و«منص».. و«كعبورة».. أو أسماء شهرة لمحلاتهم مثل فول «الجحش» ومطعم «البغل» ومسمط «بحة».. ومن يسكن منكم حي السيدة زينب بالقاهرة أو درس في مقتبل سنوات شبابه في إحدي مدارسها الثانوية الشهيرة مثل الخديو إسماعيل أو بنباقادن أو الخديوية فلابد أن يكون قد أكل ذات يوم فولاً بالزيت الحار عند الجحش قرب قسم شرطة السيدة زينب.. ومن يسكنون في منطقة المنيرة أو يمرون من شوارعها يعرفون جيدا مطعم البغل.. أما من يحبون أكل «حلويات اللحوم» مثل الفشة والكرشة والكوارع والممبار فلا بد أن يكونوا قد مروا علي منطقة الناصرية ذات مساء وأكلوا في مسمط «بحة» وتناولوا طبق شوربة «البهاريز» التي يشاع أن تأثيرها أقوي بكثير من أقراص «الفياجرا» ومن أكل الجمبري ومن تناول الجرجير.. وبصرف النظر عن شوربة «البهاريز في ليالي الخميس» وسرها الباتع.. وبصرف النظر كذلك عن اسماء الشهرة للمطاعم فإن عامة المصريين يحبون أكل الفول بالزيت الحار والشطة والليمون ومعه البصل الأخضر وإن كان البعض منهم يحب الطعمية بالسمسم.. ولأننا شعب يحب الضحك ويكره النكد غنينا للفول في شكل كوميدي ونحن طلبة في جامعة القاهرة قبل ثمانية وثلاثين عاما فكنا نقول «معصور علي فول الحلو ليمون.. وأموت أنا لو كان فيه كمون».. ثم جاء بعد ذلك بسنوات المطرب الشعبي أحمد عدوية وغني «نار يا حبيبي نار.. قلبي مولع نار.. فول بالزيت الحار».. وقد لا تعجب هذه الكلمات البعض ولكنها في الحقيقة تعكس واقع الحياة في أحياء مصر الشعبية.. وتعكس كذلك بساطة المصريين وطيبتهم وحبهم للحياة وعشقهم للضحك.. فنحن البلد الذي ظهر فيه ملوك الضحك والكوميديا الريحاني واسماعيل ياسين وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وزينات صدقي وعبد المنعم إبراهيم وعبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري وأمين الهنيدي وسهير البابلي وعادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي.. ونحن الشعب الذي أكلنا الفول وصنعنا منه الطعمية والبصارة .. فنحن لا نخجل أبدا من حبنا للفول وعشقنا لكرة القدم وطربنا لسماع أم كلثوم وسعدتنا بغناء عبد الحليم.. ونحن نهيم مع صوت فيروز وأغاني نجاة الصغيرة ونخشع مع تلاوة القرآن بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ونسبح في ملكوات الله مع صوت الشيخ سيد النقشبندي وهو يشدو «ماشي في نور الله أدعي وأقول يارب».. فنحن عباد الله ونحن ايضا عشاق الحياة.. نحبها رغم إدراكنا أننا مجرد ضيوف عليها.. نصحو كل صباح مع طلوع الشمس.. نتفاءل بالحياة.. نأكل الفول من عند الجحش أوالساندوتشات من عند البغل.. وندعو الله أن يجعل أيامنا كلها خيرا وسعادة.. وأن يكون غدنا أفضل من يومنا.. قولوا معايا «آمين يارب».