مهما كان شكل الأغلبية في برلمان 2012 فإن الحق المنوط به وضع تصور للجنة التأسيسية التي ستقوم بإنشاء دستور للبلاد، هي سلطة مطلقة للشعب وليس نوابه في البرلمان! هذه حقيقة وواقع يجب الإعتراف به من الجميع، حيث الأغلبية تجيء إلي البرلمان عبر صناديق الإنتخابات بعد معركة إنتخابية فاز فيها من فاز ، نتيجة نشاطه وكفاحه وتنظيمه لصفوفه لحيازة أغلب أصوات الناخبين، ولكن الدستور هو صيغة تعاقدية بين الدولة والشعب بكل فئاته وطوائفه بمن فيهم ال48% الذين لم يتحركوا من فوق مقاعدهم للإدلاء بأصواتهم في صناديق الإنتخابات!. وهنا يجب أن نفرق بين أغلبية حاز عليها تيار سياسي بعينه في معركة إنتخابية، ولهم الحق الدستوري في التشريع ومراقبة الحكومة وأيضاً تقديم الخدمات الضرورية للشعب الذي أنابهم عنه في البرلمان وبين لجنة تأسيسية لوضع دستور البلاد (للشعب كله). فالدستور هنا هو المرجع لكل القوانين والتشريعات وأيضاً هو المحدد لشكل الحكم وشكل النظام السياسي بل الأكثر من ذلك فالدستور هو الذي يحدد شكل البرلمان الذي يجب أن ننشئه، إما برلمان من غرفة واحدة (مجلس نواب) أو من غرفتين (نواب) (وشوري) هذا ما سيحدده الدستور والذي يجب أن تضعه فئات وطوائف شعب مصر، جميعهم، عمال، وفلاحون، ومثقفون، ومهنيون، وفنانون، وأدباء، حتي المتسولون في الشارع المصري لهم الحق في صياغة تعاقدية مع الدولة!. وهذا يتطلب وضع وثيقة محددة لمعيار وشكل ممثلي الأمة المنوط بهم وضع مشروع الدستور، هذا هو الفارق أو هذا هو الإختلاف الحقيقي الذي نقف أمامه ولا نعلم بالضبط كيف ستصل بنا الأمور بعد إنتهاء الإنتخابات وتشكيل البرلمان بلجانه وغرفه (شوري وشعب) ولعل أيضاً رئاسة الدولة، لن تحدد مواصفاتها واختصاصاتها إلا بعد أن تحصل علي دستور يوضح لنا نظام الحكم ، سواء كان برلمانياً أو برلمانياً رئاسياً، أو رئاسياً، ومع ذلك فإن التحدي الأكبر أمام شعب مصر، بعد أن استطعنا المرور من عنق زجاجة الإنتخابات في مرحلتها الثانية، حيث المرحلة الثالثة سوف تبدأ أول يناير، وفي نهاية يناير يصبح لدينا مجلسان للشعب والشوري وهنا تأتي أهمية اللجنة الإستشارية المنشأة بقرار والتي تعمل الآن علي مناقشة قانون يصدر بقرار من السلطة الحاكمة في البلاد والتي إنتهت من الجزء الأول من مهامها - وهو قانون إنتخاب رئيس الجمهورية، وأمامها مهمة أشق وهي المعيار الذي سينتخب من خلاله أو بإستخدامه البرلمان القادم أعضاء اللجنة التأسيسية، التي ستكلف بوضع الدستور الدائم للبلاد استعداداً لطرحه للاستفتاء الشعبي، لذا وجب أن نعيد القراءة في تاريخ الدساتير المصرية وكيفية نشأتها وكيفية خروجها، وأن نستفيد أيضاً مما وقعنا فيه من أخطاء في الماضي وما استحسناه من البعض الآخر، ولعل المشكلة الأكبر التي تواجه شعب مصر هي مشكلة التوافق بين التيارات السياسية والمصلحة العليا للبلاد والتي يجب أن تترأس اهتماماتنا جميعاً شعباً وقيادة وحكومة مؤقتة!