إلى متى سيبقى الناس يتحملون كل هذه الآلام والهموم، شهور الآلام أصبحت طويلة بعضها مر وبعضها الآخر لايزال كئيباً ومريراً، وكلما تصورنا أننا نقترب من فجر »القيامة« جاء من يغرقنا فى الظلام ومن يمدد ويطيل فى الآلام، وكلما صبرنا متعبين من ثقل الأحمال قيل لنا اصبروا فأنتم مازلتم فى الوقت الضائع، وهم يعلمون أنه ليس فى مصر شيء اسمه الوقت الضائع ولا شيء اسمه طرق اللعب فى الوقت الضائع، فكل هذا الوقت ضائع على مصر وعلى الناس لقد اقتربنا من عام على بدء الثورة ولم يحدث أى شيء لصالح الثورة أو الثوار، مازال رئيس النظام البائد وأفراده ينعمون فى طرة ويأكلون ما لذ وطاب، والأدهى أنهم يحركون البلطجية لإحداث الفوضى للفرار من السجون ويرسلون الإشارات التى تشمت فيما يحدث من أحداث، تعطل حركة الإنتاج، وكأنهم يخرجون ألسنتهم للناس، وكأنهم يقولون إنهم لن يحدث لهم شيء بل تتوافر لهم كل الحماية فى حراسة الشرطة باعتبار أنهم لو كانوا أحرارا طلقاء لن يرحمهم الناس والثوار لما ارتكبوه من خطايا وأخطاء لا تلوث جبينهم قط ولكن تلوث جبين كل النظام البائد وما يمثله وكذلك تلوث كل الصامتين عن الإسراع فى محاكماتهم. إن أخطر الألعاب هو اللعب فى الوقت الضائع لأن اللاعبين فى هذا الوقت سواء كانوا فى السلطة أو فى الأحزاب الدينية سرعان ما سيكتشفون أنهم اللعبة وليسوا اللاعبين. وما أقل الذين يحملون هموم الناس فى موسم الحسابات لا الحسابات الوطنية الكبيرة بل حسابات الدكاكين السياسية. طرف يحسب ما ربحه فى الانتخابات سلبيا أو إيجابيا، وأحزاب تعترف بأنها خسرت شيئاً وربحت أشياء، والكل يعرف أن الخاسر هو الشعب والضائع الكبير هو مشروع الدولة، فهو غائب فى الصراع المكشوف بين الإخوان والقوى الأخرى على السلطة وغائب أيضا فى هدوء التسليم بالواقع والعجز عن فعل أى شيء باستثناء الاعتصامات المتفرقة. والحساب الواقعى بسيط كلفة الجمود الذى تعيش فيه مصر الآن، فكل شيء متوقف إلا شيئاً واحدا هو الألسنة التى تجادل فى كل شيء وتنتقد وتهاجم كل شيء ولا تعمل أى شيء مجدٍ. كلفة الجمود الذى نعيشه ليست أقل من ثمن التغيير لكن القوى السياسية وبالأخص الإخوان والسلفيون فضلت السلطة وكراسى البرلمان على مشروع الدولة المدنية والسبب معروف لأن ثمن التغيير فى توزيع كراسى السلطة تدفعه القوى السياسية وهى لا تريد ذلك وتكاليف الجمود يتحملها الشعب.. الناس تنزل التحرير لتدفع بسخاء ضريبة الحرية وهم الشهداء ويعودون إلى منازلهم ليسمعوا أن المطلوب منهم هو المزيد من التقشف ولا أحد يعرف متى نخرج من هذه الأزمة الخانقة أو الجمود ولا شيء يوحى بأن الاعتصامات والمصادمات والمظاهرات تهز التركيبة السياسية التى يردد كل طرف فيها أنه باق فى موقعه. الخطر فى رسالة التحرير هو الكفر بقيادات أخذت الناس إلى الفقر والفساد لكن من الصعب الهرب من سؤال ملح: كيف نخرج من الأزمة الخانقة أو الجمود الذى نعيش فيه؟ ولا جواب، ومع ذلك فإننا لن نتوقف عن الأمل ولن نفقد الرجاء فمن الصعب التراجع عما جرى من معجزات خلال هذا العام وأهمها ثورة 25 يناير والأصعب هو أن ينتصر الجمود على التغيير فى النهاية. ولا مفر من بناء مشروع الدولة المدنية حتى لو تكاثرت الموانع والحواجز وضاع الكثير من الوقت. المسافة الزمنية بين 25 يناير و25 ديسمبر ليست بكبيرة لكن المسافة السياسية بينهما معروفة، فلا أحداث ثورة يناير معزولة عما يدور ولا الحوار مفصول عن الاحتقان الذى تختلط فيه الوجوه والأقنعة الطائفية والمذهبية والشخصية والسياسة الداخلية والخارجية. والمتحاورون سواء فى الأحزاب الإسلامية أو القوى السياسية الأخرى يبدون معزولين عن الهموم الملحة للناس والبلد. لا هم استطاعوا تنفيذ ما اتفقوا عليه ولا ما اختلفوا عليه قابل للاتفاق بين أصحاب المصالح وأصحاب البحث عن دولة، يتكلم المجلس العسكرى عن كل شيء ويصمت عن الأحداث الخطيرة أو يتهم المجهول ويبرئ المعلوم، وليس لديه سوى جواب وحيد مكرر عن كل الأسئلة بأنها خارج جدول الأعمال أو ملف القضية فى طريقه للنيابة بحجة أن هذا الملف متروك للمؤسسات مع أن غياب المؤسسات هو الذى حمل المجلس العسكرى المسئولية. الناس تدفع الثمن سواء فى تصاعد عدد الشهداء من أبنائهم أو ما يتحملونه من آلام وهموم وأحزان فى حين يستمر السياسيون والأحزاب والإخوان حول أنفسهم. إن ما نراه هو التصرف وكأن السياسة مجرد قضية تعرض فوق مسرح مفتوح لتبادل الاتهامات ومغلق على الحلول. وأقل ما نحتاج إليه الآن هو نداء عاجل إلى رجال الدين والسياسة الإخوان المسلمين والسلفيون ورجال الأحزاب والمجلس العسكرى والثوار والمعتصمين وأسر الشهداء.. أيها السادة ارحموا البلد والناس، تبرعوا لنا بالصمت مادمتم عاجزين عن الاتفاق لا تفعلوا شيئا، تكرموا على البلد بوقت يستعيد فيه الاقتصاد بعض القوة حتى يجد أطفالنا كوبا من اللبن، هل هذا كثير عليكم؟! ربما.. لكنه قليل بالنسبة للبلد.