يمر اليوم قرابة الشهرين على صدور قرار تولى الدكتور شاكر عبدالحميد الأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة، حيث اجتمع فى عدة لقاءات بالمثقفين وموظفى المجلس كما درس المشروع النهائى الذى وضعه الدكتور عزالدين شكرى الأمين السابق نتيجة ورش العمل التى أقامها المجلس، حملنا إليه العديد من الأسئلة حول مستقبل الأعلى للثقافة وتطور القرارات النهائية بشأن قانون جوائز الدولة ومنح التفرغ أيضا اللجان المختلفة، فأجاب عبد الحميد : « بالنسبة لى خبرة غير مسبوقة فى كثافة العمل والتنوع فى العلاقات الإنسانية والموضوعات، فمعظم حياتى قضيتها بالتدريس الجامعي، إنما العالم الثقافى المرتبط بالموظفين كان غائبا عنى نسبيا رغم علاقتى القديمة بالوسط الثقافي، لكن المرحلة المعيشة الآن هى مرحلة فارضة لشروطها وطبيعتها على الكافة، لذا فهناك قدر كبير من المطالبات والتى أرى أن معظمها مشروع ومنطقي، لكن فى النهاية هذا عالم خصب وممتع». وإلى نص الحوار ■ كيف تتعامل مع المطالبات غير المشروعة خاصة أن اليوم أى مسئول يعترض يواجه بسيل من الاعتصامات ومطالبات الإقالة؟ - الاعتصامات والرفض وكل هذه الأشكال من التعبير لا تعد وسيلة للإرهاب او نوعا من الابتزاز، أنا شخصيا أتعامل بمنطق مختلف بمعنى ألا أتجاهل أحدا وألا أتحدى أحدا، بل اننى أحاول أن أتفهمهم وأقترب منهم ونقسم الطلبات إلى قريبة وإلى مؤجلة، فأنا لست صانع القرار وحدى بل هناك مؤسسات أخرى ووزارات أخرى مسئولة عن ذلك و تتطلب مزيدا من الوقت. ■ تكليفك بأمانة المجلس فى ظل هذه الظروف الصعبة، هل يلبى طموحك ويرد لك حقك الذى أهدر من قبل ؟ - الحقيقة أنا لست ممن يبكون على اللبن المسكوب أو الماضي، لأننى دائما ما أجد الوسائل البديلة فحتى الآن لازلت أكتب وأنتج دراسات وأبحاث، وحريصا على القراءة وتطوير نفسى ومهاراتى وقدراتي، فلا أدع إحساس أننى ظلمت يسيطر على ويأخذنى عن أهدافي، بل أننى أجد متعة فى اكتشاف الوسائل البديلة والتغلب على ذلك، أما عن فكرة رد الاعتبار فمن الممكن أن أعتبرها كذلك كنوع من التقدير والثقة من الدكتور عماد أبوغازى وكذلك الجماعة الثقافية التى دعمت هذا الاختيار. ■ رغم حضورك الثقافى الواضح كأستاذ جامعى ولك عدة دراسات وكتب وأبحاث نقدية منشورة، لماذا لم يستفد بعقليتك وفكرك من قبل وتم التنكر لها من المؤسسة الرسمية؟ - الحقيقة أعتقد ان هناك سببين عام وخاص، العام أنه أحيانا ما يكون الاستيعاب والتقبل بشروط التى قد لا تكون متوفرة وقتها أو منطبقة على وقتها، أما السبب الخاص هو سفرى الكثير للدول العربية للتدريس بجامعاتها هناك. ■ من هم المثقفين الذين ترى أنه قد أهدر حقه وترى أن عليك كأمين عام للأعلى للثقافة أن تعيد له هذا الحق؟ - أعتقد أن كلا من الدكتور محمد بدوى والدكتور حسين حمودة لم نستفد منهما بالقدر الكافى واللائق بقيمتهما الفكرية والثقافية. ■ ما هى الآليات والمعايير التى تم الاستقرار عليها للاختيار باللجان؟ - بالطبع المعايير كان قد تم وضعها من قبل كل من الدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة والدكتور عزالدين شكرى الأمين السابق للمجلس حيث طلبوا من الجامعات المصرية والشخصيات المعروفة بالمجالات المختلفة والمؤسسات المختلفة أيضا، بحيث يتم اختيار الأعلى ترشيحا من قبل الجميع. ■ هناك مشكلة أن معظم المثقفين الفاعلين أو النشطاء هم بالفعل فى المجلس، كيف سيتم التغيير الفعلي؟ - ليس بالشكل الذى تصورينه فالآن يوجد تنوع فى الاختيارات واتساع فى قاعدة المرشحين وتنوع أيضا، بالتالى التغيير آت لا محالة، لكن فى النهاية الكمال لله وحده. فنحن نقوم بما هو متاح لنا وأقصى ما فى وسعنا. ■ هل سيتم تشكيل لجنة الشباب؟ - لم يتم الاستقرار بعد على الشكل النهائى لها. ■ فى لقائك المفتوح بورشة الزيتون كنت قد أشرت لميلك إلى استقلالية المجلس، فما هو مصير الموظفين فى هذه الحالة؟ - هم موظفون كما هم لأنهم موظفو وزارة الثقافة وليس المجلس، بالتالى فهم باقون بأماكنهم. ■ الشق الثانى من السؤال هو ما الذى ترى أن المجلس لن يقوم به إلا فى حالة استقلاله؟ - أن يكون أكثر قربا للمجتمع بالتالى اكثر فاعلية، وإن كنت أرى أن هذا دوره فى سواء كان مستقلا أو تابعا للوزارة، ولدى خبر هام هو أن المجلس يقوم الآن بالتجهيز لنشر سلسلة كراسات ثقافية فى موضوعات ذات صلة بالحالة السياسية الآن مثل مفاهيم العلمانية - الليبرالية - الديمقراطية وغيرها بهدف ترسيخ المفاهيم الصحيحة وسيتم توزيعها على العامة وليس المثقفين فقط. ■ كيف تحافظ على صفائك الذهنى ولياقتك الفكرية وسط الانشغال الوظيفى اليومي؟ - الحقيقة لا أقوم بذلك سوى بإجازة نهاية الأسبوع فقط! ■ ما هى خطتك لتفعيل بعض المجالات واللجان الخاملة مثل المسرح والفن التشكيلي؟ - بالطبع هذه اللجان لها رئيس وأعضاء عليهم هذا الدور، إنما بالطبع يتم ذلك من خلال عقد المؤتمرات والأبحاث أيضا لابد من المؤتمرات التشاركية بين اللجان لأنه فى النهاية هناك رابط مشترك بين كل المجالات الفنية والثقافية لابد من العمل عليها. ■ كيف ترى الكيانات المستقلة التى ظهرت بعد الثورة؟ - بالطبع هى شيء مهم وصحي، لأن التنوع مطلوب لإثرائه للفكر والإبداع لكن المهم ألا تتشابه هذه الكيانات معا فى أهدافها وأدائها وإلا تكون مجرد كيانات هلامية لا قيمة لها. ■ كنت قد تحدثت عن أزمة فى ميزانية المجلس مما أدى لإلغاء عدد من المهرجانات والفعاليات؟ - لا ليس إلغاء إنما سيكون هناك نوع من الضبط للإيقاع من حيث نوع من الدمج أو الوقوف على أهم الفعاليات، فلدينا احتفالية لمئوية نجيب محفوظ فى ديسمبر القادم ولدينا مؤتمر عن الثورة فى يناير القادم وهكذا، فنحن مهتمون بالحفاظ على دور المجلس كذلك نعمل الآن على مواصلة التبادل الثقافي. ■ كيف يمكن للإبداع والثقافة أن تكون مشروعا قوميا لمصر؟ - أولا لابد من الخروج بمفهوم الإبداع والثقافة للإطار العام، فعلينا استعارة كلمة طه حسين «أن التعليم كالماء والهواء» لتصبح «الثقافة كالماء والهواء»، لابد أن تتغلغل بالمدارس والمنازل والشوارع ووسائل المواصلات، كذلك محاولة تغيير وعى الناس ومفاهيمهم وتصوراتهم عن أشياء كثيرة، وذلك من خلال خطة استراتيجية توضع لتغيير المفاهيم، فأنا مؤمن بالتربية عن طريق الفن والإبداع لأنها تنتج أناسا محبين للحياة والفن والجمال والواقع، كذلك لابد أن تكون البيئة جميلة وتتسم بالذوق لمزيد من تنمية الخيال والجمال، هذا الكلام لن يتم تفعيله إلا من خلال تعاون بين الجهات المختلفة المسئولة عن تربية الإنسان المصرى وهى الثقافة والتربية والتعليم والإعلام، كذلك لابد من مشروع قومى فى التعليم يبدأ من المدرسة الابتدائية ويكون هناك أسس ووسائل جديدة تعتمد على الكيف وليس الكم بحيث تختصر المناهج ويكون هناك اهتمام أكبر بالأنشطة الفنية والثقافية والرياضية، فلابد من لجنة قومية لإعداد مشروع قومى للتعليم والثقافة، فكلاهما مرتبط تماما بالآخر. ■ هل ترى أن انتخابات الجامعة التى تمت أدت هدفها فى تحرير الجامعة؟ - وهل كانت معتقلة من قبل! ■ بالتأكيد... فمن المعروف أن القيادات كانت بالتعيين من قبل جهاز «أمن الدولة» وحتى اتحاد الطلاب كان تحت سطوتهم ؟ - لقد كنت عميدا للمعهد العالى للنقد الفني.. فهل كنت أنا رجلا لأمن الدولة!! هذا كلام غير دقيق، فليس كل من تم تعيينهم هم خادمين لأمن الدولة.. فلقد كان هناك بعض من الشرفاء..إنما بالرجوع لسؤالك عن الانتخابات.. أعتقد أنها استطاعت إلى حد ما أن تنجح فى إقامة الخطوة الأولى من الديمقراطية التى نريدها، وعلينا أن نتقبل ما أعلنته الانتخابات وأتفاءل بالأفضل فى المستقبل. ■ هل ترى فى مفاهيم ثورة «25يناير» وأهدافها ما ينتج تيارات فنية ثقافية جديدة؟ - تيارات لا أعتقد.. لكن ممكن أعمال ورؤى جديدة بعد فترة، لأنها تنشأ نتيجة لتأمل الحدث وليس التعليق المباشر عليه، فقد يكون بعد خمس سنوات أو ما شابه ازدهار لما يسمى الأدب الخيالي. ■ هناك أجيال مجددة بدأت من جيل الوسط لم توازها حركة نقدية مجددة أو إنتاج نظرية نقدية عربية، ما تعليقك؟ - ليس بالضرورة أن يكون هناك إنتاج لنظرية نقدية عربية، كما أن هناك ممارسين للنقد وهناك تفكيك للأفكار الكبرى كما هو الحال مع الكيانات الكبري، فهناك الكثيرون ممن يرفضون النظريات لأنها تعتبر أفكارا مغلقة فى حين أن العالم الآن أصبح أكثر تدفقا وسيولة، لكن من الممكن أن يوجد مفاهيم تفسيرية أو محاولات للاقتراب، كما أن فكرة النظرية العربية كانت مرتبطة بالقومية العربية وبانقضائها انقضت النظرية العربية. ■ هل نعيش الآن حالة من الغرابة الحقيقية أم المفتعلة؟ - لا.. حقيقية جدا، لكن هناك البعض ممن يحاول اختلاقها سواء أكانوا أفرادا أم جماعات وحتى الدول.. لأن مصر ليست دولة هينة أو بسيطة، بل لها تاريخ وجغرافيا وثروة بشرية، فالجميع يتعامل معها كأنها «سرير بروكريست» وهى أسطورة بالميثولوجيا الإغريقية عن قاطع الطريق «بروكريست» الذى كان يقوم بتغير حجم كل شخص ينام على سريره بما يتناسب مع حجم السرير الثابت! ■ فى مقالك « نوم العقل» تحدثت عن المشكلة الإعلامية وتصديرها للفراغ الفكري، فى رأيك ما سبب هذه الضحالة الإعلامية؟ - الحقيقة أن المقال كان يتحدث أيضا عن نوم العقل، فالعقل النائم يصدر أفكارا شائهة وظلامية وبدائية رافضة للخيال والإبداع تضيع معها الأمم، ولقد استوحيتها من لوحة «نوم العقل» الشهيرة للفنان الإسبانى الشهير جويا بالقرن الثامن عشر، الذى رسم هذه اللوحة حينما كانت قوى التنوير مهددة بإسبانيا عند تحالف رجال الدين والسياسة معا كما هو حادث الآن عندنا، أيضا الإعلام يلعب دورا تغييبيا من خلال تكرار الأفكار والأشخاص بما يوحى فى النهاية للمشاهد أنهم يمثلون الحقيقة.. فأنت لا ترى غيرهم!!.. أيضا التلفاز هو أبرز ممثل لثقافة الاستهلاك من ناحية الإعلانات وسياسة البيع والشراء والعرض والطلب وتحويل المذيع فيما بعد إلى سلعة الذى يتكرر هو الآخر بدوره وهكذا. ■ رأيك فى أداء المثقف تجاه الأحداث الحالية والتغير السياسى والمجتمعى بمصر، هل هو مناسب؟ - الحقيقة أنا أحيى ما يدور حاليا من حراك يعد نقاطا مضيئة، لكننى أطالب بالمزيد من التنوع والتفعيل لدور المثقفين والمفكرين.