ليس بالكلام وحده تقام الدولة المدنية ولا بالنفي وحده يختفي الانفلات الأمني.. فالناس خائفون - عن حق - علي البلد، وآخر ما يطمئنهم هو كلام الحكوميين، حيث التخويف في ثياب التطمين.. هم خائفون مما رأوه في الشارع من اشتباكات وخلافات وسرقات واغتصاب وصياح وصراخ. خائفون مما سمعوه ويسمعونه عبر ميكروفونات الدعاية للانتخابات والشاشات، وما يخيفهم أكثر هو الهمس وأحاديث السيناريوهات والتي تدور في الكواليس والمجالس الخاصة عن تمكن التيارات المتطرفة من الاستيلاء علي المجالس النيابية وإكراه الناخبين ،إما التصويت لهم أو منعهم من الوصول لصناديق الانتخابات. الخلافات السياسية أصبحت الوجبة الأساسية التي يتقاسمها الناس كل يوم.. وتتجدد هذه المشاكل بتجدد الأحداث والخلافات لتصبح هي الثقافة العامة للناس. شعب يحب الحياة يراد له أن يحترف ثقافة الخلافات والمشاكل. لكن الناس خائفون وسط الحيرة بين التحذير من التطرف والتبشير بالحكم الديني.. خائفون من اللعب بالتاريخ علي الحاضر والمستقبل. السؤال هو: ما الذي يطمئن الناس وما الذي يزيل مخاوفهم.. الجواب هو شيء عملي واحد إلي جانب إرادة الحياة فيهم وهو تسوية أو اتفاق يخرجنا مما نحن فيه.. أي اتفاق يوظف الفرصة التي منحتها لنا ثورة 25 يناير ليس من أجل الحكومة بل من أجل مصر. من يريد الإصلاح فإن الامتحان العملي هو تطبيق الديمقراطية.. وما دام الكل يتحدث عن الديمقراطية والمشاركة والإصلاح.. فلماذا التمسك بالخلافات؟ لماذا الهرب من الحقيقة والمسئولية؟ ولماذا صم الآذان عن هواجس الأكثرية الصامتة وطموحاتها ورغبتها في بناء دولة الحق؟ المصريون يستحقون حياة ودولة وأملاً في المستقبل بلا خوف أو هواجس.. أوقفوا الكلام علي الدستور.. دعوا الفقه الدستوري لأهله خارج التوصيف السياسي والشخصي.. فلن يكون الدستور غامضًا ولن نكون في أزمة دستورية. المؤسسات الموجودة الآن تشلها الأزمات بدلاً من أن تحل هي الأزمات.. نداء للجميع: تصارعوا علي السلطة بقدر ما تريدون، المهم ألا نصل إلي العنف.. والأهم أن تصلوا إلي تسوية واتفاق.. قولوا لنا بصراحة إذا كانت الأزمة أكبر منكم والحل ليس في أيديكم.