مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    للحجاج.. تعرف على سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري اليوم    افتتاح المرحلة «ج» من ممشى النيل بمدينة بنها قريبًا    أسعار اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق المحلية اليوم 17 يونيو    البيت الأبيض يفسر سبب «تجمد بايدن» خلال حفل للمانحين في لوس أنجلوس    أربع هزات أرضية في جورجيا في يوم واحد    شهيدان و13 مصابا جراء قصف الاحتلال منزلًا في حي الزرقا شمال مدينة غزة    ترتيب الدوري المصري قبل مباريات اليوم الإثنين    جوميز يستقر على حارس مرمى الزمالك أمام المصري البورسعيدي    منافسة إنجليزية شرسة لضم مهاجم إفريقي    منتخب بلجيكا يستهل مشواره في يورو 2024 بمواجهة سلوفاكيا الليلة    ما مصير «جمرات» أيام التشريق الثلاثة بعد رميها أثناء تأدية فريضة الحج؟    تحريات لكشف غموض العثور على جثة ملفوفة بسجادة فى البدرشين    مُسن يتهم زوجته وأبناءه بالاعتداء عليه وإشعال النار بشقته فى الوراق    وفاة الحالة السادسة من حجاج الفيوم بالأراضي المقدسة    ببوست هيهز مصر، والد حسام حبيب يثير الجدل عن علاقة شيرين بابنه رغم خطبتها من آخر    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يحتفى بذكرى وفاة الشيخ الشعراوى اليوم    رامي صبري: «الناس بتقولي مكانك تكون رقم واحد»    دعاء الضيق والحزن: اللهم فرج كربي وهمي، وأزيل كل ضيق عن روحي وجسدي    دعاء فجر ثاني أيام عيد الأضحى.. صيغ مستحبة رددها في جوف الليل    البيت الأبيض: المبعوث الأمريكي الخاص أموس هوكشتاين يزور إسرائيل اليوم    متى ينتهي وقت ذبح الأضحية.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    مدفعية الجيش الإسرائيلي تستهدف بلدة "عيترون" جنوب لبنان    حلو الكلام.. يقول وداع    تقرير: الدول النووية أبقت على الكثير من الرؤوس الحربية النووية جاهزة للعمل    انخفاض درجات الحرارة.. الأرصاد تكشف حال. الطقس خلال أيام العيد    في أول أيام التشريق، لقطات تهز القلوب لامتلاء صحن المطاف (فيديو)    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    يورو 2024 - دي بروين: بلجيكا جاهزة لتحقيق شيء جيد.. وهذه حالتي بعد الإصابة    مدرج اليورو.. إطلالة قوية لجماهير الدنمارك.. حضور هولندي كبير.. ومساندة إنجليزية غير مسبوقة    الصحة تُوجه نصائح مهمة للعائدين من الحج.. ماذا قالت؟    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    صفارات الإنذار تدوى فى كيبوتس نيريم بغلاف قطاع غزة    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى ثانى أيام العيد الإثنين 17 يونيو 2024    أسباب رفض «زيلينسكي» مقترح السلام الروسي الأخير    فوائد إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية فوق أسطح المباني.. تقلل انبعاثات الكربون    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    لم يتحمل فراق زوجته.. مدير الأبنية التعليمية بالشيخ زايد ينهي حياته (تفاصيل)    العيد تحول لمأتم، مصرع أب ونجله صعقا بالكهرباء ببنى سويف    إيرادات حديقة الحيوان بالشرقية في أول أيام عيد الأضحى المبارك    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    هل يجوز بيع لحوم الأضحية.. الإفتاء توضح    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    خفر السواحل التركي يضبط 139 مهاجرا غير نظامي غربي البلاد    عاجل.. موعد اجتماع لجنة تسعير المواد البترولية لتحديد أسعار البنزين والسولار    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    تعرف على حكام مباراتى الجونة والبنك الأهلى.. والإسماعيلى وإنبى    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفعت لقوشةالمفكر السياسي وأستاذ الاقتصاد يشرح تقسيم السلطة في مصر بعد تعيين رئيس للجمهورية:

ليس فقط لأن الدكتور «رفعت لقوشة» حذر في دراسة قديمة ومهمة عن الفتنة الطائفية صدرت عام 2009 وتحققت ب«حذافيرها» حرفًا حرفًا ومشهدًا مشهدًا في مذبحة ماسبيرو في 9 من هذا الشهر.. ولكن لأنه بدا تمامًا مثل زرقاء اليمامة التي حين قالت كل ما قالته لم يصدقها فيه أحد!
فبتكليف من مركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز المعلومات واتخاذ القرار الذي كان يتبع مجلس وزراء أحمد نظيف قدم المفكر السياسي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية الدكتور لقوشة دراسة مهمة أثارت حفيظة الحكومة وقتها.. ومن ثم فقد حجبت الدراسة.
ابتداءً.. كيف تصف ما حدث في الأيام الأخيرة؟
- مؤسف ومحزن وغير مقبول.. ولا أحد مدعو للقيام بواجب العزاء.. لأننا جميعًا نتلقي التعازي، ولكن الأمر أخطر مما يبدو علي السطح وأسوأ مما يتراءي في الصورة، فهو يمتد بجذوره إلي ما هو أعمق ويذهب بمخاطره إلي ما هو أبعد، ولذلك علينا ألا نذهب وراء الانفعالات.. وأن نحتكم إلي رؤية استراتيجية.
هل تعتقد أن هناك أصابع خارجية وراء ما حدث؟
- بالتأكيد وهناك أصابع داخلية أيضًا.. فالمظاهرات القبطية كانت سلمية ولكن التطور الدراماتيكي الذي جري باحتكاكات العنف رتب له وشارك فيه كل من يخطط لعودة النظام القديم وباستخدام البلطجية، فعندما نعاود قراءة المشهد سوف نقرأه هكذا: هناك عقول في الخارج تخطط لعودة النظام القديم وهناك أدوات في الداخل ضالعة في التنفيذ ومن مصلحة الطرفين الدفع بالمجلس العسكري الأعلي إلي بؤر «اشتباه الخطأ» للضغط عليه من أجل تسليم السلطة قبل إعداد الدستور الجديد وفي هذه الحالة يبدو الأمر بسيطًا للغاية. سوف يأتي برلمان.. لا يمكن وصفه ببرلمان الثورة ولكن الوصف الدقيق له هو برلمان «النظام القديم المعدل» وبعد ذلك يجري انتخاب رئيس جديد ينتمي إلي النظام القديم وكل ذلك.. قبل إعداد الدستور، وعلينا أن نتوقع في هذه الحالة أن الذي سوف يحكم مصر ليس الرئيس المنتخب أيا ما كان اسمه ولكن اللاعبين الداخليين وراء الستار والعقول المدبرة خارج الحدود وهذا التحليل يضع الأقباط في نقطة التقاطع.
بمعني؟
- اللاعبون الداخليون سوف يسعون إلي تهميش الأقباط وربما التحريض ضدهم.. لأن ذلك يبدو أكثر اتساقًا مع النظام القديم في عودته، فكما كان يفعل النظام القديم قبلا سوف يفعل النظام القديم العائد والمعدل لاحقًا أما العقول المدبرة في الخارج.. فلها رؤية مغايرة تمامًا للورقة القبطية، ولسوف يستثمرونها عند النقطة الحرجة.. بمعني أنهم سوف يتركون أدواتهم الداخلية تتحرك في اتجاه تهميش الأقباط وعند نقطة ساخنة في التهميش وهي نقطة موقوتة بانتقال السلطة من المجلس الأعلي العسكري إلي رئيس منتخب، وقبل إعداد الدستور سوف تتحرك العقول المدبرة في الخارج للضغط دوليا علي الرئيس المنتخب للقبول بسيناريو «فيتو الأقليات» أو بسيناريو «التقسيم الطائفي للسلطة» وتضمين أحدهما في الدستور الجديد وهكذا.. يجد الأقباط أنفسهم عند نقطة التقاطع بين سيناريوهات خارجية وحراك داخلي.
فلنتوقف أمام السيناريوهين.. ما المقصود ب«فيتو الأقليات» وب«التقسيم الطائفي للسلطة»؟
- فيتو الأقليات يعني أن الأقلية من حقها أن تحول دون صدور أي قرار ما لم توافق عليه أغلبيتها، والتقسيم الطائفي للسلطة يعني توزيع مناصب الدولة وفقًا للنسب العددية في التركيبة السكانية، فإذا كانت الأقلية علي سبيل المثال تمثل 10% من مجموع السكان، فإن 10% - بالتالي - من مناصب الدولة تكون من حقها.
هل اللاعبون الداخليون علي علم بذلك؟
- لا.. فهم مجرد أدوات لا أكثر ولا أقل والنص لا يأتيهم كاملاً من الخارج.. ولكن مجزءًا وقدراتهم الذهنية لا تسعفهم علي استقراء بقية أجزاء النص وفصوله.
بالتأكيد.. فإن كل ما سبق يبدو خطرًا علي مصر.. ولكن ما هو أخطر ما فيه؟
- أخطر ما فيه هو تفكيك مرتكزات الدولة المصرية وتفكيك ثوابت الذاكرة القبطية فهناك ثلاثة ثوابت في هذه الذاكرة: الأول: هو التعايش مع الإسلام كدين، والثاني: هو عدم القدرة علي التعايش مع الفتاوي المتشددة باسم الشريعة الإسلامية، والثالث: هو الولاء للدولة، وما حدث وخلال الدورة الحالية للأزمة التي بدأت منذ عام 1971، أن الثابت الأول اهتز باشتعال حرب العقيدة بين الجانبين وهناك الآن من يدفعون في اتجاه هدم الثابت الثالث وهو ثابت الولاء القبطي للدولة.. وما جري أمام ماسبيرو يصب في هذا المسار، فالمجلس الأعلي للقوات المسلحة هو - الآن - ممثل الدولة وحجر زاويتها، ومن ثم.. فالتحريض علي الوقيعة بين الأقباط وبينه يستهدف - وفي الحاصل الأخير - نزع الثابت الثالث من الذاكرة القبطية وهو أمر في غاية الخطورة، لأن هذا الثابت هو أحد مرتكزات الدولة المصرية الحديثة، ولقد سبق لي أن حذرت من أن الفتنة الطائفية تضرب في مرتكزات الدولة وكان ذلك في دراستي التي انتهيت منها في أبريل 2009 وحال النظام السابق دون نشرها للرأي العام.
كيف حال النظام السابق دون نشرها.. ولماذا لم يتم نشرها بعد الثورة؟
- قبل ثورة 25 يناير.. قمت بإعداد دراسة عن الفتنة الطائفية وكان ذلك بتكليف من مركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الذي يتبع مجلس الوزراء وكان شرطي وقبل أن أقوم بإعداد الدراسة أنني سأعبر وبموضوعية عما أؤمن بأنه الحقيقة، وانتهيت بالفعل من الدراسة في أبريل 2009 وكنت شبه متفرغ لها ولعدة أشهر وعلي ما يبدو فإن ما ذكرته في الدراسة أثار في حينه بعض التحفظات الحكومية وقيل لي صراحة إن الحكومة لا تستطيع أن تتحمل مسئولية ما جاء فيها ومع تصاعد أحداث الفتنة وقبل 25 يناير وكان تصاعدها دليلا علي صدق التحذيرات التي جاءت في الدراسة، فلقد حاولت الوصول إلي حل وسط لنشر الدراسة علي الرأي العام وجري الاتفاق بيني وبين الدكتور ماجد عثمان «الذي كان يشغل آنذاك موقع رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» علي أن يتم نشر الدراسة دون الإشارة إلي المركز وجرت بيني وبين سيادته مخاطبات بهذا الشأن بتاريخ 2010/10/25، 2011/1/6 وهذا الاتفاق يعلم به آخرون، ثم قامت الثورة.. وانتظرت أن يتم نشر الدراسة ولكن ذلك -للأسف- لم يحدث فالبعض علي ما يبدو لا يصدق أن ما جري في «25 يناير» كان ثورة.. حتي وإن أسهب في الحديث عنها ومن جانبي.. فإنني أؤمن بأن من حق الشعب والرأي العام نشر هذه الدراسة وهذا ما سوف أسعي إليه.
لو عدنا إلي دراستك ومن المؤكد أن الحوار لا يتسع لتفاصيلها ولكن.. ما النقطة الرئيسية التي ركزت عليها؟
- تضمنت الدراسة أكثر من نقطة رئيسية في بؤرة التركيز، وكان إحداها أننا لا نستطيع أن ننظر إلي المستقبل بدون أن نطالع التاريخ والتاريخ يقول: إن الفتنة الطائفية هي أزمة ممتدة وفي دورات متعاقبة منذ بداية القرن العشرين وحتي الآن «أي منذ حوالي مائة عام» وأن هذه الأزمة لم تجد حلها النهائي حتي الآن.. وحان وقت الحل النهائي لها وأن الدورة الحالية للأزمة والتي بدأت منذ عام 1971 واستمرت حتي الآن.. هي الأطول عمرا مقارنة بكل الدورات السابقة.
ما الأسباب التي تجددت بها الأزمة عبر دورات متعاقبة.. منذ مائة عام وحتي الآن؟
- من أهم الأسباب.. أن مواقع الطائفية علي الجانبين «المسلم والقبطي» أقوي من مواقع الدفاع عن المواطنة وكان لبريطانيا دور خطير في تعزيز مواقع الطائفية ومازال الدور ممتدًا بتأثيره حتي الآن وهو ما سميته في الدراسة ب«الفيروس البريطاني» فبريطانيا كانت فاعلا في الدورة المبكرة للأزمة «1908- 1911» عندما قامت باستبعاد الأقباط من المناصب الإدارية في الدولة وأشاعت أن الحكومة المسلمة هي التي قامت باستبعادهم ثم قامت بعد ذلك وفي دورة تالية للأزمة.. بالترويج لفكرة «حقوق الأغلبية الدينية» أي حقوق المسلمين وتأثر بهذه الفكرة - في حينه - حزب الأحرار الدستوريين وقام بشن هجوم شديد علي الأقباط في محاولة لتقليص دورهم في الحياة السياسية وفي نفس الوقت كانت بريطانيا تمد جسور الاتصال إلي مواقع قبطية لتعزز لديهم فكرة «حقوق الأقلية المتميزة»... إلخ، ولكن هذا لا يعفينا - يقينًا - من المسئولية.. ففكرة المواطنة لم تستقر - بعد - في المجتمع المصري ولم تستطع النخب المتتالية أن تقوم بالتنظير لها وبتأصيل عميق.
إذن.. هناك مشكلة في النخبة؟
- بالتأكيد.. بل إن الامتداد الزمني للدورة الحالية للأزمة والذي يقارب الآن حوالي أربعين عامًا كان من أهم أسباب ضعف النخبة فكريا وثقافيا وسياسيا ففي دورات الأزمة السابقة.. كانت النخبة أقوي وكانت قادرة علي التدخل لاحتواء الأزمة وتقليص دورتها الزمنية ولكن الأمانة تقتضي القول: بأنها وفي كل الأحوال لم تقدم حلا نهائيا لها ولكن هذه المرة وفي الدورة الحالية فإن النخبة أضعف من أن تحتوي الأزمة وأفضل ما استطاعت أن تقدمه كان مثيرا للدهشة ودليلاً علي أزمتها ودليلاً علي تجذر مواقع الطائفية علي الجانبين.
ماذا تقصد تحديدا؟
- أقصد ما جري بنفي مصطلح «الشعب» وإحلال مصطلح «الجماعة الوطنية» بديلا له وجري ترويج المصطلح الأخير في الأديان القبطية والإسلامية علي حد سواء والمقصود بالجماعة الوطنية.. المسلمين والأقباط، وهكذا.. تم نفي مقولة «الشعب» ونحن جميعا نعلم - علي سبيل المثال - أن هناك الشعب الفرنسي والشعب الصيني والشعب الألماني.. إلخ، ولكننا لم نسمع عن استبدال هذه الشعوب بجماعات وطنية واطرادًا.. فإن الذين قالوا بالجماعة الوطنية علي الجانبين وأحلوها بديلا للشعب المصري هم في حقيقة الأمر أقروا بالانتصار النهائي للطائفية علي المواطنة في مصر وهم في حقيقة الأمر ينتمون إلي معسكرات طائفية ولكنهم قرروا - فيما بينهم - أن يمدوا جسرا علويا بين هذه المعسكرات لتيسير حركة المرور والاتصال وأطلقوا عليه مسمي «الجماعة الوطنية» «الشعب سابقا».
هل كان لهذا التحليل تأثيره ومؤثراته في واقعة ماسبيرو؟
- نعم.. وكان تأثيره حاضرا في واقعة «ماسبيرو» فبعض المثقفين الأقباط والذين يعلنون خطابا معنونا بالمواطنة وأحترمهم جميعا أعتز بأشخاصهم ينتمون إلي مصطلح «الجماعة الوطنية» ويروجون له ولأن المصطلح وكما قلت قبلا جري تأسيسه علي قواعد طائفية فإن خطابهم والذي يرفع شعار المواطنة لا يكف عن الهجوم علي عبدالناصر وعلي ثورة 23 يوليو ويعتبرون أن الأزمة الطائفية بدأت بثورة يوليو ووصول عبدالناصر إلي الحكم وأن ما كان قبلهما هو عصر ليبرالي ازدهرت فيه المواطنة وعرف الالتفاف القاعدي حولها وما قالوا به.. تم تمريره إلي الشباب القبطي منذ فترة طويلة وتسبق ثورة 25 يناير وعندما جاءت الثورة وتولي المجلس الأعلي مسئولية إدارة البلاد بمشروعية دستورية كاملة.. جري الربط بين المجلس الأعلي وعبدالناصر، ولأن الشباب القبطي - وكما ترسخ لدية - كان له موقف مسبق من عبدالناصر فلقد صار لهم - وبالتبعية - موقف مسبق من المجلس الأعلي وهذا ما يفسر عندي - وضمن أسباب أخري - لماذا اختار الشباب القبطي أن تكون اعتصاماته السلمية في منطقة ماسبيرو «والتي يتحمل الجيش مسئولية تأمينها» وليس في ميدان التحرير؟
ما قلته يطرح العديد من الأسئلة.. أسئلة تتعلق بالعلاقة بين القاعدة الطائفية لخطاب المواطنة كما يردده بعض المثقفين الأقباط من ناحية.. والهجوم علي عبدالناصر من ناحية أخري وتتعلق بطبيعة الحقبة التي سبقت عبدالناصر وعلاقتها بالمواطنة، ولنبدأ بالأول؟
- العلاقة بين القاعدة الطائفية لخطاب المواطنة لدي بعض المثقفين الأقباط والهجوم علي عبدالناصر، تكمن في الخلط - وفي هذا الخطاب - بين المواطنة والثروة، وهو خلط تقبل به القاعدة الطائفية.. فالقاعدة تعنيها حقوق الطائفة ومن بين هذه الحقوق: الثروة، فكأن الثروة هي معيار المواطنة وعندما قام عبدالناصر باقتطاع جزء من ثروة كبار الملاك الزراعيين الأقباط وفقا لقانون الإصلاح الزراعي والذي جري تطبيقه علي الجميع.. مسلمين وأقباطًا، وعندما قام باقتطاع جزء من ثروة الرأسماليين الأقباط وفقا لقرارات التأميم والتي جري تطبيقها علي الجميع.. مسلمين وأقباطًا، فكأنما قام - هكذا ومن وجهة نظرهم - بالاعتداء علي مواطنة الأقباط.. فلقد اقترب من ثروات كبار أثريائهم ولا يهم بعد ذلك.. إنه في عهد عبدالناصر تمتع فقراء الأقباط وشرائحهم الاجتماعية الوسطي بمستويات معيشية أفضل وبضمانات اجتماعية أفضل وبتكافؤ فرص أفضل ولا أقصد - يقينا - أن أقول إن عهد عبدالناصر قد قدم حلا نهائيا للأزمة الطائفية ولكنه حاول أن يخلق أوضاعا أفضل وأتمني علي بعض المثقفين الأقباط والذين أحترمهم كثيرا أن يراجعوا أنفسهم ليس من أجل عبدالناصر.. فعبدالناصر للتاريخ بما له وبما عليه ولكن من أجل المستقبل وهو ما يعنينا جميعا ومن أجل شباب «مسلمين وأقباطًا» يبحرون الآن إلي المستقبل ومن حقهم علينا ومن واجبنها إزاءهم.. ألا نحملهم بوعي مزيف للتاريخ في لحظة الإبحار.
هذا يعود بنا إلي السؤال الآخر.. هل تعتبر أن ما يتردد ويصف الحقبة السابقة علي ثورة يوليو بأنها حقبة ليبرالية وجري فيها الالتفاف حول المواطنة.. هو شكل من أشكال الوعي المزيف للتاريخ؟
- نعم.. ففي نهاية هذه الحقبة كان الدكتور زغيب ميخائيل يصدر كتابه فرق تسد: الوحدة الوطنية والأخلاق القومية»، ويقول فيه «إن الوحدة الوطنية التي ظهرت في عام 1919 نكصت علي عقبيها بأننا لم نعد نهتف يحيا الهلال مع الصليب»، وقبل ذلك.. كان الشباب القبطي ينسحب إلي مدارس الأحد بعدما ضاق بهم الفضاء السياسي والاجتماعي العام وعرفت الحقبة أشكالا من التمييز الطائفي ففي عام 1940 صدر القرار الوزاري بمنع المدرسين الأقباط من تدريس اللغة العربية وفي نفس الفترة.. صدر من وزارة العدل منشور يقضي بأن تكون الشهادات الطبية المقبولة في القضايا الشرعية من طبيب مسلم ولا يجري قبلوها من طبيب مسيحي وسبقهما وفي 1933/12/19 - صدور القرار الإداري بالشروط العشرة لبناء الكنائس وأود أن أضيف.. إنني بذلك لا أدين الحقبة ما قبل 23 يوليو، فلقد كان لها - مثل غيرها - إيجابياتها وسلبياتها وكان من بين السلبيات.. الإخلال بحقوق المواطنة وتكريس بعض شواهد التمييز الطائفي.
فلنتوقف أمام ما ذكرته عن القرار الخاص بالشروط العشرة لبناء الكنائس هل تعتقد أن قانون دور العبادة الموحد يحل المشكلة؟
- لا.. وأدعو إلي الإسراع في إصدار هذا القانون فهناك تفاصيل في هذا القانون لم تتم دراستها حتي الآن وهناك ملاحظات للكنيسة علي القانون وينبغي مناقشتها بجدية وهناك أسئلة مازالت معلقة ولم تمسك بإجاباتها مثل هل النسبة والتناسب في هذا القانون ترتبط بعدد دور العبادة أم بمساحتها وهل الأديرة هي إحدي دور العبادة للمسيحيين والتي يشملها القانون.. أم لا؟، والأهم عندي - ومن وجهة نظري - أن هذا القانون لابد أن يسبقه إسقاط الخط الهمايوني من الأساس القانوني للدولة المصرية فالخط الهمايوني يتحدث عن الطوائف الدينية وبمعني آخر وفي ظل عدم إسقاط الخط الهمايوني فإننا لا نتحدث عن كنائس للمسيحيين.. ولا نتحدث عن كنائس للأرثوذكس وأخري للبروتستانت وثالثة للكاثوليك ولكننا نتحدث عن كنائس لحوالي «17» طائفة إنجيلية وكنائس لحوالي «14» طائفة أرثوذكسية.. إلخ، وهذا سوف يزيد الأمر تعقيدا.
إذن.. ما العمل بشأن دور العبادة والتي تثير المشاكل؟
- أقترح.. إلغاء القرار الإداري الخاص بالشروط العشرة لبناء الكنائس لأن هذا القرار يتضمن الشرط / اللغم، وهو الشرط الثالث الذي يرهن بناء الكنيسة بموافقة المسلمين علي البناء وبالتالي فهو يعطي حق الفيتو لأهالي أي منطقة من المسلمين في الاعتراض علي بناء أي كنيسة في منطقتهم وأن يبادروا بإعلان هذا الاعتراض من تلقاء أنفسهم وهو شرط فتح الباب للعديد من الاحتكاكات الطائفية بين الأهالي واستكمالا لافتراض بإلغاء القرار الإداري للشروط العشرة فإنني أقترح وفي السياق إصدار قرار إداري بديل له علي أن يستبقي القرار الإداري البديل الخطوات الإجرائية لبناء الكنائس بين يدي الدولة وأن يأتي أقل تعقيدا وأكثر تيسيرًا ويستبعد تماما الشرط الثالث وأري أن يتم التعامل مع هذا القرار الإداري البديل كمرحلة انتقالية علي أن يجري بالتوازي التحضير الجيد لقانون دور العبادة الموحد فالهدف هو إصدار هذا القانون ولكن شريطة أن يأتي ناضجا ويقدم حلولا لا تصاحبه المشاكل.
أخيرا.. هل تعتقد أن الحل النهائي للأزمة الطائفية مازال ممكنًا؟
- نعم.. علي الرغم من معوقات تعترض طريقه فهناك التمركز الطائفي علي الجانبين وهناك أزمة النخبة وهناك قانون الانتخابات الحالي والذي لا أعتقد أنه سوف يسمح بتمثيل مناسب للمسيحيين وفي تقديري فإن عدم التمثيل كان من بين الأسباب المساعدة لحالة الاحتقان أمام ماسبيرو وعندما دعوت وعلي صفحات جريدتكم إلي القوائم غير المشروطة كنظام للانتخابات.. فلقد كنت أتحسب وضمن تحسبات أخري - لمسألة تمثيل المسيحيين في مسألة قائمة منذ عام 1924 وحتي الآن رغم ذلك وغيره.. فالحل النهائي للأزمة يبقي ممكنا ولكن مشروطا بأن نؤمن ونتشبث بإيماننا.. بأن ما جري في «25 يناير» كان ثورة ولأنها ثورة.. فلابد أن تنتصر وإذا فقدنا إيماننا بذلك.. فإننا نهدر فرصة الحل النهائي للأزمة الطائفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.