عبيد إبراهيم بوملحه روائى إماراتى مقيم فى ألمانيا وهو من مواليد دبى 1981، أنهى تعليمه فى كلية الشرطة تخصص قانون وعلوم شرطية وحاصل على دبلوم فى الدراسات العليا فى إدارة الأزمات والكوارث. أصدر روايته الأولى «رجل بين ثلاث نساء» عام 2014 تلتها ليلة غاشية – قصة ساحر فى العام نفسه، ثم أصدر سوق نايف عام 2016، الذبابة عام 2017. الدنيا شمال عام 2018 والمجموعة القصصية أشجار تقف على العصافير. لديه كتاب نصوص بعنوان: يسقط على غيمة إصدار عام 2017. فى 2019 كتب طقوس للموت، شارك فى عدة برامج إذاعية مثل اسمع ما نقرأ والأولى على الأولى كما شارك فى أمسيات ثقافية ولقاءات تليفزيونية عديدة. حول آفكاره كان حوارنا معه: ■ فى روايتك «طقوس للموت» تناولت إشكالية كتابة الرواية ورواجها والشغف بها على المستوى العربى والعالمي.. فهل حقًا الرواية ليست بخير؟ أرى أن الرواية وصلت إلى أعلى نقطة فى منحناها وتحاول الحفاظ على مكانها فى القمة، فرايات الشعر عادت ترفرف يحملها الشباب بابتكارية جديدة من ناحية الأسلوب والخطاب والأجمل مزجها بعنصر المفاجأة الذى يجعلنا نصرخ دهشة عند قراءة بعضها. ولا ننسى أشعة القصة التى شرعت شمسها بالبزوغ لتعلن عن نفسها بعد فترة غياب طويلة. شخصيًا أعتقد أنها ستتسيد المرحلة القادمة وقد تزيح الرواية من مكانها لما لها من خصائص تناسب عصر السرعة والتحولات المجتمعية واختلاف السمات الشخصية لدى القراء. ■ طالما أن الرواية فى أزمة لماذا تورطت فى كتابتها؟ لم أختر كتابة الرواية، ولكنها هى التى اصطفتني، أؤمن بالكيانات المختلفة، فأنا لست فعل الكتابة وبالتالى فعل الكتابة ليس هو الكتاب. لم أكتب أية رواية وأنا عالم لما أقوم به، كل ما هنالك أننى أصل إلى مرحلة أشعر فيها بأننى جاهز لذلك وأبقى فى انتظار الإشارة لأبدأ، ثم تأتى العلامة على هيئة حلم. يزورنى فى المنام أشخاص لا ألمح تفاصيلهم ويمنحونى العمل، أصحو لأستغرق فى عالم (فعل الكتابة)، أكتب بغزارة بدون إعداد لأية فكرة ولا شخصيات ولا أحداث، ويكون فعلًا وجدانيًا يبدأ بعده عمل العقل بإحكام العمل ومراجعته وتعديله وربطه وتلك هى أصعب مرحلة. ■ على يد مَنْ مِنْ كتّاب الرواية تشكل وعيك الأول؟ لا أؤمن بالأشخاص أبدًا. أنا أتبع الكتب والفكرة والأفكار، ومن يجعل استسقاء وعيه من شخص واحد ينتج مسخًا مبتور الأعضاء، عندها يكون المبدع تابعًا وليس أصلًا، ولن يتفوّق التابع أبدًا. من ناحية أخرى فالرواية منتج متغيّر، قد يبدع أحدهم رواية واحدة طوال حياته وتكون أعماله الأخرى ضعيفة، أو تتذبذب جودة أعماله. الوعى لا يتشكل من الكتاب الذين نقرأ لهم، فهناك الكثير من المدخلات الأخرى مثل التألم والأحلام والتجارب الشخصية. ■ برأيك.. هل المشكلة تكمن فى الكم الهائل من الروايات التى تصدر كل يوم أم مرتبطة بطبيعة تخصص من يكتبها؟ أم بالحرية التى وفرتها وسائل الاتصال الحديثة للانخراط فى هذا الشكل الأدبي؟ أنا أؤيد كثرة الإصدارات الأدبية، لو حصرت الإبداع فى أشخاص أو أسماء قد يخشى المبدع خوض غمار التجربة وبذلك يخسر العالم موهبة من أجل ديناصورات أدبية أو جثث محنطة. قلت مرة: «الموهبة تفرض نفسها «، ربما كنت أهلوس أو أحلم، الواقع سوداوى معاكس لما قلت، فالبقاء كما نراه للغثاء وكذلك الدعم من كل جوانبه. ■ هل صحيح أن الروائى يكتب من أجل الحصول على جائزة ولا يهمه إمتاع القاريء؟ الروائى هو من يكتب ولا يفكر بجائزة وأيضًا لا يهمه القارئ، ذلك هو رأيي، وكما ذكرت أنا لست فعل الكتابة، والروائى الذى يهتم بالقارئ خلال فعل الكتابة لا يحترم القارئ، لأنه حينها سيشرع فى وضع الحدود حول عقله. إيمانى الأول بحرية الكتابة والكتابة الحرة. ■ لماذا استخدمت الأسلوب الساخر فى روايتك (طقوس للموت)؟ أجد السخرية من أصعب المغامرات الكتابية، فهى تدور حول شخص يؤمن بفكرة معينة ويفعل أمورًا مفاجئة تستدعى الاستغراب والامتعاض، هى ضرب لعش الدبابير وطرق لصدأ الفكر، لسنا ملائكة وليس هناك إنسان كامل، لذلك أتعمد فى رواياتى أن أثير المشاعر الإنسانية والاختلاف وأجعل القارئ يتقزز أو يمتعض مما يقرأه، وأتعمد أن تكون رواياتى بصرية/ سمعية/ حسية، وأضيف عليها المشاعر الإنسانية محاولًا ألا يطغى أمر على الآخر، كمن يقذف بالأحجار فى البحيرة الراكدة. وبخصوص التهشم الزمنى فى الرواية فأنا ضد الروايات التى يكون فيها الخط الزمنى (على طول)، لأنه تكنيك عفا عليه الزمن وممل، إلا إن كانت هناك خدعة سردية ستجعل القارىء ينتدهش فى نهاية العمل. ■ المكان لديك يراوح بين تاريخيته وواقعيته وأسطوريته. أى مكان هذا المكان الذى تدور فيه أحداث الرواية؟ قد يكون المكان فى طقوس للموت تاريخى وواقعى وأسطوري، وقد يكون فى شقة أو مكتبة، ولكننى أظن بأن المكان يدور فى العقل فقط، هى قصص وأحداث الغرض منها إثارة التساؤلات، وومضات تثير التفكير وتبعث للتأمل فى الواقع الأدبى المعاش وإمكانيات تغييره. لا أنكر ميلى للسوداوية فى العمل ولكن التشاؤم فى أوقات الرخاء يجعلنا سعيدين فى الشدة. ■ قمت بتوظيف النصوص التراثية فى الرواية بوعى تاريخى لافت.. ما موقفك من استلهام التراث فى الأعمال الإبداعية؟ لست ضد استلهام التراث أو الشعر أو الأدب أو أى شيء فى الأعمال الأدبية ولكن بشرط التوظيف فى العمل، وأرى بأن مقدرة الروائى تتبدى حين ينجح فى توحيد نسيج العمل ويجعله متوافقًا مع السرد. ■ عندما كان الشِّعر يتصدَّر المشهد الأدبي، عاش إلى جانب المتنبِّى عشرات من الشعراء، اختفى أغلبهم فى كهوف التاريخ كالخفافيش، بينما ظلّ المتنبى نجما لامعا حتى اليوم.. فهل سيبقى نجيب محفوظ متربعا على عرش الإبداع العربى لا ينافسه أحد؟ الحظ يلعب دورًا كبيرًا مع المبدع، فكم من القصائد والأبيات فى الجاهلية وفى الفترة التى بعدها كانت قوية ورائعة ولكن لم يعرف قائلوها، ونجيب محفوظ برأيى يبقى اسمًا كبيرًا وأسطورة لن تتزحزح عن عرشها وإن جاء فى المستقبل من ينافسه، وذلك لا يعنى أن المواهب الجديدة ليست قوية ولكنى مع الإبداع الزمني، وبرغم أن روايات نجيب محفوظ تصلح لكل العصور إلا أننى أعتقد أن «تكنيكاته» فى الكتابة لا يمكن استخدامها فى زماننا لأنها أصبحت كلاسيكية ووجب تغييرها بتغير الزمن وتطوره، ولتقريب الفكرة: لا يمكننا السفر على ظهر الجمل اليوم. ■ تقول على لسان الراوى حالنا ككتاب محليين يتجسد فى مقولة (زمار الحى لا يطرب).. ما تفسيرك لهذا التهميش هل هو الشللية المسيطرة على الوسط الثقافى أم غياب المتابعة النقدية للأعمال الأدبية؟ - بكرات العملية الثقافية كلها غير متناغمة، سواء من الكتاب، دور النشر، المطابع، القراء، النقاد، الجوائز، المحاضرات والندوات، وسائل الإعلام.. إلخ. بالأحرى فهى منفصلة عن بعضها وكل محاولة للتقريب بينها عبثية وعملية غير مدروسة وستؤدى إلى تحطيم التروس. ■ برأيك. ماذا ينقص الرواية العربية لكى تحتل مكانة بارزة فى الأدب العالمى أسوة بالرواية اللاتينية والآسيوية؟ ثورة أدبية وثقافية شاملة لتصحيح الوضع القائم من كافة جوانبه. أحلم بكيانات أدبية (للثوار) الأدبيين على الوضع القائم بجانب الكيانات الحالية وتكون للمثقفين المهمشين، مع أننى أجزم بأن من سيركب تلك الثورة هم الملمعون أدبيا وسيعرونها من أهدافها. ما أراه هو البكاء والتباكى من أغلب الأدباء، سواء المدعومون منهم بالجوائز وغيرها أو المهمشون. هنالك بوادر تململ ظهرت على بعض المثقفين من خلال مقالاتهم ومشاركاتهم فى وسائل التواصل الاجتماعى لكنهم يظلون ذئابًا تصيد وحيدة. ■ لماذا تركت مجتمع الوفرة والرفاهية فى الإمارات واخترت حياة الاغتراب فى ألمانيا؟ ألمانيا معتزل بارد وليست هجرة، فيها أتخلص من كل ما قد يؤثر على تفرغى للكتابة، بما فيهم الأصدقاء.