لطيفة الحاج كاتبة إماراتية واعدة، رغم تخصصها فى الهندسة المدنية لكنها تملك شروط الكتابة المحكمة والطزاجة الإبداعية،والأسلوب المشوق الذى يجذب القارئ حتى نهاية العمل. وهى منحازة للمرأة فى أعمالها، وترى أن المرأة الكاتبة أكثر صدقًا من الرجل فى التعبير عن همومها وأحلامها، حيث تجسد العلاقات الإنسانية فى أعمق صورها، خاصة العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، فالكتابة عطر حياتها ترافقها فى حلها وترحالها. أصدرت «الحاج» أولى رواياتها تحت عنوان «واد فى القلب» عام 2012، ثم رواية « أكتب لى شيئا» عام 2013،وراية» سين تريد ولدا « عام 2015، ومؤخرا رواية» نواقيس العزلة « عام 2019 ثم صدر لها فى الشعر:» شاى تركي»، « هويل كاليفورنيا»، وفى القصة القصيرة صدر لها:» « أبدو صغيرة» ،و» عاشقة اللاشيء»، وتدرس قصتها» مصباح الحمام» ضمن منهاج اللغة العربية للصف العاشر فى الإمارات. هنا حوار معها: ■ فى روايتك « نواقيس العزلة» اخترت بطل الرواية كاتبًا روائيًا يحاكى الطبيعة الفوضوية لأبطال الروايات الكلاسيكية.. لماذا اخترت البطل إنسانا مثقفًا؟ أعتقد أن الروائى عموما يجب أن يكون مثقفًا، وشخصية راشد بطل نواقيس العزلة شخصية مهندس قارئ كاتب مقال حولته الظروف إلى روائى يبنى عوالم رواياته من مشاهداته اليومية وقراءاته وعلاقته بزوجته مريم. تخيل لو جعلته إنسانا عاديا، كنت سأناقض نفسى وأكون قد اقترفت خطأ فادحًا. تنوع القصص والأفكار فى الروايات التى يكتبها راشد والتى تلخصها مريم زوجته كساردة فى الرواية تتطلب روائيا مثقفا واسع الاطلاع. ■ تنصح الساردة بنات جنسها بعدم الثقة فى الإنسان المثقف فتقول:» المرأة لا ينبغى لها أن تصدق رجلاً، وخصوصًا إن كان كاتبًا، شاعراً أو روائيًا «.. ولم تخبرنا الساردة عن رأيها فى المرأة الكاتبة . . ماذا تقولين ؟ البطل فى روايتى كاتب، والساردة استمتدت سردها من علاقتها اليومية به كشخصية رئيسية. ربما أتطرق لموضوع المرأة الكاتبة فى عمل آخر، لكن أعتقد أن المرأة الكاتبة أكثر صدقا، بمعنى آخر، وهنا أتحدث عن نفسي، المرأة حين تكتب يدفعها تأثرها من موقف ما أو شعور. الرجل يفعل المثل بالتأكيد لأن الشعور هو المحفز الأول والأخير للكتابة. لكنه مثل حالة فى الحياة اليومية قادر وهذا بسبب طبيعته على المناورة واللف والدوران حتى لا يظهر مشاعره الحقيقية وحتى يخفى الأشياء التى لا يرغب بكشفها. المرأة أكثر شفافية وينبغى أن نصدقها فى كل حالاتها حتى إن كانت تكتب فى قصيدة واحدة عن الحب والبغض والشوق والرغبة فى الرحيل. ■ برأيك.. لماذا حياة المبدعين على صفيح ساخن سطح؟ لأن المبدع سريع التأثر والاستثارة. يقتل طفل فى بلد ما فينفعل وتكون له ردة فعل يترجمها كقصيدة أو لوحة فنية أو مسرحية. يحب الحب ويكره الظلم، يميل إلى العزلة والحزن لكنه تواق للفرح. المبدع مخلوق عاطفي، والعاطفى مخلوق لا يمكنه الاستقرار. ثم سعى المبدع وحرصه على إبداع الجديد وتفاديه التكرار يجعله قلقا ومتنبها على الدوام وهذا قدر المبدع الحقيقي. قد يقلق المبدع من رأى نقدى أو رأى شخصى لقارئ أو متذوق للفن. وقد يصاب بالإحباط ويوقف إبداعه لبعض الوقت. وقد حدث الأمر لكثيرين فى حين أن المبدع حر وحريته لا يجب أن يقيدها ناقد أو واحد من الجمهور. ليس واجب المبدع أن يرضى الجميع واجبه الوحيد أن يرضى إبداعه. ■ فى الرواية تعودين إلى مرحلة الطفولة التى هى عودة إلى الينابيع وأحلام البدايات.. فهل الطفولة هى الأرض المفتوحة على الكون وأسئلته؟ أعتقد أن الطفولة هى منبع الإبداع، لا أتخيل مبدعًا عاش طفولة عادية، لابد أن شيئًا استثنائيًا حدث فى طفولة كل مبدع أيا كان مجال إبداعه. عائلاتنا، أصدقاؤنا، معلمونا، الألعاب التى نشأنا عليها، القصص التى سمعناها، كلها أمور أسهمت فى صنعنا. نعم الطفولة هى الأرض المفتوحة على الكون وهى الأسئلة والإجابات. ولم أدرك هذا الأمر إلا بعد أن لاحظت أننى فى كل مرة يجذبنى شيء ما إلى طفولتى وأكتب عنه. ■ يشعر قارئ نصك بأنك هاربة من شيء ما أو باحثة عن شيء ما.. فهل هذا القلق يدفعك إلى المغامرة التعبيرية؟ من منا سلم من القلق؟ من منا لا يهرب من شيء ولا يبحث عن شيء؟ نعم أنا أقلق لكننى لا أعتبر نفسى مغامرة. أساسًا لا أحب المغامرات. فى مرحلة من مراحل حياتى أنقذتنى الكتابة من السأم الذى لازمنى لأشهر طويلة، كنت على وشك السقوط فى دوامة الاكتئاب، لكن الكتابة حالت دون ذلك. أكتب لأطمئن نفسى لا كى أخوض مغامرة. ■ فى كتابك» هوتيل كاليفورنيا.. وأغنيات أخرى» تكتبين نصا مفتوحا أو نصا لا يستقر على صورة معينة بمعنى بين القصيدة والسرد والخاطرة.. فهل هذا يتماس مع المزاج والتجربة والمخيلة؟ تماما هذا هو، كل تجربة ينتج عنها نمط أدبى مختلف، هنالك تجربة تدفعك لكتابة قصة، تجربة أخرى تكون فكرة لقصيدة وأخرى لسيناريو وهكذا. وكون كتاباتى خاضعة لمزاجيتى فأفهم جيدا أن يشعر القارئ بأنه أمام عمل يحتمل أكثر من نمط. ■ يطوف بنا الكتاب بين أماكن عدة ما بين إسبانيا وإسطنبول وأمريكا.. هل السفر محاولة للتخلص من سطوة المكان؟ أحاول فى السفر أن أنفصل عن المكان الذى جئت منه لكننى أظن أن نجاح التجربة مقرون بإجازة طويلة لم تكن متاحة حتى الآن بسبب ظروف العمل والدراسة والعائلة. لكننى عازمة على خوضها يوما ما. ■ هل هذا خلق لديك شعورًا بأن الكائن الإنسانى هو كائن عابر؟ عابر ومتغير ومتكيف، وأن السفر ميسر والحياة سهلة إن تساهلنا معها. لعل رحلتى إلى أمريكا كانت رحلة التساؤلات والتفكير العميق. بعد المسافة ربما وفارق التوقيت هما السبب. وفى النهاية نحن عابرون فى حلنا وترحالنا. ■ ما الذى ينقصك كروائية؟ ما زالت تنقصنى الخبرة والتجربة، وأعرف أن هذ الأمر يحتاج وقتًا، الكثير من القراءة والاطلاع والكتابة طبعا، سأظل ممتنة لبداياتى ورواياتى الأولى لكن إن سألنى أحدهم. سأقول إن نواقيس العزلة هى بداية نضج تجربتى فى كتابة الرواية. وأرجو أن أصل يوما إلى النضج التام. وأقدم أعمالًا مختلفة تسهم فى إثراء الناتج الأدبى لبلدى. ■ كيف تفسرين هذا الشغف الكبير والمتزايد بهذا النوع الأدبى الماكر الساحر «الرواية» ؟ ما زلت لا أعرف كيف يقول البعض: أن الرواية مجرد تسلية حالها حال المسلسلات. ولا شك هنالك روايات تشبه المسلسلات التى لا تضيف شيئا للمشاهد. مثل كل شيء فى الحياة، ما تبحث عنه يجدك. هنالك آلاف الأعمال ومئات الروايات الخالدة والساحرة. تأخذنا لبلاد أخرى وأفكار جديدة وتفتح لنا مدارك واسعة، كل هذا فى الروايات. ودور النشر تنبهت مؤخرا لتوجه القراء لقراءة الروايات فركزت على نشرها وترجمتها وفضلتها على الأنماط الأدبية الأخرى من ناحية الدعاية وطرق العرض. إنه زمن الرواية. قراء القصة موجودون لكنهم قلة كذلك الشعر. الشاعر فى الغالب سيقرأ الشعر وكذلك القصاص فهو الأحرص على قراءة القصة لكن الرواية للجميع، يقرؤها الكتاب جميعًا وغير الكتاب. ■ على ذكر المشهد الروائى الإماراتى..هل من متغير طرأ على هذا المشهد؟ يمكننى القول إنها عدة متغيرات. حين أقرأ للجيل الأقدم من جيلى أجد تشابها فى الأسلوب والسرد والفكرة. قد يتميز واحد أو اثنين لكن التشابه يبقى ملحوظا بين الجميع. اليوم ظهرت أسماء جديدة وأنماط وأساليب مختلفة. القليل أثبت نفسه بجدارة والبعض ما زال يحاول. المشهد الروائى الإماراتى يستوعب الكثير لكن الكثرة ليست ما نطمح إليه. ما زلنا نفتقد الجودة والجودة لن تعرف أو تلمس إلا بالمراقبة والدعم. ينقصنا صائدو مواهب يطلعون على التجارب الجديدة ويختارون المميز منها ويتبنونه. بغير هذا سيظل حال المشهد الروائى فى الإمارات متغيرًا بطرق مختلفة لكن بوتيرة بطيئة وغير منظمة.