فتاة تحكي قصتها أثناء نومها وممرضة تقتل العجائز وصحفي عجوز متردد على منزل للفتيات النائمات. شخوص تحكي علاقة العجائز بالمراهقة داخل بيت تديره قوادة من خلال مجموعة من الأحداث في مدينة الإسكندرية ضمن زمنين مختلفين. هذا ما تخبر عنه رواية "طعم النوم" الصادرة مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية للكاتب "طارق إمام " وهي الرواية الخامسة له خلال مشوار طويل قطعه في كتابة القصص أولاً ثم كتابة الروايات التي تعد أبرزها رواية "هدوء القتلة"، وخلال ذلك المشوار توج بعدد كثير من الجوائز الأدبية أهمها ساويرس وجائزة الدولة التشجيعية، وتعد روايته الجديدة "طعم النوم " معارضة أدبية لروايتين سابقتين. مصراوي التقى الكاتب، وفي حوار تحدث "إمام" عن روايته الأخيرة ورود الفعل عنها، وأنماط كتابته التي يعتبرها بعض النقاد "خرق للمألوف". في مناسبات عدة صرحت بأن "طعم النوم" الرواية التي راوغتك منذ زمن. كم من الزمن استغرقت لكتابتها؟ الزمن الفعلي لكتابة "طعم النوم" اعتبره 25 عاماً، ويعد رقما ضخما بالنسبة لبعض الناس لكن عندما قرأت للمرة الأولى "الجميلات النائمات" لكاوباتا –كاتب ياباني- في منتصف التسعينات وهي رواية تدور حول عجائز يتناوبون على بيت للشابات النائمات. كانت الرواية من بواكير ما قرأت من روايات وكنت قصاص وقتها فتمنيت أن أرى وأسمع تلك الفتيات اللائي لا يستيقظن. ظلت الفكرة في رأسي لعشر سنوات أخرى حينما صدرت الترجمة العربية لرواية "ذاكرة عاهراتي الحزانى" لماركيز والتي تحكي عن نفس الفكرة من منظور مختلف فأدركت وقتها أن البطل الوحيد الذي أريد كتابته هو الفتاه النائمة، وصعوبة كتابة الرواية كانت في كتابتها كرواية قائمة بذاتها. فلا يمكن لمعارضة أدبية أن تشترط على القاريء روايتين كي يفهم "طعم النوم". من يقرأ رواياتك يستشعر أنها مرتبطة ببعضها كأنها عالم روائي خاص بك.. فهل تتعمد تكرار معاني بذاتها؟ أنا مشغول بعلاقة الفرد بالمدينة؛ أحياناً يكون الفرد "سالم" في رواية هدوء القتلة و"الأرملة" في المدينة الصغيرة التي تعيش فيها، و"كفافيس" في الإسكندرية. تلك الفكرة أعتبرها سؤالاً ملحاً "كيف تؤثر المدينة في الشخص وكيف يؤثر فيها". لدي علاقة مع ثلاث مدن هي دمنهوروالإسكندرية والقاهرة وكل مدينة أعقد من الأخرى وحينما سافرت خارج مصر تعرفت على مدن أكبر وأعقد. لماذا اخترت الإسكندرية مكان لأحداث روايتك "طعم النوم"؟ كنت مشغولا بفكرة الإسكندرية التي تحولت من مدينة كوزموبوليتانية –مدينة متعددة الثقافات- لمعقل السلفية والتشدد للدرجة التي لم أعد أجد فارقاً بينها وبين دمنهور –مكان نشأتي- لأنها سيطرت عليها عقلية الريف، فكنت أرصد إسكندرية الحاضر في لحظة ما بعد ثورة يناير و30 يونيو والربط بينها وبين إسكندرية 67 وتلك الفترة التي بدأت فيها الإسكندرية بخلع ثوبها للدرجة التي تجعلنا نشعر أنها تم تأميمها. وقتها تأكدت من علاقة تلك المدينة بالنص وهي علاقة بسيطة قائمة على رحلة الفتاة بالدراجة لبيتها وما تقابله طوال الوقت من أعين مستنكرة وكمائن. وما المخاوف التي تشغلك في علاقة الفرد بالمدينة؟ أنا مهموم بالشيخوخة وعلاقتها بالمدن لأن مفهوم الشيخوخة في المدينة يتجاوز العمر لأننا كأبناء المدن ندرك كل شيء مبكراً، لكن على النقيض في الصحراء والريف لا يمكن أن ندرك مرور الزمن لأنه لا يوجد تغيير، إنما في المدن كل المفردات تحيلنا للزمن مع الفارق بين المدن الصغيرة والمدن الكبيرة. صرحت أكثر من مرة بولعك بالرواية البوليسية ووظفت عناصرها رواياتك دائماً.. فما هي أهم "التيمات" التي تفضلها في الكتابة؟ أحب توظيف تيمات الروايات البوليسية في رواياتي، ففي "طعم النوم" القتل يبرز الجسد في لحظات حضوره القصوى وشخصية "شهرزاد" تشبه القاتل المتسلسل، لا أنظر للأدب نظرة طبقية بين أدب رفيع وبوب أرت –الأدب الخفيف- ولذلك أعيد توظيف تلك التيمات في رواياتي ففي "شريعة القط" بطلة الرواية قطة طوال الوقت تتصرف مثل أفلام الكارتون واستلهمت بنيتها من الكارتون، وفي "هدوء القتلة" كان يوجد قاتل متسلسل وتعتبر تيمة تجارية. لذلك أعتبر أن الأدب لا يوجد به طبقات وحتى فكرة تخصيص لغة مثل لغة سرد ولغة شعر. وكمثال في فيلم الجوكر تم إعادة توظيف شخصية من السينما التجارية بشكل أعمق وفي فيلم ممكن نعتبره نخبوي أيضاً. كتبت أنماطا مختلفة من السرد.. كيف تختار الشكل المناسب لحكاياتك؟ العالم الروائي عندي لا يوجد له حدود، أتصور دائماً وجود باب أعبره لأقابل تلك الشخصيات التي تتحرك وفقاً لقوانينها فتكتب في رواية وتارة تظهر في قصة فمثلاً رواية "الأرملة تكتب الخطابات سراً" بنيت على قصة قصيرة نشرتها في الدستور منذ سنوات، وفي "مدينة الحوائط اللانهائية " حكايات بنيت على شخوص من رواية "ضريح أبي"، لذلك لا أعرف الحدود وأعتبره عالم متكامل تتجول شخوصه وتتقاطع حكاياته . كيف يمكن أن يتعامل الكاتب في ظل ظهور ألوان جديدة من الفنون؟ نحن أسرى مقولات جاهزة صدرها لنا نقاد مدرسيين ليعلمونا ماذا نكتب، وهناك فنون كثيرة حينما ظهرت صنعت حالة من الإحراج للمثقفين مثل الجرافيتي كفن يلعب دوراً كبيراً في السياسة والمجتمع وأيضاً الكوميكس والمهرجانات، فإذا لم ننظر لحركة الفن بعيداً عن التعالي والتصنيف سنقف مكاننا، وحينما كنت مديرا لتحرير مجلة إبداع أخرجنا عدد خاص عن الكوميكس ومجلة إبداع معروفة بأنها مجلة مختصة بالأدب الرفيع. على ذكر النقاد، كيف تنظر للنقد في الوقت الحالي؟ على مستوى العالم أغلب النقد يأتي من مبدعين لكن عندنا أغلبهم أساتذة ومدرسي مواد فلا يمكن لشخص يقوم بتدريس البلاغة مثلا أن يٌنظر لفن روائي، وأيضاً يقيسوا على معرفتهم غير المتجددة، فمثلا أحد النقاد كتب عن الرواية –طعم النوم- أنني كاتب نرجسي لظهوري فيها بشخصيتي الحقيقية. هذا الناقد لا يدرك بوجود فن اسمه "ميتا رواية" –أحد فنون السرد الروائي، لكني تحليت بالجرأة في التجريب نظرًا لدراستي الأدب، لذا حينما أقوم بخرق غير مألوف في الكتابة يكون لدي منطق استند عليه. كيف استقبل القراء "طعم النوم"؟ في "طعم النوم" أنا مدين لقراءات القراء العاديين وأعتبرهم أفضل من قرأ الرواية وذهلت من آرائهم، فالقاريء يحلل النص ببراءة شديدة ويتفاعل معه وأعتبر هؤلاء القراء نقاد هذه المرحلة والوضع النموذجي للأدب أن توجهه القراءة فلا يوجد كاتب بلا قراء فالنص الأدبي ليس مقدس. إلى أى مدى لعبت نشأتك في وسط عائلي مثقف دوراً في دخولك مجال الأدب؟ والدي مثقف قبل أن يكون مترجم، ولعب ذلك دوراً كبيراً لانجذابي إلى الفن منذ الطفولة وبداياتي كانت كرسام، فكنت أطبع مجلات أحررها وأوزعها على الأًصدقاء، لكن بعد ذلك اتجهت للكتابة بالكامل وكنت أنا الوحيد من بين أخواتي الذي أصبح لديه ولع بالكتابة، فأول قصة نشرتها في مجلة "أدب ونقد" كنت أبلغ 14 عاماً. عام 2014 فزت بجائزة متحف الكلمة في إسبانيا عن قصة قصيرة جداً، حدثنا عن "كواليس" فوزك بالجائزة ؟ بين عامي 2013 و2014 كتبت عدد من القصص القصيرة جدًا التي لا تتجاوز المائة كلمة وهي نوع من الفن أحبه ويحقق شغفي الشعري لقربه من قصيدة النثر، من ضمن تلك القصص القصة الفائزة بالجائزة وكان عدد النصوص المقدمة 24 ألف قصة وفي حفلة تكريمي بمدريد أشاد ملك أسبانيا بالقصة وبعد رجوعي لمصر أقامت مكتبة الإسكندرية حفل تكريم لي، ومشروع القصة القصيرة جداً مازال قائماً عندي لم أنهيه بعد. تُرجمت معظم رواياتك.. ما هو موقفك من الترجمة الأدبية وموقعك فيها؟ مؤخراً وقعت عقد الترجمة الإسبانية لرواية "طعم النوم"، قبل أن تترجم أعمالي كنت أعي أن ترجمة أي كتاب عربي يجب أن تكون تجارية لا أكاديمية لأن الترجمة يجب عليها أن تؤمن وصول الكتاب للقاريء الفعلي وليس دارسيه فقط. أثناء الكتابة لا أنظر خارج كوني كاتب عربي أكتب للقاريء الذي يعيش معي في نفس البلد، نملك نفس الحضارة والموروث، ولا أتخيل أن يبحث كاتب عربي عن الشهرة في العالم قبل أن يكون مقروء في لغته الأصلية، وسعي بعض الكتاب للترجمة أثر على الكتابة فأًصبح من يكتب بغرض الترجمة تصير كتابته أشبه بنشرات الأخبار ليعرف الغرب أخبارنا. وقبل أن تترجم أعمالي طلب مني مترجم كبير ترجمة "هدوء القتلة" لكن فرض تعديلات على النص وطلب تضخيم لبعض التفصيلات المتعلقة بعلاقة المسلمين بالمسيحيين فرفضت، إذ يجب على الترجمة أن تخضع فقط لقانون الفن، فمن يبحث عن أخبار يجب عليه أن يتابع نشرات الأخبار.