ماذا سيحدث لو صدر قرار من المجلس العسكري ومجلس الوزراء بوضع خطة قصيرة الأجل تستهدف استئصال ظاهرة البلطجية بإعدام المئات منهم والقاء غيرهم في المعتقلات؟ وتم التنفيذ بالفعل؟ بالتأكيد سيلقي هذا العمل تأييدا شعبيا كاسحا مادامت هذه الإجراءات التي تستند إلي قانون الطوارئ أو المحاكم العسكرية، أو أمن الدولة طوارئ، أو حتي تشكيل دوائر قضائية خاصة للانتهاء من هذه الظاهرة، سوف تحقق هدفا أجمع عليه المصريون من سنوات دون أن يتحقق بعد أن تفشت ظاهرة البلطجة والاغتصاب والتحرش الجنسي وتجارة المخدرات والاستيلاء علي أراضي الدولة والأفراد. والعجز عن تنفيذ الأحكام القضائية، فالناس إذا كانوا يعارضون استخدام الطوارئ ضد أصحاب الرأي وإحالة المدنيين إلي المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة - أي إلي القضاء غير الطبيعي- فإنهم نادوا وينادون باستخدام القضاء الاستثنائي لتخليصهم من هذه النماذج التي توحشت - بل وصل الأمر إلي أنهم كانوا يطالبون من سنوات، بتنفيذ أحكام الإعدام في هذه النوعيات علينا في الميادين ليتمتعوا برؤيتهم يتأرجحون في حبال المشانق لتهدأ نفوسهم، وفي ذات الوقت كانت المعارضة الشعبية تتزايد ضد تمديد نظام مبارك للطوارئ وانتهاك حقوق الإنسان، والعدوان علي الحريات العامة. ويخطئ من يظن أن تفشي ظاهرة البلطجة جاء مع ثورة يناير أو بسبب غياب الشرطة، أو خوفها من استخدام قبضتها القوية الآن، إنما كانت تزداد انتشاراً منذ سنوات مع تحلل النظام وقبضته مع البلطجية بمختلف أنواعهم، وشدتها مع المعارضين السياسيين وكلنا يتذكر تعرض لواءات وضباط من رتب مختلفة للقتل علي ايدي تجار المخدرات في الإسماعيلية والقناطر الخيرية وأكتوبر، وغيرها، واتساع دائرة نفوذ تجار المخدرات في أكثر من مكان وتحولها إلي ما يشبه الإمارات، وردا علي هذه الفضيحة للنظام صدرت الأوامر بالرد بالمثل وقتل عدد منهم. وكلنا يذكر أيضا الصرخات من تفشي ظاهرة اختطاف السيدات والبنات، والاعتداء الجنسي عليهن، ووصل الأمر إلي مستوي اثبت أنه لم تعد هناك دولة في مصر، إنما عصابة تحكم تنافس عصابات صغيرة أو كبيرة قطاع خاص، وعندما اختطفت مجموعة زوجة أمام أهل الحارة، واصطحبوها للاعتداء الجنسي عليها، واصدرت المحكمة التي مثلوا أمامها حكماً بالاعدام عليهم جميعا وكان من بينهم حدث، وهلل الناس لسرعة اصدار الحكم ولكن تم نقضه، وهللوا أيضا لإصدار أحكام بالاعدام علي مجموعة كبيرة تصارعت علي أرض مملوكة للدولة في وادي النطرون، وقتل من الجانبين أحد عشر وكان من بينهم من كانوا في مناصب مرموقة، وتم نقض الحكم، والمهم أن هذه الأحكام السريعة والرادعة صدرت عن محاكم مدنية لا عسكرية ولا عن قضاء استثنائي أي محاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي بينما استنكر الشعب إحالة قضايا للإخوان المسلمين أمام القضاء العسكري خاصة في قضية غسيل الأموال وتدريبات طلبة الأزهر التي اتهم فيها المهندس خيرت الشاطر وآخرون وكان في منصب النائب الثاني للمرشد العام السابق خفيف الظل محمد مهدي عاكف، وكذلك إحالة زميلنا وصديقنا والأمين العام لحزب العمل مجدي حسنين لمحكمة عسكرية لدخوله غزة عن طريق أحد الانفاق ورفض مبارك العفو عنه بعد أن صدر الحكم ضده بالسجن سنتين تم تنفيذه بالكامل. الذي أود التأكيد عليه أن الشعب قادر تماما علي تفهم دواعي الإجراءات الاستثنائية والقاسية إذا كانت بهدف تخليصه من مشكلة يعاني منها لا أن تكون شعارا لسياسات معاقبة أصحاب رأي وسياسة ويتحمل في أوقات معينة أي إجراءات تقشف اقتصادي وحرمان مؤقت طالما كانت ضرورية بعبور أزمة وتحقيق مصلحة عامة ولكنه يرفضها إذا كانت ستارا لنظام قائم علي اللصوصية والنهب ولحساب فئات أخري. الأمر كله يحتاج إلي قرار سياسي واضح من المجلس العسكري وهو استئصال ظاهرة البلطجة من جذورها. واستنادا إلي القوانين والإجراءات الموجودة فعلا والتي كان النظام السابق يستخدمها في غير موضعها ولقد سبق وحذرنا من نمو ظاهرة قيام الناس بتصفية البلطجية بالقتل والتعذيب خارج القانون وكلما زادت البلطجة ستقابلها زيادة في ظاهرة تصفيتهم علي أيدي الناس نيابة عن حكومتهم وهذا سيكون تحولا أشد خطرا. ووصل الأمر إلي درجة يصعب تصورها ففي الصفحة الرابعة عشرة من أهرام الجمعة الماضية نشرت شركة الحديد والصلب المصرية اسفل الصفحة إعلانا نصه «تستغيث شركة الحديد والصلب المصرية.. بالسيد رئيس مجلس الوزراء من البلطجية الذين يحملون أسلحة آلية ويهاجمون الشركة يوميا للاستيلاء علي ممتلكاتها ونحن نناشد المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بسرعة التدخل الفوري لمواجهة هؤلاء المسجلين لدفع عجلة الإنتاج لصرح من صروح الاقتصاد المصري، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب دكتور مهندس عمر عبدالهادي فهل وصلت الأمور إلي حد العجز عن حماية واحدة من أهم الشركات من البلطجية؟!