كتب: المستشار د. محمد الدمرداش العقالي استكمالاً لحديثنا عن ظاهرة الإلحاد والنظريات الوجودية التي تصادم الأديان السماوية وعادت تطل برأسها مؤخراً في خضم ثورات الربيع العربي، ونستكمل اليوم سوق بعض الأدلة الدالة علي وجوده تعالي، فنجد أن الرُسُل سلام الله عليهم الذين أرسلهم الله تعالي إلي النّاس علي مر العصور والأزمان، يبشّرونهم به عز وجل، ويخبرونهم عن موجِدِهِم في هذه الحياة، وعن سبب وجودهم فيها، وعن ما سوف يؤول له أمرهم بعد انقضاء أعمارهم وانتهاء آجالهم. ولولا هؤلاء الرُسُل المكرمين الذين أرسلهم الله تعالي لم نعرف الله، ولم نهتد إليه، والدليل علي صدق هؤلاء الرُسُل أمور عدة : أولاً: تباعد أزمنة هؤلاء الرُسُل وأمكنتهم، وتوحّد دعوتهم مع اختلاف شرائعهم، ففي تباعد أزمنتهم وأمكنتهم دليلٌ علي أنّهم لم يتّفقوا علي بثّ هذه الدعوة بين النّاس لغرض ما، وفي توحّد دعوتهم دليل علي أن المرسل لهم جميعا واحد، وفي اختلاف شرائعهم دليلٌ علي أنّهم لم ينقلوا عن بعضهم البعض، وإنّما اختلاف شرائعهم من المُشرِّع الذي شرّع لكل رسولٍ من رُسُله ما يتناسب مع زمانه ومكانه من القوانين. ثانياً: إنّهم لم يطلبوا في دعوتهم حظا لأنفسهم أو ذويهم، بل كان كلّ جهدهم عليهم السلام منصبًا علي الدعوة إلي الله عز وجل، فلو كان هؤلاء الرُسُل قد قاموا من تلقاء أنفسهم لآثروا أنفسهم وأهليهم بشيء من حظوظ دعوتهم، من مالٍ أو مُلكٍ أو أي نوعٍ من أنواع المترفات في الحياة الدُنيا. ثالثاً: إنّهم عليهم السلام تحمّلوا المشاق والصعاب، وضحّوا بالغالي والرخيص، في سبيل دعوتهم، وتحمّلوا الضرب والأذي الحسّي والمعنوي دون أن يثنيهم ذلك عن دعوتهم أو يثبط هممهم في القيام بنشر ما أنزل اليهم، فدلّ ذلك علي أنّهم مبعوثون من الله عز وجل، الذي لا يستطيعون أن يتخلّصوا من رسالته إلا بأمرٍ وإذنٍ منه، وهم مع ذلك مطيعون له، قادرون علي تحمّل الشدائد في سبيله، حبّاً وتعبّداً له. فلو كان هؤلاء الرُسُل قد قاموا من تلقاء أنفسهم، لصعب عليهم هذا الأمر صعوبة تجعلهم يقعدون عن الاستمرار في الدعوة إليه. رابعًا: إن هؤلاء الرُسُل لا يأمرون إلا بخير، ولا ينهون إلا عن سوء، بل إنّهم لا ينهوك عن أن تسيء إلي الآخرين وحسب، بل وحتّي أن تسيء إلي نفسك. نهوك عن اللواط، والزِني، والرِبا، السَرِقة، الغشّ، والخداع. ونهوك عن أن تؤذي نفسك، بقتل النفس، أو بشرب خمر، أو بأكل ما يضرّ جسدك أو يهلكه! ولنا أن نسأل سؤالاً: ما الدافع لهؤلاء الرُسُل كي يهتمّوا بشأنك أو شأن الآخرين؟ أيهلك هؤلاء الرِجال أنفسهم من أجل صلاح المجتمعات بدون مقابل؟! ولقد عمدت أن أسوق بعض الأدلة العقلية لكون الملحدون بمختلف درجاتهم لا يؤمنون بالأدلة النقلية ولا مجال لمجادلتهم بما لا يؤمنون به، كما أن الأدلة العقلية علي وجود الله لا حصر لها وإن كان يصعب بسطها في حيز المقال، لكن الخلاصة إن الأدلة العقلية تثبت بيقين أن الله تعالي موجود وجودًا حقيقيا وأنه تعالي الذي خلق هذا الكون بكل ما فيه، وأن القول بخلاف ذلك لا يتفق مع العقل ولا مع الفطرة السليمة. وأختم بسوق بعض شهادات لعلماء بارزين لله الخالق يتجلي في عصر العلم بحثوا في وجود الله عز وجل بعقل مدرك ونظر ثاقب متجرد لذا، فإن شهاداتهم تعد ذات اعتبار كبير في الأمور التي يدلون فيها بآرائهم.. ونحن هنا نذكر أقوال بعض من العلماء المشهورين في قضية الوجود والخلق مثل عالم الرياضيات مكتشف قانون الجاذبية إسحاق نيوتن : قال : إنه لا يمكن أن تأتي إلي حيز الوجود مباهج عالم الطبيعة الزاهرة ومنوعاتها هذه بدون إرادة واجب الوجود أعني به الإله القادر قدرة مطلقة السميع البصير المكتمل الذي يسع كل شيء.ويقول هيرشل عالم الفلك الإنجليزي : كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية علي وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية. فالجيولوجيون والفلكيون والرياضيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا علي تشييد صرح العلم وهو في الواقع صرح عظمة الله وحده. ويقول وولتر أوسكار لندبرج عالم الفسيولوجيا و الكيمياء الحيوية الأمريكي: أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبري يحصلون عليها كلما وصلوا إلي كشف جديد في ميدان من الميادين إذ إن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد إدراكهم و أبصارهم لأيادي الله في هذا الكون، وأما العالم الأمريكي الفسيولوجي أندرو كونواي ايفي فقد قال: إن أحداً لا يستطيع أن يثبت خطأ الفكرة التي تقول إن الله موجود، كما إن أحداً لا يستطيع أن يثبت صحة الفكرة التي تقول إن الله غير موجود، وقد ينكر منكر وجود الله تعالي ولكنه لا يستطيع أن يؤيد إنكاره بدليل. وهذه هي الحقيقة بالفعل فأحيانًا يشك الإنسان في وجود شيء من الأشياء ولا بد في هذه الحالة أن يستند شكه إلي أساس عقلي، ولكنني لم أقرأ ولم أسمع في حياتي دليلاً واحدًا عقليا علي عدم وجود الله تعالي، وقد قرأت وسمعت في الوقت مئات بل آلاف الأدلة علي وجوده، ولا يخفي علي كل ذي بصيرة ما يورثه الإيمان بوجود الله عز وجل من حلاوة وأمان نفسي وسمو روحي في قلوب المؤمنين وما يخلفه الإلحاد من حيرة ومرارة في قلوب الملحدين. والحديث في هذا الموضوع طويل لا ينقطع إلا أن المقام يضيق عنه والاحداث تتري وتتوالي من حولنا فنكتفي بما سطرناه. ولموضوع جديد في الجمعة المقبل إن كان في العمر بقية.