الحلقة الأخيرة: قرر الأبناء الثلاثة الذهاب إلي بيت جدهم الأكبر الموجود في إحدي المدن المجاورة لهم.. اتخذوا قرارهم وهم فرحون وترسم علي وجوههم السعادة لأنهم سيتعرفون علي جزء من تاريخ عائلتهم وذلك من خلال زيارة بيت جدهم. لكن جاءت المصيبة والكارثة واستقبلوا الصدمة حيث قرر والد هؤلاء الأبناء منعهم من الذهاب لبيت أبيه أي جدهم بل هدد أبناءه بطردهم وعقابهم إذا خالفوا قراره المفاجئ بعدها أصيب الأبناء الثلاثة باحتقان وغضب شديدين لأن أباهم رفض تحقيق حلمهم ووقف ضد رغبتهم بالذهاب إلي منزل جدهم وإذا خالفوه فالقعوبة تنتظرهم. هذه القصة ليست حقيقية بالمعني المطلق ولكنها مستوحاة من نبات أفكاري ولدت خلال كتابتي لهذه الحلقات التي عشتها وأنا أشم رائحة الأماكن المقدسة في القدس. علي أي حال كتب أحد الأقباط رسالة إلي البابا شنودة الثالث قال فيها: «عندما منعنا أنفسنا من الذهاب إلي «أورشليم» أي القدس البلد الذي عاش فيه السيد المسيح وكمثل بقية كنائس العالم لم نذهب للقيام بالحج في الأراضي المقدسة بفلسطين وهذا بسبب حجج وهمية وصراعات سياسية لا دخل لنا فيها فأصبحنا ننظر إلي القدس علي أنها حلم يحلم به ملايين المسيحيين المصريين ولا يقدرون أن يذهبوا بسبب كابوس السياسة وعقب البابا وبحجة أننا لن ندخل القدس إلا بعد الاحتلال الإسرائيلي وكأننا في زمن صلاح الدين الأيوبي ونحن لا ندري». وأضاف قائلاً: «لعل أهم ما أريده أن يتحقق الآن هو عودة المسيحيين المصريين وزيارتهم إلي القدسالمدينة التي فيها ما شهدته من أحداث ومعايشة للسيد المسيح والتي حرمنا منها لأسباب دنيوية لا دخل لنا فيها».. وتساءل في نهاية رسالته وقال: « هل نحتاج إلي استفتاء كي نذهب إلي أورشليم القدس؟!». كان البابا شنودة يرد بين الحين والآخر علي الرسائل التي يتلقاها من قبل أقباط يريدون الذهاب إلي القدس للتقديس دون تعرضهم لعقوبة كنسية وجاء أحد ردود البابا ورأيه في هذا الأمر أن سفر الأقباط إلي القدس سيعني بالنسبة للمسلمين أنهم خونة لمصر ويريدون التطبيع مع إسرائيل وأن أقباط مصر وحدهم سارعوا بالسفر إلي إسرائيل رغم المقاطعات الشعبية الواسعة من قبل طوائف الإسلام في مصر وذلك حتي لا تظهر تأشيرات إسرائيل ذهابا وعودة علي جوازات السفر الرسمية والتي تستعمل في السفر إلي البلاد العربية وسائر بلاد العالم حيث يعمل الأقباط. ولم يكتف البابا بهذا الرد بل قال في أحد اللقاءات عقب تسلمه ورقة من أحد الأقباط يريد الذهاب للقدس حيث قال البابا: «أنا أخذت هذا القرار خوفاً علي أولادي الأقباط من الموت الذي قد يكون من نصيبهم جراء زيارتهم للقدس ويكونون معرضين للخراب والدمار الذي تحدثه غارات إسرائيل». أتذكر أنه منذ 4 سنوات تحدثت مع البابا شنودة في أحد اللقاءات التي جمعتني به حول هذا الأمر قال لي: «أعلم أن كل مسيحي في مصر يريد الذهاب إلي القدس ولكني أقول لهم إنه ليس في المسيحية فريضة للحج وزيارة القدس ليست من أركان الدين المسيحي..». وأضاف: «إنني أفهم وأتفهم رغبة من يريد الزيارة لكن إذا كان يضر بالقضية الوطنية والشعب مسلمين وأقباطاً أليس من الأفضل ألا نفعل؟!..» وقبل توجيهي لسؤال آخر قال لي وهو متبسم: «هي مصر مفاهش أديرة وكنائس قديمة وتاريخية.. مصر عاش فيها السيد المسيح والسيدة العذراء ولا فرق بين مصر والقدس..». لكن أتذكر أيضا في مايو عام 2006 كشف لي البطريرك ميشيل صباح بطريرك القدس علي هامش زيارته للقاهرة لحضور حفل تنصيب بطريرك الأقباط الكاثوليك الأنبا أنطونيوس نجيب أن هناك أقباطاً كثيرين ذهبوا إلي القدس ومازالوا وفوجئت بقوله إن 7 آلاف قبطي ذهبوا للقدس في فترة من الفترات السابقة مؤكداً أنه ضد منع المسيحيين من زيارة أماكنهم المقدسة لأي سبب..». وفي اجتماع عقدته مديرة جامعة القدس في فلسطين مع عدد من النخب المصرية قالت فيه: «نحن نطالب المصريين تحديداً بأن يزوروا القدس لأنه يوجد به نوع من المساندة لنا كفلسطينيين ليست فقط مساندة مادية متمثلة في الاستفادة التي يحققها التجار الفلسطينيون وبالتالي ما يحققه من دعم اقتصادي ولكن دعم معنوي أيضا بما يمثله من تواصل فلسطين مع أشقائها العرب. غالباً مما يطلبون الذهاب إلي القدس هم من كبار السن لأنني في اليوم ذاته تقابلت مع عدد من المسنين الأقباط في دار خاص بهم وهم معارضون لقرار البابا شنودة لأنهم ببساطة شديدة يريدون التبرك من الأراضي المقدسة التي سار عليها السيد المسيح وعلم أتباعه قيم المسيحية ومبادئها وكان عند هؤلاء الكبار حجة قوية وهي أن السفر والتنقل حق دستوري للمواطنين تكفله لهم الدولة كما أنه حق من حقوق الإنسان. من هنا شهدت محكمة القضاء الإداري سيلاً من الدعاوي القضائية التي رفعها مواطنون أقباط يطالبون فيها بالسماح لهم بالسفر إلي القدس ولكن جاء حكم المحكمة في صالح قرار البابا شنودة بمنع سفر الأقباط للقدس وجاء في حيثيات الحكم أنه جاء لحماية أمن المواطنين وأن من حق المحكمة أن ترفض زيارتهم لأي دولة أو منطقة بها أحداث عنف أو قتل هذا إلي جانب أن الأراضي الفلسطينية مازالت تقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. كشف لي أحد الأساقفة المقربين للبابا شنودة أن البابا لم يمنع الأقباط أو كل المسيحيين من السفر للقدس إذا كان موفداً في مهمة رسمية من قبل الدولة أو الكنيسة نفسها في الوقت الذي أكد لي أحد الكهنة الكبار المشورين أن الكنيسة تتغاضي عن العقوبة الكنسية في حالة ذهاب كبار السن والمرضي للتبرك من الأراضي المقدسة في القدس. وقتها أجرت مجلة متخصصة في الدراسات القبطية وهي مجلة أجنبية حواراً مع بعض أقباط القدس بشأن الانتماء والأصل والهوية ونقلت عنهم قائلين: «نحن فلسطينيون من حيث الجنسية والهوية ولكننا فقط ننتمي إلي الكنيسة القبطية من الناحية الدينية. علي أي حال أعتقد أنه خلال السنوات المقبلة سيختفي لقب كان يعشقه الأقباط منذ زمن بعيد بل كانوا يتصارعون فيما بينهم للحصول علي هذا اللقب الديني خاصة بين كبار السن في القري والنجوع بالصعيد فكل قبطي يريد ويحلم بأن يكون «المقدس فلان» وإذن مع إصدار البابا شنودة بمنع الأقباط للتقديس فيقل تدريجياً تداول هذا اللقب وسوف ينقرض مع مرور السنين. في هذه الأيام كثف الأقباط الذين يريدون الذهاب إلي القدس حملاتهم ومطالبهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» و«تويتر» علي أمل أن يحدث تغيير في قرار البابا أو بمجرد الاعتقاد أنه من الممكن تساهله معهم وخيارهم للسفر للقدس دون عقوبة كنسية. رسالة إلي البابا: لا شك أن قرار قداستكم بمنع الأقباط خارج مصر وداخلها من الذهاب إلي القدس إلا بعد تحريرها ودخولها مع المسلمين يعكس شعوراً وطنياً وموقفاً سياسياً يحسب لك ويستحق الاحترام والتقدير وأقدر لما تعانيه من ضغوط وخوف علي أولادك الأقباط من الموت علي يد إسرائيل ولكن هناك كثيراً من الأقباط يحلمون بالتقديس في أورشليم القدس ويحملون معي رسائل أوصوني بأن أرسلها لقداستكم وهي «أولادك يريدون الذهاب إلي القدس دون عقوبة كنسية». وفي نهاية حلقات: «الأقباط والقدس بين الحق الضائع والحلم الممنوع» أتساءل هنا هل الذهاب إلي القدس خطيئة؟ هل سأعاقب عليها في يوم الحساب؟ هل ذهابي للقدس جعلني مخالفاً للعقيدة المسيحية؟ وإن ذهبت للمدينة التي أحلم بها هل أصبح خائناً لقداستكم وللكنيسة؟! متي تسترد الكنيسة حقها الضائع في القدس وتحقق حلم أولادها الممنوع في الذهاب إليها