المثل الشعبي يقول: «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود».. كناية عن أن ادخار أي مليم قد يفيد في زمن الأزمات.. وانقطاع الرزق.. وسوء الأحوال الاقتصادية.. وأحيانًا الجوية.. وبناء عليه فإن المثل الشعبي يقول أيضًا: «التاجر لما يفلس يقلب في دفاتره القديمة».. لعله يجد قرشين في دفتر توفير البريد.. أو تحت البلاطة.. أو في «زلعته» تحت السرير. المهم أن الحكومة في أزمة وما زالت تصرف من «لحم الحي».. وتستدين من كل «من هب ودب».. وأحيانًا تلجأ «للي يسوي واللي مايسواش».. ولأن كل الدول «الاستعمارية» بمصطلحات الستينيات.. والدول «الصديقة» بمصطلح الرئيس السادات.. تحاول أن تغازل الحكومة المصرية بصوت «شخللة» القروض المفتوحة.. والقروض المشروطة.. والقروض التي لا ترد.. ولكن يأخذون بدلاً منها كرامة ويستردونها منا إهانة وضربًا علي القفا. ولكن المجلس العسكري أيده الله بنصرٍ من عنده.. أبي ورفض كل ألوان القروض المقدمة إلينا التي توالت عروضها علي الحكومة.. نظرًا للأزمة الطاحنة التي تطاردها يوميا بالمطالب الفئوية والإضرابات.. والاعتصامات.. إذ فجأة استيقظت كل فئات الشعب بعد سبات عميق دام أكثر من 30 عامًا.. وفي رواية أخري 60 عامًا.. ليطالبوا بزيادة الرواتب.. وزيادة حوافز الإثابة.. وحوافز القهوة السادة. ومن هنا جاء التفكير في فتح الصندوق الأسود الموجود في قلب طائرة «الصناديق الخاصة».. وعملاً بالمثل الشعبي.. فإن الصندوق الأبيض ينفع الحكومة المفلسة في اليوم الأسود.. فالصناديق الخاصة يقال إن عددها يربو علي السبعة آلاف صندوق.. ووفقًا لآخر بيانات الحكومة في 30 يونيو 2011 الماضي فإن إجمالي ما تملكه هذه الصناديق الخاصة هو 36 مليار جنيه.. وقد قيل عن هذه الصناديق منذ سنوات ما قاله «الإمام مالك في الخمر». فهي مرتع لأكبر فساد حكومي منظم ومقنن.. فهي بلا انضباط مالي أو إداري أو قانوني. وقصة هذه الصناديق قديمة وتطورت.. وتفاقمت وتغولت وتوحشت.. فقد أنشأت بموجب قانون الموازنة العامة للدولة لتغطية تكلفة بعض البنود والمصروفات التي لا تستطيع أن تغطيها الموازنة العامة.. فلجأت بعض الجهات.. إلي إنشاء صناديق خاصة للصرف علي هذه البنود من خارج الموازنة العامة، وبعيدًا عن الخزانة العامة للدولة.. أي «أموال» تتم جبايتها من الناس عن طريق طوابع دمغة خاصة بكل جهة.. أو رسوم تدفع عن تقديم طلبات لبعض الجهات الحكومية.. أو رسوم إضافية تحصل علي تذاكر دخول المتاحف أو السينمات.. أو الحدائق.. أو رسوم تضاف علي تذاكر السفر في القطارات والسيارات الأجرة.. والأتوبيسات وربما الطائرات.. أو رسوم تحصل ضمن فواتير الكهرباء أو المياه أو مواقف السيارات.. وهكذا.. المهم أن كل هذه الأموال تحصلها الحكومة وتوضع في الصناديق الخاصة. والأصل في هذه الأموال التي تجمع بموجب قوانين تصدرها الدولة أن يتم صرفها علي أنشطة تعجز موازنة الدولة عن الوفاء بها.. وكانت في الأصل تصرف هذه الأموال في تمويل تطوير العمل وتحسين مستوي الأداء.. والرعاية الاجتماعية والصحية لأصحاب هذه الصناديق.. وظلت هذه الصناديق بلا رقابة حتي عام 2006 علي الرغم من أنها انشئت منذ عشرات السنين.. وبعض هذه الصناديق أنشئ لغرض معين وانتهي هذا الغرض تمامًا، ولكنها ما زالت باقية بدعوي أن بنود الصرف تغيرت ولكن الهدف واحد.. مثلاً صندوق «إنقاذ آثار النوبة» الذي أنشئ أثناء نقل معبد أبي سنبل.. وآثار النوبة للإسهام في تكلفة نقل هذه الآثار وإنقاذها من الغرق خلف السد العالي في بحيرة ناصر.. والسد العالي انتهي بناؤه.. وآثار النوبة ومعبد أبي سنبل تم إنقاذهما.. ومازال هذا الصندوق باقيًا حتي يومنا هذا.. وربما يكون هذا الصندوق تحديدًا من أكثر الصناديق نبلاً ولأنه يخدم أهدافًا ثقافية وتاريخية عظيمة.. ولكن أوردنا في المقال لنؤكد أن فكرة الصناديق بدأت نبيلة وعظيمة ورائعة ولكنها تحولت إلي ما يشبه صناديق النذور لجباية الأموال. وظلت هذه الصناديق كما أسلفنا بلا رقابة حتي عام 2006.. حتي صدر قانون الخزانة الموحد وبمقتضاه تم جلب أموال هذه الصناديق داخل البنك المركزي ووضعت تحت رقابة وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات لمراقبة أوجه الصرف بها.. ولكن كما عودتنا حكوماتنا الرشيدة قبل 25 يناير أنها قبل أن تصدر أي قانون تخلق الثغرات أولاً.. وتضع الاستثناءات ثانيا.. وبعد ذلك يبدأ ترزية القوانين في وضع القانون ثالثًا.. ولذلك فبعد صدور قانون الخزانة الموحد عام 2006 لاحكام الرقابة علي الصناديق الخاصة اتضح أن أموال بعض هذه الصناديق تحصل علي فوائد إيداع نتيجة لإدخال أرصدتها في خزانة الدولة أي في البنك المركزي.. ولكن بعض الصناديق لا تحصل علي فوائد(!!).. بل إنها تدفع مصروفات علي حركة النقدية دخولاً وخروجًا.. ليس ذلك فقط فقد جاء ضمن القانون أن من حق وزير المالية أن يستثني بعض الصناديق «الخاصة» من الرقابة وإشراف وزارة المالية عليها.. ومراجعتها من الجهاز المركزي للمحاسبات.. هذه هي مصر التي تسير علي سطر وتترك سطرًا.. بل إن من حق «وزير المالية» أن يستثني بعض الجهات من وضع أموالها في حساب الخزانة الموحد شوفوا حلاوة الاستثناءات بتاعة «يوسف بطرس غالي».. يعني المسائل كلها سمك لبن تمر هندي.. أو عسل وطحينة.. أو شاي كشري. وعلي الرغم من أن مصر وقعت علي اتفاقيات الشفافية الدولية ونشر البيانات إلا أنه لو كان «أبوك قائد طابية» تقدر تحصل علي بيان واحد صحيح عن تلك الصناديق.. بالطبع حتي لا نعمم هناك صناديق تدخل ضمن قانون موازنة الدولة، وتخضع لكل آليات الرقابة المالية والإدارية التي تخضع لها مؤسسات الدولة مثل «صندوق التنمية الثقافية» علي سبيل المثال لا الحصر.. ولكن المهم الآن أن هذه الصناديق تمتلك 36 مليار جنيه كلها جباية من أموال الشعب المسكين أين هي الآن وما أوجه الصرف الخاصة بها وما الاستثناءات الممنوحة لبعض الصناديق.. ومحرومة منها صناديق أخري؟ أن هذه الأسئلة جميعًا نضعها بكل ثقة أمام الدكتور حازم الببلاوي والدكتور عصام شرف والمجلس العسكري.. وهاتوا فلوسنا لأن بعض الصناديق طلعت «أونطة».. والصندوق الأبيض ينفع في الزمن الأسود اللي احنا عايشينه الآن».