قبل مباراة الأهلي والترجي التونسي بأيام قليلة، لمست هلعا شديدا بين الأصحاب والأصدقاء علي اختلاف مشاربهم تجاه ألتراس الأهلي وما سيفعله خلال المباراة، التي لم تكن قد أقيمت بعد.. حديث الصحبة المتنوعة، كان أقرب إلي الكلام عن الغول والعفريت والمراد وأبورجل مسلوخة، الذين ستنشق عنهم الأرض في منطقة الاستاد لتقلب ليل القاهرة إلي جحيم.. وترتكب الأخطاء والخطايا ضد الشرطة، وتزيد الطين بلة، والبلد مش ناقصة.. والوضع الأمني مترد أصلا، وما إلي هذا من عبارات أشعرتني بأن مشكلات مصر كلها باتت تتلخص في الألتراس الأهلاوي والزملكاوي والإسماعيلاوي.. بل إن الانفلات الأمني بكل تفاصيله المذهلة وراءه الألتراس..! والحقيقة أن الأصحاب كانوا يتكلمون من منطلقات وطنية، أهمها خوفهم علي أمن مصر الداخلي المتآكل، حتي أن أحدهم قال لي: .. ولماذا لا يطبقون "الطوارئ" علي الألتراس ويعتقلونهم ويريحونا هي ناقصة بتوع الكورة كمان؟ مش كفاية البلطجية وبقايا النظام السابق؟ وأتت مباراة الأهلي والترجي بردًا وسلامًا علي قلوب الخائفين والغاضبين من الألتراس، وكذا قلوب محبيهم المتعاطفين معهم. ظهر ألتراس الأهلي في صورة متحضرة، ومارس التشجيع كما يجب أن يكون، تشجيعا قويا متواصلا لا يهدأ وفي الوقت نفسه خاليا تمامًا من العنف والابتذال، ولم يقع اشتباك واحد ولو بسيطاً بينهم وبين الشرطة..! بل إن رئيس الوزراء د.عصام شرف تقدم بالشكر لهم.. في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ الكرة والسياسة، سابقة تحمد لشرف الذي استوعب ما كان يجب أن يستوعبه كثيرون أغلبيتهم من المثقفين عن الألتراس..! صحيح أن موقف الألتراس أثلج الصدور ومرر الليلة علي القاهرة أهدأ ما يكون والهدوء بات عملة نادرة هذه الأيام لكن البعض ممن يري الألتراس كميليشيات عنف أظهر اندهاشه متسائلا: ولماذا ماداموا متحضرين هكذا فعلوا مافعلوه عشية مباراة الأهلي وكيما؟ ما فهمه عصام شرف ويفهمه كثيرون ممن يعرفون الألتراس عن قرب هو أنهم شباب مصري مخلص وطني كسائر الشباب، ليس ميليشيا ولا عصابات منظمة كما يصوره البعض، وليس بينه وبين الداخلية "تار بايت " كما يعتقدون، وتسري علي الألتراس القاعدة الكونية الثابتة التي تقول: إن كل جماعة منها الصالح ومنها الطالح، وهناك من يندس ساعة اللزوم! وبنوايا تخصه وتخص من أرسله في صفوف الألتراس، من عزبة الهجانة وأبوقرن وعشوائيات العمرانية، لكن الجسد الرئيسي لهؤلاء الشباب جسد وطني، مثقف، كثير منهم يمثلون شرائح نقية للطبقة المتوسطة من أبناء الأطباء والمهندسين والمحامين بل أبناء ضباط الشرطة، أغلبيتهم الساحقة متعلمون تعليما جيدا، فقط ما يواجهونك به وقد يصدمك وهو ما يتوقف علي نوع ثقافتك بالطبع! هو شعارهم "الأهلي فوق الجميع"! الألتراس إذن لما استخدموا له، وقد ثبت أنهم لعبوا دورا كبيرا في إنجاح الثورة عبر مشاركتهم الفعالة في جمعة الغضب 28 يناير، وهاهم يرفعون رءوسنا أمام ضيوفنا التوانسة، إذن يمكننا توظيف هذه الطاقة الشابة المخلصة الجامحة لخير هذا البلد.. إن كنا نمتلك الخيال الخصب الذي يساعدنا علي هذه الخطوة، ويمكننا أن نهمل الألتراس وأن نتجني عليهم فتثور ثائرتهم وتنقلب الآية ويدور السحر علي الساحر. كلمة عصام شرف الموجزة في شكر الألتراس يمكن أن تكون خطوة أولي جيدة علي هذا الطريق، فإن كنا نسعي اليوم لاستيعاب كل القوي السياسية ودمجها في المشهد السياسي، ضمانا لأوسع مساحة من التعبير الحر السلمي، فإنه من الواجب أن ننظر نظرة مغايرة للألتراس، نظرة إلي ماهو إيجابي فيهم لاستخدامه لصالح الثوابت الوطنية، ونظرة لما هو سلبي لمساعدتهم علي تخطيه، دون أن نحاول ممارسة دور الناصح الأمين عليهم، لأن للألتراس كبرياءهم الذي يأبي الوقوف في موقف المهزوم، وهو كبرياء مرتبطه لديهم نفسيا بكبرياء الفرق التي يشجعونها..! الألتراس ليسوا ضيفا ثقيلا ومشاغبا وسخيفا طرأ علي المائدة بصورة مفاجئة، إنهم طرف موجود معنا منذ سنوات، أسيء النظر إليه وأسيء استخدامه كما أسيء استخدام كل شيء في هذا الوطن في العقود الماضية، وآن الأوان لتصحيح تناولنا لهذا الملف كله، ليصبح الألتراس قوة إيجابية ضخمة في مصر التي نحاول بناءها الآن.. وعصام شرف اتخذ الخطوة الأولي علي الطريق الصحيح، ولكن هناك خطوات كثيرة يجب أن تتخذ!