تتفق أو تختلف معي لم يعد هذا يهمني كثيراً.. فقد سألت القطة الصغيرة وهي تقف حائرة في وسط الميدان: أي الطرق أسلك؟! فأجابها القط العجوز الحكيم: - أخبريني أولاً إلي أين تريدين الذهاب لأدلك علي الطريق الذي تسلكينه فالطرق عديدة وكل منها ينتهي بمقصد مغاير للآخر. سكتت القطة قليلاً وهي في مفارق الطرق.. ونظرت للقط العجوز حائرة.. ثم قالت: - لست أدري إلي أين أنا ذاهبة علي وجه الدقة! فقال لها القط العجوز: - إذا لم تقرري بعد إلي أين أنت ذاهبة.. فالأفضل لك أن تتوقفي هنا قليلاً.. وتفكري طويلاً.. حتي تعرفي مقصدك وبعد ذلك اختاري الطريق الذي يصل بك إلي هدفك.. وإلا ستبقين تائهة إلي الأبد. وهذا هو حال الثورة والثوار فيما أطلق عليه «المليونيات».. فأنا واحد من الناس الذي أربكته قوي الائتلافات الثورية.. فلم أعد أعرف إلي أين يريدون أن يذهبوا؟! ففي كل يوم جمعة يطرح شعار جديد.. ليس عليه اجماع من كل القوي السياسية.. فالبعض يقاطع.. والبعض يمانع.. وفريق آخر.. «يعمل نفسه مش سامع».. وينتهي الأمر بأن يمتلئ ميدان التحرير ببضعة آلاف.. ورغم مقاطعة الإخوان المسلمين ومهاجمتهم لجمعة «تصحيح المسار».. ورغم امتناع أكثر من 12 ائتلافا ثوريا عن المشاركة الفعلية في هذه الجمعة.. إلا أن القوي السياسية التي ذهبت إلي ميدان التحرير.. لم ينجح منها أحد في تصحيح «المسار».. ولست أدري من الذي منح تلك الألوف المحدودة حق التحدث باسم الشعب المصري البالغ عدده 85 مليون نسمة.. وإذا كانت جمعة «تصحيح المسار» تمخضت عن أن بعض الصبية والبلطجية يتسلقون واجهة وزارة الداخلية لتحطيم شعار الشرطة ولافتة الوزارة النحاسية وإحراق مصلحة «الأدلة الجنائية» علي وجه التحديد (!!) دون أن تتعرض لهم قوات الشرطة أو تمنعهم من الوصول إلي المقر الرئيسي للوزارة.. فبالله عليكم ماذا كانت تفعل القوات المكلفة بحراسة وحماية مبني وزارة الداخلية.. هل كانت تقوم بتخليل الخيار.. بينما السوقة والغوغاء والبلطجية يصححون (المسار)! أين هيبة الدولة؟! والخطوط الحمراء التي يجب ألا يتجاوزها أنس ولا جان؟!.. حتي لو كان هؤلاء البلطجية من «فلول الحزب الوطني».. أو «الألتراس» الأهلاوي أو الزملكاوي.. ومهما كانت انتماءاتهم السياسية.. فهذه أمور لا يمكن أن تمر مرور الكرام.. وعلي الحكومة أن تكون لها مخالب وأنياب.. فلن يعيش المصريون رهائن لدي هؤلاء «الفلول».. ورجال الشرطة والقوات المسلحة هكذا يرون وينظرون ولا يتدخلون تحت دعوي التحلي بضبط النفس.. والتحلي بضبط النفس كثيراً ما يؤدي بنا إلي المهالك.. وزمان قال الروس والأمريكان لعبدالناصر تحل بضبط النفس.. تحل بضبط النفس.. فإذا بإسرائيل تهاجمنا مع أول ضوء صباح 5 يونيو 67 .. فكانت الهزيمة.. وأتمني ألا يتحلي المجلس العسكري ورجال الشرطة بضبط النفس ويتركوننا فريسة سهلة لبلطجية النظام الفاسد الذي سقط.. ويجب أن تسقط كل أدواته التي كان يستخدمها في إرهاب الشعب المصري.. وإلا ستقوم هذه الفلول بهزيمتنا جميعًا. فإذا تركنا ميدان التحرير ومبني وزارة الداخلية.. وذهبنا إلي السفارة الإسرائيلية ومديرية أمن الجيزة وإحراق سيارات المواطنين وعربات الأمن المركزي.. حيث تجاوز عدد المصابين ألف مصاب.. والقتلي 5 أشخاص.. فبذلك نكون قد وصلنا إلي جمعة «تخريب الديار».. وإذا كانت جمعة تصحيح المسار قد أوصلتنا إلي صدور قرار من المجلس العسكري بتفعيل قانون الطوارئ.. فنحن بذلك نكون قد نجحنا بالفعل في تصحيح المسار (!!) لصالح «تقييد الحريات».. وإذا كان اقتحام السفارة الإسرائيلية.. سيكلفنا تقديم التزام دولي بحماية البعثات الدبلوماسية.. وأن هناك شكوي قدمت إلي الأممالمتحدة مفادها بأن مصر عاجزة عن حماية البعثات الدبلوماسية.. ويجب أن تكون هناك قوات أمن دولية لحماية البعثات الأجنبية لحماية الممتلكات والأرواح.. فنحن بذلك نكون قد «مرمطنا» بسمعة مصر بلاط الأممالمتحدة أمام العالم كله.. وبدلاً من أننا كنا قد وضعنا إسرائيل في قفص الاتهام أمام المجتمع الدولي بعد ارتكابها جريمتها البشعة بقتل 5 شهداء مصريين من رجال الأمن المصري.. فقد نجحت إسرائيل بوضعنا نحن الآن في قفص الاتهام.. لأن البعثات الدبلوماسية في كل بلاد العالم يحكمها قانون دولي واتفاقيات جنيف الدولية التي تكفل الحماية لأي بعثة دبلوماسية.. وتعتبر أرض أي سفارة في أي دولة في العالم أرضاً أجنبية تابعة لهذه الدولة صاحبة السفارة.. فإما أن نطرد السفير الإسرائيلي من مصر نهائيا ويا دار ما دخلك شر.. وإما أن تحمي هذه البعثة الدبلوماسية أسوة بكل البعثات الأجنبية الأخري.. وهذا ليس احتراما لسفير الكيان الصهيوني ولا ضعف وتهاون من الحكومة المصرية.. ولكنه احتراما لمصر وتعهداتها الدولية والاتفاقيات التي وقعنا عليها كدولة عضو مؤسس في الأممالمتحدة.. وكشعب متحضر.. ودولة ذات سيادة.. فنحن أكثر الأطراف تضررا مما حدث، فبمجرد أن تطلب الأممالمتحدة من الدول الأعضاء أن يوفروا الحماية لبعثاتهم الدبلوماسية داخل مصر.. فهذا معناه صدور تعليمات لكل من يرغب في التوجه إلي مصر بغرض السياحية أن يتحمل مسئولية حماية نفسه من (الإرهابيين المصريين).. وبذلك نكون قد فقدنا ما تبقي لدينا من رصيد آمن لدي السائحين الأجانب.. وهكذا يتحقق لنا تصحيح المسار وتخليل الخيار.. وتخريب الديار.. ولطخنا سمعة مصر بالعار.