«يا مصْر وان خيّرونى ما اسكن إلاكي.. ولاجْل تتبِّسمي.. يا ما بابات باكي.. تسقينى كاس المرار.. وبرضُه باهواكي».. يفنى الجسد وتبقى كلمات صاحبه تحكى عن سيرة «الخال» شاعر الجنوب الذى تحل ذكرى رحيله فى هذه الأيام.. فنحتفى بأشعار الأبنودى بلهجته الصعيدية التى تبناها الراحل صلاح جاهين لتخرج إلى النور أولى قصائده على صفحات مجلة «صباح الخير».. «يا مصْر وان خيّرونى ما اسكن إلاكي.. ولاجْل تتبِّسمي.. يا ما بابات باكي.. تسقينى كاس المرار.. وبرضُه باهواكي».. يفنى الجسد وتبقى كلمات صاحبه تحكى عن سيرة «الخال» شاعر الجنوب الذى تحل ذكرى رحيله فى هذه الأيام.. فنحتفى بأشعار الأبنودى بلهجته الصعيدية التى تبناها الراحل صلاح جاهين لتخرج إلى النور أولى قصائده على صفحات مجلة «صباح الخير».. يروى الأبنودى عن تلك الفترة فى مذكرات عنه قائلًا: «كنا فى أيامها نعيش خطرًا داهمًا.. فى مجال زراعة القطن.. حين انتشرت الدودة وأصبحت تهدد هذا المحصول. وقتها كتبت قصيدة عن القطن وكيف نقاوم هذا الخطر وفوجئت فى عدد (صباح الخير).. أن صلاح جاهين نشر هذه القصيدة مصحوبة برسم لأكبر رسامى المجلة.. ومنذ أن نشرت هذه القصيدة العامية أحسست أننى قد وضعت قدمى فوق مشوار الشعر.. كما أنها فتحت لى أبوابا كثيرة، حيث عرف الناس فى المحيط الذى كنت أعيش فيه هناك أننى أصبحت شاعرًا.. والحقيقة أن أهمية هذه القصيدة أو هذه الأغنية لم تتوقف عند هذا الحد.. بل جعلتنى ارتبط بالشاعر الكبير صلاح چاهين وساهمت كذلك فى دخولى عالم الطرب من أوسع أبوابه.. حين فوجئت بأن كلمات هذه القصيدة تغنى فى الإذاعة.. ولما سألت الأستاذ صلاح جاهين أكد لى صحة هذا الخبر.. بل وطلب منى أن أذهب إلى الأستاذ محمد حسن الشجاعي، رئيس الإذاعة». بدأت علاقة الأبنودى بالأدب مع سيرة بنى هلال، التى تجلى شغفه بها فى قيامه بتجميعها بعد أن تلقاها من ألسنة الشعراء، ثم تخلى الشاب النحيل عن وظيفته الحكومية فى إحدى المحاكم، لأنها لم تكن تتفق مع شخصيته، وغادر قنا متجها للعاصمة القاهرة، وهناك التحق برفيقه وابن مدينته الشاعر أمل دنقل، وأكمل ضلع المثلث القاص يحيى الطاهر عبد الله، حوالى سنة 1956، فأقاموا فيها فترة يسكنون داخل عوّامة كتب فيها أوائل أغانيه الناجحة، مثل «تحت الشجر يا وهيبة» والتى غناها محمد رشدي، وحققت رواجًا كبيرًا فى وقتها، و«بالسلامة يا حبيبى بالسلامة» التى غنتها نجاح سلام. كان الظهور الأول الأبنودى فى فترة شهدت أثناءها الساحة الأدبية تواجد عدد كبير من شعراء العامية المصرية، وفى مقدمتهم فؤاد حداد الذى يعتبره البعض أب العامية المصرية، وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.فضلا عما مرت به مصر فى تلك الفترة من تحولات سياسية مهمة كان لها تأثيرها الكبير على الشعراء، ومن ضمنهم عبد الرحمن الأبنودي. ولذا كان من الطبيعى أن تتناول القصائد الأولى التى ألفها الأبنودى مشاكل بيئة الصعيد التى عاش فيها، وأن تجسد أحلام أهل تلك المنطقة وأمانيهم. كان أول الدواوين الشعرية التى ألفها الأبنودى هو ديوان «الأرض والعيال»، الذى صدرت طبعته الأولى عام 1964، وبعده بعامين تعرض الأبنودى للاعتقال بتهمة الانضمام إلى أحد التنظيمات الشيوعية، فأمضى فى سجن القلعة نحو 4 شهور تقريبًا.وفى عام 1967، صدر ديوانه الثانى «الزحمة»، وتبعه ديوانا «عماليات» عام 1968 و«جوابات حراجى القط» فى العام التالي. كانت علاقة عبد الرحمن الأبنودى بنظام عبد الناصر مضطربة بعض الشيء، فقد قضى عدة شهور فى السجن خلال تلك الفترة. ولكن رغم ذلك، كان الأبنودى يكن احترامًا وحبًا كبيرين لشخص عبد الناصر، بيد أن الحال اختلف اختلافًا كليًا خلال حكم الرئيس أنور السادات، إذ عارضه الأبنودى معارضة شديدة، ولاسيما بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978. وقد هجاه ببضع قصائد نذكر منها: «المد والجزر»، و«لاشك أنك مجنون». أكمل الأبنودى خلال السبعينيات مسيرة إبداعه الشعري، فألف عدة دواوين شعرية نذكر منها ما يلي: «الفصول» عام 1970، و«أنا والناس» عام 1973، وديوانا «بعد التحية والسلام» و«صمت الجرس» عام 1975، و«المشروع الممنوع» عام 1979 وغيرها. وفى فترة الثمانينيات، حقق الأبنودى أشهر إنجازاته عندما تمكن من إصدار السيرة الهلالية فى خمسة أجزاء، والتى جميع فيها أشعار شعراء الصعيد وقصصهم عن بنى هلال. وبعدها نشر الأبنودى ديوانا «الاستعمار العربي» عام 1991، والجزء الأول من مختاراته الشعرية عام 1994. كتب أغانى العديد من المسلسلات، مثل «النديم، خالتى صفية والدير، ذئاب الجبل، الرحايا» وغيرها، وكذلك العديد من الأفلام، مثل «شيء من الخوف، البريء»، وشارك الدكتور يحيى عزمى فى كتابة السيناريو والحوار لفيلم «الطوق والأسورة» عام 1986، وفى 2011 كتب سيناريو مسلسل وادى الملوك». أيضًا، نشر الأبنودى كتاب «أيامنا الحلوة»، وهو مجموعة من القصص التى نشرها تباعًا فى ملحق جريدة الأهرام، ويسرد فيها حكايات مختلفة عن قريته فى الصعيد.