"خايف أموت من غير ما اشوف تغير الظروف.. تغير الوشوش.. وتغير الصنوف"؛ شاعر لن يتكرر إلا كل مائة عام، أسعدنا بقصائده في حياته وتركها عزاءًا لنا بعد الممات، خال لكل المصريين، صعيدي أصيل تحول إلى شاعر العامية الأبرز في عصرنا الحالي، لم يقف شعره عند حد معين فتطرق إلى القضايا الاجتماعية ولمس المواطن البسيط. ذهب الأبنودي، الذي رحل في 21 أبريل عام 2015، ليهاجم الفساد السياسي بسلاحه القوي، فظهرت شخصيته الثورية الوطنية، وعبر عن حبه لمصر قائلًا: "يا مصر وإن خيّروني ما أسكن إلاكي، ولجل تتبِّسمي ياما بابات باكي، تسقيني كاس المرار وبرضُه بهواكي، بلدي ومالي إلا إنتي ولو ظلمتيني، مقبولة مِنِّك جراح قلبي ودموع عيني، الجرح يشْفى إذا بإيدك لمستيني، كلّك حلاوَة وكلمة مصر أحلاكي". ولد الخال في 11 إبريل عام 1939، بقرية أبنود بمحافظة قنا، وتأثر بالسيرة الهلالية هناك، فأخذ يجمعها من شعراء الصعيد ليخرج لنا بديوانا أصبح مرجعًا لكثير من مرتادي عالم الشعر، ثم أخرج أفضل ما عنده لينيرنا بمجموعة من الدواوين الرائعة، مثل الأرض والعيال، "الزحمة" و"الأحزان العادية" وغيرها. "الطفل الكبير الغني الملئ بالإنسانية"، فهذا كان رأي الشاعر الكبير الراحل "صلاح جاهين"، والذي يوافق اليوم ذكرى وفاته هو الآخر، وكأن الأبنودي أراد أن يلحق بأي ذكرى له تجمعهما معًا ليخلد مجتمعنا هذا اليوم ذكرى رحيل قامتين شكلا جزءًا كبيرًا من ثقافته. "أول مايجيك الموت افتح.. أول ماينادي عليك إجلح.. إنت الكسبان" جزء مما قاله الخال في قصيدة "يامنة" التي ينعي فيها نفسه على لسان عمته "يامنة"، والتي قالت له: "والله وشبت يا عبد الرُّحمن.. عجّزت يا واد؟". اجتماعيًا ناجحًا، استطاع أن يجتمع بكثير من المشاهير بسمعته الطيبة وذكاءه الحاضر وطبيعته الجذابة، تواصل مع عامة الشعب وكبار السياسيين والرؤساء، كوّن علاقات قوية مع كبار الفنانين مثل الراحل عبد الحليم حافظ والفنانة العظيمة شادية والمطربة الراحلة وردة وغيرهم. أشرك محبيه في حياته الشخصية، فحكى عن حياته في كتاب "أيامي الحلوة" التي كانت بالتأكيد أيامًا حلوة، لأن الأبنودي هو الذي عاشها، وأمتعنا بقصائد عامية عن شخصيات مهمة في حياته مثل زوجته وعمته وبنتاه "آية ونور"، وبذلك نجح في الاقتراب منا لتعتقد عند قراءة قصائده أنك تعرفه منذ سنوات طويلة على الرغم من أنها قد تكون المرة الأولى. "حيًا أو ميتًا أنا عبد الرحمن الأبنودي.. عِشت حياتي طفلًا، أحببت هذا الوطن والناس، متنسونيش ولا عايز أتلف في علم ولا ملاية، عايز أرحل من بره بره كده"، هذا ما قاله "الخال" منذ أسابيع قليلة في حواره بإحدى القنوات التليفزيونية، وكأنه شعر بقرب الرحيل. أوجعنا في حياته بقصائده التي لمست أعماقنا ليهزنا من الغفلة أو يرثي أحوالنا، وأوجعنا بمماته أكثر فرحم الله عبد الرحمن الأبنودي".