الأبطال الحقيقيون يظهرون وقت الأزمات، بأفعال استثنائية تميزهم عن الآخرين، وتجعل منهم مثلا أعلى ونموذجا يحتذى به. جهاد يوسف، الشاب العشرينى، ابن الزاوية الحمراء، لم يكن يتخيل أن شجاعته ستصبح حديث الجميع، قبل عصر الجمعة الماضية، بعدما سمع صريخ استغاثة من أحد المبانى أثناء وقوفه مع أصدقائه بمنطقة أرض الجنينة فى شارع الجمهورية. التفت جهاد ليرى أدخنة كثيفة وألسنة لهب تخرج من نوافذ شقة الحاج محمد عوض، بالطابق الثالث فى العقار 46. وسط ذهول الأهالى، لم يفكر الشاب ولو للحظة وانطلق سريعا على درجات سلالم العقار فى محاولة لإنقاذ سكان الشقة، وبمجرد وصوله للباب منعته شدة النيران من الدخول، فلجأ ل«مواسير الغاز» الممتدة بطول المبنى. الشاب وصل سريعّا إلى شرفة الشقة المحترقة، وبدأ فى إخراج الطفلين والأم والجد من «البلكونة» فى الوقت الذى وزع عدد من الشباب أنفسهم بين نوافذ الطابقين الثانى والأول، ليساعدوه فى عملية الإنقاذ. جهاد يوسف الذى برهن أن المصرى وقت الأزمات قادر على فعل المستحيل، أكد ل»روزاليوسف»، لم يفكر وقت الحادث سوى فى انقاذ الأسرة، فرغم اهتزاز «مواسير الغاز» وشدة سخونتها، لكنه تمكن من إنقاذ الأم والجد والطفلين. وكشف أن مشهد الطفل الصغير »محمد» كان له الأثر الأكبر فى نفسه، فهو آخر من أنقذه من الشقة، ورغم صغر سنه إلا أنه كان متماسكا وتشبث بملابسه بقوة استعجب منها، فى حين كادت أخته الكبرى تسقط من بين يديه. فى منزل متواضع جلس الشيخ يوسف زكي، 62 سنة، وتحدث عن ابنه الوحيد قائلا: جهاد مشروع عمرى المربح ربيته على أخلاق القرآن، ويعمل نجارا بعقد مؤقت فى أحد فنادق المطار، وفرحه على بنت عمته الأسبوع المقبل. وعن يوم الواقعة أوضح أنه كان يجلس داخل شقته وسمع صرخات من الشارع الخلفي، فصعد إلى سطح العمارة، فرأى شابا يتسلق مواسير الغاز لينقذ الأسرة من الحريق، وعلم من ابنة شقيقه بعدها بساعات أنه «جهاد». داخل شقته المحترقة، علامات الرضا بالقضاء والقدر تعلو ملامح الرجل الستينى «محمد عوض»، الذى يرعى ابنته المطلقة وطفليها «نور 9 سنوات» و »محمد 6 سنوات»، منذ 7 سنوات بعد أن هجرها زوجها. «كنت قاعد فى الصالة وسمعت صوت فرقعة» قالها الحاج «محمد» متابعا، «لمبة فرقعت» فى غرفة النوم وتناثرت شظاياها، فى لحظات انتشرت النيران فى الشقة بالكامل ووجدت نفسى وابنتى وأحفادى محتجزين بإحدى الغرف، قبل أن يتدخل جهاد. عوض ناشد محافظ القاهرة، اللواء خالد عبدالعال، بسرعة تنفيذ وعده بإصلاح الشقة فابنته وأطفالها مشردين بين شقق الجيران والأقارب ولم يجد هو لنفسه مأوى إلا بين جدران شقته المحترقة التى تحولت إلى خرابة، واختتم حديثه قائلا: «انقذونا احنا بقينا فى الشارع». «جهاد» لم يكتف بما فعله بل أنه مصر على استكمال موقفه البطولي، حيث قرر أن يقف الى جانبهم حتى تعود الشقة إلى ما كانت عليه. «اللواء خالد عبدالعال وعدنا أن المحافظة هتتولى ترميم الشقة وهترجعها زى ما كانت»، قالها «جهاد» متابعا، «أسرة الحاج محمد فى الشارع، مش لاقيين مكان يأويهم، بعد ما النار دمرت الشقة».