رغم مرور أكثر من 40 عاما بعد عملية إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» إلا أن كثيرًا من الجوانب الإنسانية لأبطال هذه الموقعة لم يتم الكشف عنها طيلة هذه المدة.. وهنا ومع اقتراب ذكري إغراق المدمرة وبمناسبة مرور ذكري انتصارات أكتوبر في العاشر من رمضان قررنا تقديم نموذج بسيط لأبطال حققوا العديد من الانجازات لوطنهم وقت الحرب ولكنهم لم يشوهوا هذا النصر التاريخي كالرئيس المخلوع حسني مبارك. إنه بطل من أبطال البحرية المصرية فلا يمكن ذكر البحرية المصرية دون الاشارة إليه إنه الفريق فؤاد ذكري قائد أكبر عملية في تاريخ البحرية المصرية وهي إغراق المدمرة إيلات باستخدام صاروخين سطح سطح. ففي يوم 21 أكتوبر 1967 بينما كانت تعاني مصر والدول العربية من واقع هزيمة حرب الأيام الستة كان الفريق أبوذكري قد رقي من رئيس العمليات البحرية إلي قائد للقوات البحرية قبل أربعة أشهر سابقة.. قامت إحدي وحدات البحرية المصرية بإغراق «مفخرة البحرية الإسرائيلية وقتها» المدمرة إيلات والتي تزن 1.710 طن باستخدام صاروخين سطح سطح.. وكان اغراق هذه المدمرة قصة عاشتها البحرية المصرية في أحد أيام مجدها وعزتها وكرامتها وجعلت القوات المصرية هذا اليوم 21 أكتوبر هو العيد الأول للقوات البحرية المصرية. لقد كان إغراق المدمرة إيلات ذي أثر بالغ ومتزامن مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 والذي صدر بعد اتمام العملية بشهر فبعد هزيمة 67 لم يستطع مجلس الأمن ولا الجمعية العمومية أن يعقدا أي اجتماع بينما عارضت واشنطن بشدة إصرار موسكو علي إدانة إسرائيل ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي المحتلة. وجاء في كلمة سفير مصر السابق في واشنطن عبدالرءوف الريدي: «لقد أدي إغراق المدمرة إيلات إلي تغيير في أجواء الدبلوماسية الدولية وإلي التأكيد علي أن العسكرية المصرية علي الرغم من الهزيمة إلا أنها لم تقهر أو تنهزم». لقد ساعدها هذا علي أن تقوم مصر بمطالبة مجلس الأمن بعقد جلسة في السابع من نوفمبر 1967 حيث قام بإصدار قرار 242 في الثاني والعشرين من نفس الشهر بعد اعتماد التعديلات البريطانية علي نص القرار. تقول ابنته عزة فؤاد ذكري لقد كنا وقت إغراق المدمرة «إيلات» أطفالاً صغارا لم نع أهمية الحدث ولكن والدتي استقبلت الخبر بسعادة غامرة وبالرغم من أنها زوجة قائد القوات البحرية وقتها إلا أنها لم تكن علي علم بالعملية فقد كان والدي حريصًا جدًا علي الفصل بين دوره كأب داخل المنزل وبين مهام منصبه... وتوضح عزة أن الفرحة بخبر إغراق المدمرة لم يقتصر علي والدتها فقط بل امتدت إلي مصر بأكملها. وتتذكر عزة عودة والدها إلي المنزل بعد إعلان إغراق المدمرة إيلات وتقول إن جميع الأصدقاء والجيران استقبلوه بالأفراح والقبلات والأحضان فرحين بما حققته البحرية المصرية من انتصار بعد هزيمة يونيو 67، كما تقول أنها لم تشعر يومًا من الأيام أن والدها في منصب قيادي إلا في أوقات الحروب وذلك لاختفائه الطويل وعدم عودته إلي المنزل ولكن بخلاف هذه الأوقات كان أبًا بمعني الكلمة فقد كان دائم المذاكرة لي ولإخوتي كما كان حريصا علي الذهاب بنا إلي النادي ولم يكن هناك حرس أو سائق له فقد كان يعيش كمواطن عادي جدًا. وبالرغم من الإنجاز التاريخي الذي حققه إلا أنه تم نقله من البحرية إلي وزارة النقل وبعد تولي الرئيس السادات الحكم قام بإرجاعه مرة أخري إلي قيادة البحرية. وتقول عزة إن المشير الجمسي كان أحد أصدقائه المقربين وكان صديقًا للعائلة أما ضباط البحرية وزوجاتهم فقد كانوا جزءًا من حياتنا فالزيارات العائلية المتبادلة كانت لا تنقطع بيننا. وفور عودته مرة أخري لقيادة البحرية كانت له بطولة أخري وقت حرب أكتوبر وهي إغلاق مضيق باب المندب، وتقول عزة إنه وقتها كنا كبارا ووعيت للحرب فقد كنت أنا واخواتي نقوم بعمل كروت للمصابين الجنود علي الجبهة بينما والدتي منغمسة في العمل التطوعي مع سيدات الإسكندرية وكونوا وقتها جمعية اسمها «أم البحرية» لمساعدة الجنود المصابين وأهالي الشهداء. وتروي عزة انهن كن لا يرين والدهن نهائيا خلال تلك الفترة وكان يتصل بهم عبر الهاتف لدقائق معدودة. فقد كان يكتفي بإرسال ملابسه للتنظيف. وبعد إعلان إغلاق باب المندب وتفجير خط بارليف عمت الفرحة جميع شوارع الإسكندرية. وفور عودته إلينا كانت الفرحة الكبيرة في استقبال الشارع له ولكل الجنود العائدين من الجبهة. ويذكر أن بعدها قد جاءت الأوامر بتوفير حراسة للفريق ذكري لحمايته من أي بطش للعدو. فعندما دخل العدو إلي الإسماعيلية كانت صورة ذكري في منزل عمته وقام العدو بتمزيقها رغم أنه وقتها كان ضابطًا في القوات البحرية ولكن كانت صورة أي ضابط تستفزهم. ولكنهم بعد ذلك كانوا علي دراية جيدًا بعائلة ذكري لأن ابن شقيقته فؤاد ذكري قد تم أسره في حرب 67 لمدة 7 أشهر وفي هذه الفترة تم تعيين ذكري قائدا للقوات البحرية وتم إبلاغ ابن شقيقته في الأسر أن خاله أصبح قائدًا للقوات البحرية المصرية واستمرارًا لسلسلة الأعمال المجيدة للضفادع البشرية المصرية التي اتسمت بالاحترافية العالية والجرأة في التنفيذ تحت قيادة فؤاد ذكري قائد القوات البحرية ولقدرته الفكرية نفذ عملية تدمير حفار البترول بمرسي بلاعيم بواسطة رجال الضفادع البشرية لحرمان العدو من مصادر الوقود والحفاظ علي مواردنا الطبيعية من العدوان عليها. وأثناء أسر ابن شقيقته محمد طارق محمد حاول الفريق ذكري وقتها معرفة مكان أسره عن طريق البدو. ويقول محمد أن معاملة القوات الإسرائيلية له قد تغيرت بعدما تولي خاله منصب قائد البحرية. وبالرغم من مرور كل هذه الأعوام علي تفجير المدمرة إيلات إلا أن الجانب الإسرائيلي لم يترك آل ذكري فقد قامت زوجته نادية الشاذلي بوضع كل المعلومات والصور عن تاريخ زوجها الراحل ورحلة كفاحه علي الانترنت إلا أن شخصاً من الجانب الإسرائيلي يتعمد إزالة المعلومات حتي إن مهندس الكمبيوتر الخاص بها دخل معه في سجال بأن الفريق ذكري قد توفي وأن هذه المعلومات للتاريخ. ومن ناحية أخري تلاقي السيدة نادية الشاذلي وبناتها الثلاث خير معاملة في الإسكندرية سواء من رئيس القوات البحرية السابق أو الحالي اللواء مهاب ماميش الذي خصص يومًا للاحتفال بالفريق ذكري تكريما لمشواره وانجازاته في البحرية المصرية. كما أن القوات المسلحة كانت دائمة الحرص علي حضور أفراد اسرته تخريج الدفعات التي تحمل اسمه وقد توفي رحمه الله عن عمر يناهز الستين عاما تاركا وراءه تاريخا حافلاً من الكفاح المشرف وتراثا من البطولات المجيدة ونال الراحل رتبة مشير فخري عام 2009 .