الشارع ملك للجميع.. ملك للدولة.. هذا من المفترض أن يكون، لكن هناك شوارع ملك للدولة يتم احتلالها من قبل بعض الأفراد والعائلات بغير وجه حق.. ويقومون بتأجيرها بالأمتار لحسابهم ويمثل ذلك انتهاكًا لحقوق المواطنين ويساهم في قضية الزحام المروري.. يحدث هذا في ميدان العتبة ومنطقة الموسكي، التي يسيطر عليها عائلات جاءت من قري ومحافظات مختلفة من صعيد مصر ليس الآن وإنما منذ عهد الملك فاروق فاشتروا محال في هذه المناطق وعقارات وعلي أثرها شكلوا قوة سيطرة علي الشوارع التي هي ملك للدولة فأجروها إلي الباعة الجائلين وأخذوا إتاوات في صورة إيجار.. كل هذا يحدث تحت سمع وبصر أجهزة الدولة التي تقف مكتوفة الأيدي عن الحد من هذه الظاهرة. «روزاليوسف» التقت بالباعة من هذه العائلات ولعل أشهرها يعود إلي قرية الطوابية والتي أتت إلي القاهرة واشترت العديد من المحلات التجارية وهيمنت علي العديد من الأراضي الفضاء بشارع الموسكي الأول - كما يسمونه - وشارع الموسكي الثاني وميدان العتبة جاءت تلك العائلة منذ عهد الملك فاروق واشترت بعض أملاك اليهود ثم جاءت عائلات أخري منها عائلة المقالدة وعائلة بيت سلامة وعائلة الهواري والتي ترجع أصولها إلي عدة محافظات في قنا وأسيوط والفيوم. أما عن قرية بنجا فأشهر عائلة فيها هي عائلة العسر والتي اشترت أغلب العقارات والمحلات التجارية بحارة اليهود بشارع الموسكي الثاني ثم جاءت عائلات أخري منها عائلة بيت بخيت وبيت عبدالله واشترت العديد من العقارات والأراضي خاصة في شارع عبدالعزيز. يقول رمضان عبدالرحمن وشهرته رمضان وصفوره» من أبناء عائلة الهواري إن عائلته تمتلك أكثر من 80 محلاً تجاريا والعشرات من «الفروشات» بالشارع والتي تدر إليهم دخلا كبيرا وهم غالبا ما يقومون بتأجير تلك «الفروشات» للمغتربين من أبناء قريتهم أو أي أشخاص آخرين ويقول: إن سعر «الفرشة» التي تبلغ مساحتها متر مربع يختلف من مكان إلي آخر وذلك علي حسب مدخل الشارع وموقع الفرشة المتميز وتبلغ قيمة إيجار المتر إلي 1000 جنيه شهريا. ويضيف رمضان: إن رجال شرطة قسم الموسكي لا يستطيعون تحرير محاضر إشغال طريق لهم أو أي محضر آخر حتي لو اعتدوا علي أي زبون وذلك بسبب شهرتهم ولوجود عدد كبير من ضباط الشرطة من قريتهم ولو تم القبض علي أي فرد منهم يتم في الحال إخراجه من قسم الشرطة ويؤكد أن أشهر عائلات الطوابية في العتبة والموسكي هي بيت علام والمقاصرة وبيت سلامة وعائلته الهواري. وعن الباعة من غير أهالي القرية يقول بدوي جمعة 30 سنة حاصل علي بكالوريوس خدمة اجتماعية إنه يعمل بائع ألعاب نارية وبعض الملابس الرخيصة وذلك منذ عام 2004 ويدفع إيجارًا شهريا 900 جنيه لمالك الأرضية كنوع من الإتاوة مقابل البيع ويضيف أنه متزوج ولديه 3 أطفال ولم يوفق في إيجاد فرصة عمل سوي البيع بالشارع وأن تلك الفرشة توفر له الحد الأدني من قوت يومه وذلك بسبب دفع تلك الإتاوة. علي عمران 42 سنة مقيم بالبدرشين يعمل بائعًا للحافظات الجلدية يقول إن قيمة الإيجار أو الإتاوة تزداد 30 جنيها في شهر رمضان وذلك لزيادة حركة البيع والشراء ويؤكد أنه يعمل في هذه المهنة منذ 15 عاما ويدفع إيجارًا 1200 جنيه لزيادة مساحة الفرش بميدان العتبة. ويضيف أن كل ما يكسبه من عمله يدفعه لمالك الأرضية ويطالب الحكومة التدخل وإنصاف الباعة المتجولين بوجه عام وبائعي منطقة العتبة والموسكي وتوفيق أوضاعهم. أما كريم إبراهيم 18 سنة بائع الملابس في شارع الموسكي يقول إن عدد الفتوات الذين يتحصلون علي الإتاوات من الشارع هم قلة ويتحصلون علي هذه الأموال دون وجه حق ويضيف أن عشرات المشاجرات تحدث يوميا بين بائعي قرية بنجا والطوابية ويقومون بالاعتداء اليومي علي المارة بالشارع ومحاولة إجبارهم علي الشراء وافتعال المشاكل مع الزبائن. «روزاليوسف» رصدت بعض حالات الاعتداء علي المارة والزبائن إذ تقول آمال علي 40 سنة إنه تم الاعتداء عليها بالسب والقذف من قبل بعض البائعين للخلاف علي سعر بنطلون وتم حل المشكلة وديا وأحمد إبراهيم من شبرا قام بالتشاجر مع أحد الباعة بسبب عدم شرائه تي شيرت وتم ضربه دون وجه حق. هذا إضافة إلي عدد آخر من الحالات التي رصدت أن الباعة الجائلين هناك يمارسون أعمال البلطجة يومياً في عمليات البيع والشراء وكثير منهم مسجل شقي خطر وأن غالبية الزبائن تتعرض للإهانة والسب والقذف من الباعة لأبسط الأسباب. ويؤكد علي أحمد علي حاصل علي دبلوم تجارة من قرية بنجا بسوهاج أنه يعمل بائع ملابس منذ 7 سنوات بالعتبة ويقوم بدفع 1500 جنيه شهريا قيمة إيجار فرشة بسيطة مساحتها واحد متر مربع وأن أغلب أرباحه تذهب في دفع الإتاوة. أما عن أشهر الأباطرة المسيطرين علي العتبة والموسكي نجد أن «م.ث» من عائلة الطوابية هو الذي يستحوذ علي أكثر من 15 فرشة بمساحة 15 مترًا بالشارع يفرض إتاوة علي من يبيع بتلك المساحات ويتحصل شهرياً علي أكثر من 15 ألف جنيه يرتفع المبلغ في شهر رمضان إلي 20 ألفًا وذلك بدون وجه حق فقط يجمعها باعتباره من كبار الفتوات وعائلات الطوابية أضف إلي ذلك أن لديه حائطًا مساحته 5 أمتار يقوم بتأجيره بحوالي 6 آلاف جنيه وذلك في شارع الموسكي ليصل إجمالي دخله من الإتاوة 24 ألف جنيه شهرياً. يأتي أيضا «خ.ف» أحد أشهر فتوات الطوابية والذي يستحوذ علي 17 مترًا بأماكن متفرقة بميدان العتبة وشارع الموسكي ويتحصل شهرياً علي 28 ألف جنيه من فرض الإتاوات علي البائعين الغرباء عن قريته والتي يأخذها في صورة إيجار شهري لهذه الأرضيات وقام برفع سعر إيجار المتر في شهر رمضان ليصل إلي 1700 جنيه وتقول الشواهد أن كل تلك التجاوزات تتم تحت سمع وبصر رجال الشرطة. وفي تعليق مدير الإدارة العامة لمرافق القاهرة عن أسباب وحل هذه المشكلة يقول اللواء أسامة بدير إن هذه المشكلة قديمة ومعقدة حيث ورث الأبناء تلك المساحات منذ أن كان آباؤهم وأجدادهم يعملون بها وأنها تمثل الدخل الرئيسي لهم ولا يمكن أن يتركوا الشارع، وأنه يوجد بشكل عام 5 ملايين بائع متجول في مصر قوتهم الوحيد الشارع ولا يمكن الاكتفاء بالحل الأمني ونزول قوات الشرطة لإزالة هؤلاء البائعين رغم أنه قام بتخصيص لواء شرطة و5 ضباط وعدد كبير من أفراد الشرطة لتأمين المنطقة وتسييرها في العتبة والموسكي وأنهم يقومون باستمرار بإجلائهم ومنعهم من البيع في الطرقات إلا أنهم يعودون في اليوم التالي فمن غير المعقول أن يتواجد رجال المرافق 24 ساعة في اليوم كما يأمل ألا تتدخل الشرطة في شتي مناحي الحياة كما كانت أيام الوزير الأسبق حبيب العادلي لتجنب الاحتكاك بالجماهير. ويؤكد اللواء بدير أن الحل الوحيد للمشكلة ليس فقط في يد شرطة المرافق وإنما يمكن في صندوق دعم الشباب وتوفيق أوضاع الباعة الجائلين وكذلك قيام محافظة القاهرة بدعمهم بأكشاك صغيرة وكذلك الشئون الاجتماعية عليها أن تعود إلي دورها في دعم هؤلاء. ويؤكد ضباط قسم شرطة الموسكي: - نحتفظ بأسمائهم - إن محاضر وشكاوي عديدة ترد إلي القسم من المارة والباعة الجائلين ومن عائلة الطوابية وبنجا ولكن أصبح التعامل معهم علي أنهم كيان موجود لا يمكن بأي حال طردهم من المنطقة وخاصة أن التعامل الأمني اختلف بعد الثورة. وأضاف الضباط أن بائعي الطوابية وبنجا قاموا بحماية قسم الموسكي في جمعة الغضب ويرجع في الحقيقة إلي الخوف علي مصالحهم الخاصة فلديهم عشرات المحلات والمفروشات التي تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات فمصلحتهم في تواجد الشرطة. ويؤكد الضباط أن مهامهم الأمنية أصبحت متعثرة في التعامل مع الجمهور بوجه عام وهؤلاء البائعين بوجه خاص عقب الثورة.