هذه البدعة الثورية السائدة بعد انهيار النظام السابق، دون تغييره! البدعة الثورية تتلخص في كلمة أو وصف (الفلول) انقسم المجتمع إلي فلول، وثوار، وبلطجية، وسلفيين، وجماعات جهادية وإخوان، والأغلبية الصامتة وغيرهم! واختصت المجموعة الأولي المعروفة (بالفلول) باهتمام شديد من مبدعي ثورة 25 يناير، حيث كل المصائب التي تصيب المجتمع، فالاتهام جاهز تماماً لكي يوجه إلي (فلول) النظام السابق، وأصبح كل من كان في مكان قريب من المؤسسة السياسية الحاكمة في النظام السابق هو (فِلَّهْ) وكل من كان علي رأس مؤسسة أو هيئة أو نقابة، أو حتي علي باب المسرح القومي فهو (فِلَّهْ)، وانضم إلي هؤلاء أيضاً بعض من أدلي بخوفه أو تخوفه من القادم المجهول أثناء تدافع الأحداث في ميدان التحرير وميادين مصر، حتي يوم 11 فبراير حينما (هوت) الركيزة الأولي للنظام، بتخلي الرئيس السابق عن منصبه علي لسان نائبه (المؤقت) "عمر سليمان ". حينما قَسَّمَ المجتمع فئاته إلي ما سبق الإشارة إليه واختصوا (الفلول) بكل صفات الخيانة الوطنية، حتي إن الكشوف التي تم وضعها في قائمة الفنانين بأنهم مرفوضون حينما تعاملوا مع النظام السابق، كأن غنوا للرئيس السابق أو حضروا حفلات في رئاسة الجمهورية أو تصادق أحدهم أو إحداهن مع أحد من رموز النظام السابق. وهذا يذكرنا جميعاً بما حدث بعد ثورة يوليو 1952 والنقيب "الكيلاني" المسئول عن الضباط الأحرار عن دار الإذاعة المصرية، حيث منع بث أغاني السيدة "أم كلثوم" باعتبارها مطربة العهد البائد ، وحينما نقل "مصطفي أمين" هذا الخبر إلي الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" بمجلس قيادة الثورة رفع سماعة التليفون متحدثاً إلي اليوزباشي "الكيلاني" بالإذاعة سائلاً هل فعلاً منع بث أغاني "أم كلثوم" فأجاب بنعم، حيث غنت للملك وللنظام السابق فقال له "عبد الناصر" من فضلك جهز كتيبة من الجيش واذهبوا إلي أهرام الجيزة وانسفوها لأنها من العهود البائدة، ووصلت الرسالة وعادت "أم كلثوم" إلي الأثير المصري والعربي وعادت لكي تبدع وتقود حركة الفن، وتعبر عن مسيرة شعب في ثورة قامت من أجل الكرامة والعدالة والحرية والديمقراطية، والأخيرة لم تتحقق حتي اليوم! والديمقراطية هي أحد أهم أهداف (ثورة 25 يناير) وكان لعبد الوهاب أغنية (الفن) تغني فيها واصفاً "الملك فاروق" برضوان حارس جنة الفن، وكل هؤلاء الفنانين العظام كانوا هم شعلة الوطنية المصرية بعد (ثورة يوليو 1952). هذه التجارب في حياة المصريين لم نتعظ منها، بل للأسف الشديد تتكرر الأخطاء وبصورة من السوء المقصود، وسوء النية الواضح، وتصفية الحسابات البينية، ونتشدق ونتهم بعضنا البعض علي شاشات التليفزيون، وفي برامج الحوارات التي اتصفت بالخروج في بعض الأحيان عن الأدب واللياقة بل الوطنية أيضاً. كل هذا العبث في المجتمع يدل علي أننا عشنا عصراً من الغيبوبة السياسية، عصر، من الغباء الإداري السياسي في مصر، مما وصم المجتمع بالتسيب - ودعا للانقسام والفوضي، الجميع متسيبون، ولا يمكن أن يعقل أحد بأن يظل المجتمع بهذا الانقسام، ونأمل في مستقبل أفضل مما كنا نعيشه في الماضي، ولعل التأكيد علي كلمة "الفلول" أمام بعض الجرائم، فهي لا شك دليل علي غياب الأمن وعلي غياب الضمير لدي غالبية في الشارع المصري، ولكن الدافع لثمن هذا العبث هم أغلبية شعب مصر، الثمانون مليون مصري، القابعون في بيوتهم إما علي الكنبة أو في البلكونة أو هؤلاء الذين سموا بحزب الصامتين! فلنترك الأوصاف والتوصيفات جانباً وننظر إلي المستقبل المهدِد ْبعشرات من المؤمرات القادمة لنا من الجوار سواء (الشرقي أو الغربي) والأكثر من ذلك هذا التشفي الدامغ من بعض الأصدقاء عفي الله مصر!