أصبحت الحجة جاهزة لتبرير وقوع أي حادث ينجم عن الانفلات الأمني والضعف الحكومي. فمع كل حادث ومع كل مشكلة ومع كل تجمهر أو إضراب أو اعتداء فإن الاتهام يوجه علي الفور إلي الثورة المضادة التي يمثلها فلول النظام..! وهو اتهام مبالغ فيه لأن النظام لو كان بهذه القوة. ولو كانت له كل هذه الفلول لما كان قد سقط وانتهي أمره كما حدث في ساعات قليلة بعد جمعة الغضب في 25 يناير الماضي التي تحولت إلي ثورة بفضل موقعة الجمل التي كانت تمثل البداية والنهاية للنظام وفلوله..! ولا يوجد شخص قريب للنظام السابق أو مستفيد منه يملك الجرأة الآن لتحريك الفلول والتضحية بنفسه من أجل نظام ذهب ولن يعود ولم يعد له وجود..! ولا يمكن أن ننسب للفلول علي سبيل المثال ما حدث في الفتنة الطائفية التي اندلعت في إمبابة للتغطية علي فتنة قائمة وموجودة وقد يتكرر اندلاعها في أماكن أخري بصورة أخطر وأعنف في ظل كل هذه المؤثرات والتيارات الدينية المتطرفة من جانبي الأزمة والتي أدت وتؤدي إلي تأجيج مشاعر البسطاء ودفعهم إلي العنف بدعوي أنهم يدافعون وينصرون الدين..! وبعيدا عن الفتنة الطائفية فإن الفلول لا يمكن أن ينسب إليهم هذه الحالة المروعة من الفوضي في المجتمع التي تدفع في اتجاه مستقبل مليء بكل الاحتمالات المخيفة إذا لم نستطع إعادة القانون والنظام إلي الشارع. ففي كل الطرق السريعة والصحراوية انطلقت عشرات من سيارات النقل المحملة بمخلفات مواد البناء في حرية وأمان تلقي بهذه المخلفات في كل مكان حتي تحولت هذه الطرق إلي مخازن مفتوحة للنفايات والأنقاض بشكل بالغ البشاعة ويوحي ويعكس حالة من الاستهتار واللا مبالاة وانتهاز الفرص. وفي كل أحياء مصر الراقية منها والشعبية لم يعد هناك ركن فيها يخلو من بائعي الخضر والفاكهة وكافة أنواع المنتجات الذين افترشوا كل مكان حتي تحولت القاهرة إلي ساحة مفتوحة للبيع والشراء وبحيث لم يعد هناك معالم لمدينة حضارية فيها قانون أو نظام أو قواعد. وفي كل أحياء القاهرة الشعبية فإن المقاهي والمطاعم احتلت كل الأرصفة دون أي تدخل أو معارضة من الأحياء التي استسلمت لما تراه وكأنه يحدث في بلد آخر. أو لأنها بالفعل غير قادرة علي اتخاذ أي إجراء لعدم وجود حماية أمنية أو مساعدة من شرطة المرافق الغائبة تماما.. وفي كل أحياء القاهرة انتشر بلطجية ولصوص يقومون في وضح النهار باختطاف حقائب النساء وإيقاف الطلاب للاستيلاء علي أموالهم وهواتفهم النقالة مستخدمين الأسلحة البيضاء والأسلحة النارية أيضا غير مبالين بأحد وغير خائفين من أي ملاحقة أمنية. ولا يمكن أن نغفل بالطبع هذا الغزو الشيطاني للميكروباصات والتوك توك حيث تحولوا إلي إمبراطورية حقيقية تمارس وتفرض قانونها الخاص وتستمتع باستعراض عضلاتها علي الدولة ورجال الشرطة والمواطنين وتتحدي من يجرؤ علي الاقتراب منها أو تحديد حدودها..! وحدث ولا حرج عن الطرق السريعة وما يفعله سائقو سيارات النقل والمقطورات عليها حيث يدخلون في سباقات جنونية وهم يحملون أطنان الزلط والرمال ليدخلوا الرعب والهلع في قلوب كل السائقين وليتسببوا في الكثير من الحوادث المرورية القاتلة التي أصبحت لا تعد ولا تحصي هذه الأيام.. والحديث يطول عن حالة الجمود في سوق العمل. وعن الانفلات الأخلاقي في المعايير والقواعد الذي نشهده في كل المصالح والهيئات حيث هناك فهم خاطيء للثورة. جعل البعض يعتقد أنها ثورة للشباب فقط وأن علي من دون سن الشباب أن يتخلوا عن مواقعهم وأن يعودوا إلي بيوتهم في صورة فيها من التحدي والاستفزاز ما يهدم كل الأسس والتقاليد ويفتح الباب أمام صراع مجتمعي مدمر. إن فلول النظام موجودة وجاهزة للمشاركة في أي عمل أو محاولة لضرب الثورة ودفع الناس إلي الترحم علي النظام السابق. ولكنها وحدها لن يكون في مقدورها أن تفعل شيئا إذا ما كان هناك نظام والتزام بالقانون وحرص عليه وتنفيذ له. ولن يكون باستطاعتها إثارة المشاكل والفتن إذا ما كان الشعب واعيا لذلك وحريصا علي الثورة وحاميا لمكتسباتها ومصمما علي الابقاء عليها وتحويلها إلي طاقة وإنتاج. إنني واحد من الذين لا يؤمنون بكل الحوارات السفسطائية الدائرة حاليا والتي تتحدث عن قضايا المستقبل بينما الحاضر يئن ويصرخ. والشارع في حال خوف وهلع. ومصر كلها لا تعرف ما الذي يجري وما الذي يدور وما الذي يمكن أن يحدث. إننا أمام قضية واحدة لا علاقة لها بالفلول أو بالبغال والجمال. وهي قضية إعادة الانضباط للشاع. فلا أمن ولا أمان ولا مستقبل إذا لم نشعر بالاستقرار وإذا لم نعد نبحث عن أي سلاح في وقت أصبحت فيه تجارة السلاح هي السائدة وهي الأوسع انتشارا..!! ** ملحوظة أخيرة: مع كل احترامنا لضباط الشرطة.. ولوزارة الداخلية فأنا لا أتفهم ولا أقبل بحكاية وجود ائتلاف لضباط الشرطة داخل الوزارة. سيتم التعامل مع هذا الائتلاف علي أنه نقابة أم جهة وصاية علي الوزارة أم جهة رقابة أم وزارة داخل الوزارة..!! مجرد تساؤل..؟!!