دقت ساعة القرار خصوصًا بعد أن تم فض الاعتصام وتقديم الرئيس المخلوع للمحاكمة علي مسمع ومرأي العالم كله وهذه الخطوة أكثر تقدمًا علي طريق معرفة الحقيقة فيما حدث من قتل للثوار ونهب الأموال. ليس من الحكمة أن تترك الحكومة منسوب القلق والتوتر والخوف عند الناس بسبب عدم الاستقرار الأمني وارتفاع الأسعار بشكل لا يستطيع أن يتحمله حتي القادرون فإنه من الصعب تجاهل كل هذه المشاكل في هذا الوقت خصوصًا أن هذا أول رمضان يأتي بعد قيام ثورة 25 يناير والمنتظر في هذه الحال أن تستغل الحالة الثورية التي يعيشها المجتمع في حصار كل المحتكرين وفضحهم وكشفهم أمام الرأي العام خصوصًا أن أسعار السلع قد وصلت إلي حدود لا يمكن تحملها سواء للفقير أو للغني. وبمقارنة بسيطة بين أسعار السلع في مصر وأسعارها في بقية دول العالم نجد أن الأسعار في هذه الدول أرخص من مصر رغم الاختلاف الجذري بين الأجور هنا وهناك فلماذا لا يقدم وزير التضامن الاجتماعي «تقرير كامل الأوصاف».. تقريرًا يكشف المزيد من الأدلة والقرائن عما وصلت إليه الأسعار ومن يقف وراء ارتفاعها من المحتكرين الذين لم تقترب منهم جهات التحقيق إلي الآن رغم الاستغلال والاحتكار. والآن يصعب الاستمرار فيما يحدث من قفز للأسعار لأنها بهذا الشكل تهدد السلام الاجتماعي لذلك لابد من اتخاذ قرار يجعل الوصول إلي السعر الحقيقي ممكنًا وذلك بتغليظ العقوبات ضد من يستغلون معاناة الناس لابد من قرار يسحب البساط من تحت أقدام المحتكرين ليس من المعقول أن تكون أسعار السلع في أوروبا أرخص من مثيلاتها في القاهرة. قد يكون الصبر مفتاح الفرج في موضوع الأسعار التي تكوي الناس لكن لن يكون هناك صبر في موضوع القصاص لشهداء (الثورة) والمزيد من تطهير وزارة الداخلية من أصدقاء العادلي وأبنائه والمتورطين في قتل المتظاهرين. إن الصبر بدأ ينفد من أشياء كبيرة لا يتحملها بشر ولكن حلها بسيط وهو توفير جو الاستقرار حتي ينعم البلد بمزيد من الاستثمارات وهذا لا يأتي إلا بالاستقرار وأن يعمل أصحاب المال والمشاريع وفق التوقيت السياسي الذي تعيش مصر فيه الآن وليس وفق توقيت أعمالهم ومشاريعهم فالمناخ الآن يقتضي العمل وفق الأجواء التي نعيشها وهذه الأجواء ستتحسن يومًا بعد يوم لتستوعب تشغيل العاطلين وتحويلهم إلي قوة عمل بعد أن تركهم المخلوع ووزراؤه ووزاراته إلي ما شاء الله. إن الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء جاء من التحرير وأصبحت له الآن الكلمة المسموعة لماذا لا يقوم بدور لم الشمل لكافة القوي السياسية حول برنامج عمل محدد النقاط يتم تنفيذه بتوقيتات محددة ويساهم الجميع فيه سواء الأحزاب أو الائتلافات الثورية أو الجماعات السياسية «الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية». هل يدرك رئيس الحكومة ووزراء خدماته أنه لا شيء يسير في البلد وفق ما يجب وأهمية مصر أنها بلد سياحي وقبلة سائحي العالم. وهل وصل إلي مسامعه الوضع الذي وصل له المواطن المصري فبعض الطرق لا يمكن السير عليها وأحيانًا يتم قطع المياه والكهرباء بخلاف الانفلات الأمني في بعض المناطق، إن العمل الحقيقي للحكومة هو تسهيل أمور الناس وتسييرها. إن المظهر الحضاري والراقي الذي ظهرت به مليونية الإخوان مع السلفيين جاء مخالفًا لكل التوقعات التي روجت وتوقعت حدوث مشاكل واشتباكات وشلل في البلد ولكن لم يحدث شيء من ذلك ولكن الجميع ظهر بالمظهر اللائق والراقي رغم ما قامت به بعض الجماعات السلفية من رفع علم السعودية وهو ما رفضته جميع التيارات السياسية والإسلامية وهذه الحالة التي أوجدتها مظاهرة الإخوان والسلفيين أن مصر تتمتع بالتنوع السياسي فضلاً عن مناخ الحرية الذي أنجزته ثورة يناير في ظل حماية وتأييد المجلس الأعلي للقوات المسلحة. هذه الصورة الحضارية التي نقلت إلي جميع أنحاء العالم لابد أن يدرك الجميع بعدها أن مصر المستقبل هي مصر التسامح والحوار والرأي الآخر وهذا ما يرسخ أن الثقافة المصرية الأصيلة هي ثقافة قبول الآخر لذلك لابد أن تعلق القوي الإسلامية استخدام الشعارات الدينية ومنابر المساجد في التنافس السياسي والحزبي فالخطاب السياسي لابد أن يتطور طبقا لما نعيش فيه فالجماعات الإسلامية والإخوان أصبحت غير محظورة فلكل مقام مقال وأن تتخطي هذه الجماعات ما كان يحدث بالأمس من (اضطهاد) وتتبع وتغذيب لهذه الجماعات عندما كانت محظورة ولكن الوضع الآن تغير واصبحت معترفا بها من مختلف القوي السياسية فضلا عن تواجدها الكبير في الشارع السياسي كذلك فعليها أن تتخطي فترة المراهقة السياسية والتخلي عن استخدام الشعارات الدينية وأن تطرح برامج لحل المشاكل التي يعاني منها المجتمع. لقد حققت ثورة 25 يناير ما كان صعبًا تحقيقه وهو استعادة الروح الوطنية والاعتدال والوسطية لذلك علي الجماعات الدينية والإخوان المسلمين والسلفيين المناداة بالتآلف لجميع القوي السياسية خصوصا فيما يهم المصالح القومية والكف عن التلويح بأشياء تضر الأجواء الاقتصادية والعلاقات الدولية. إن ما سجله الثوار في 25 يناير لا يمكن أن ينتهي أو يتصدع، تذهب قيادات وتأتي قيادات ولكن يبقي دائمًا ما حدث في 25 يناير إرادة شعبية تحالفت وتوافقت علي القيام بالثورة وهذه الثورة نجحت بمساندة وحماية القوات المسلحة التي لا تستطيع أن تقف ضد ارادة الشعب لأن الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش. لقد حدثت أخطاء بسيطة ولا أحد ينكر ذلك لكن في الثورات الشعبية هناك دائما مراجعة واعادة التقييم وهذا التقييم تفرضه الارادة الشعبية وإجماع الناس. الخطيئة الكبري هو ما يعتقده بعض الناس أن ثورة 25 يناير كل مزاياها يختزل في تنحي مبارك عن الحكم لكن الحقيقة أنه لولا ثورة 25 يناير لما استطاعت قوي سياسية كثيرة الصعود إلي السطح واستعراض قوتها. إن من يتحدث عن أن ثورة 25 يناير قد تقلصت كأنه يقول إن ملايين المصريين لم يعودوا موجودين علما بأن الحقيقة غير ذلك علي الإطلاق فالنضال يتخذ أشكالاً مختلفة طبقًا لتبدل الظروف لكنه يبقي ولا ينتهي.