تعد كتاتيب الأشجار من أهم المظاهر المعروفة بين التشاديين لحبهم الشديد لتعليم أبنائهم ذكور وإناث قراءة وحفظ القرآن الكريم، وتتزايد تلك الكتاتيب من فترة لأخرى حيث يأتى المشايخ من مختلف الأماكن فى تشاد فيجعلون لأنفسهم مقرأة أو خلوة قرآنية «كما يطلقون على الكبير منها». ويقول أحد التشاديين المهتمين بنشاط الكتاتيب بوزارة الخارجية التشادية يدعى محمود حسين إن هناك ألف محفظة قرآن فى تشاد تقريبا تعلم السيدات من كبار السن، لكن لايوجد إحصاء للمشايخ الذين يقومون بالتحفيظ.. أما الصغار فينتشرون فى الكتاتيب المنتشرة بجوار الأشجار وجدران المساجد». والشيخ الذى يقوم بتعليم القرآن غالبا لا يكون من نفس البلد، وأعلى لقب فى تحفيظ القرآن فى تشاد بحسب ما قاله بعض مشايخ الكتاتيب، حيث يرفض الكثير منهم ذكر اسمه هو «الجونى أو الغونى» ويأتى له الغلمان من مسافات بعيدة فيبيتون معه ويصيحون معه ويعيشون معه ويطلق على هؤلاء المهاجرين لحفظ القرآن. ويصل عدد الذين يحفظون لدى الشيخ فى كتاتيب الأشجار عشرين طفلا أغلبهم يطلق عليهم مهاجرون لكونهم يهاجرون من أماكن بعيدة فى تشاد لشيوخ فى ولايات أخرى لحفظ القرآن، فيصبح هناك أطفال يحفظون فى الكتاب من أماكن بعيدة ترسلهم عائلتهم للشيخ بلا مال فيقومون بعد درسهم الصباحى بالسعى فى الطرقات بصحن صغير بين الناس لأخذ إفطارهم كصدقة، وهكذا بعد حلقة العصر. ويعد من أشهر دعائهم لأخذ الصدقة قولهم «ربنا يعطيك، ربنا يجعل لك الجنة» إلا أن لهم أناشيد أخرى لأخذ الصدقات حيث يقول الدكتور بكر العشرى المتخصص فى الشئون التشادية الاجتماعية: إن لهؤلاء الأطفال أراجيز بالدعاء والاستجداء منها: أما متى أمامة الحيران.. أمامة الحيران.. جارة الفقرة جارة الرحمن.. الله ينطيكى «أى يعطيكى» ليكى ولدين.. واحد اسمه عبد الرحيم، وواحد اسمه عبد الرحمن.. عبدالرحيم يسعى ليكى بالمال.. وعبدالرحمن يقرأ ليكى القرآن» وهذا دعاء يخاطب به الطفل المرأة التى يقابلها ليأخذ منها الصدقة. ويضيف إن الناس توقر الأطفال المهاجرين لحفظة القرآن ويعتقدون أن لهم كرامات بحفظ القرآن والهجرة إليه من ذلك اعتقادهم أن ماء غسيل أيدى هؤلاء الصبية يشرب للاستشفاء، أو لحمل المرأة التى لا تنجب. وسائل التحفيظ ولتحفيظ القرآن فى الكتاتيب المنتشرة بتشاد وسيلة حيث يتم تحفيظ القرآن على ألواح من خشب، وفى ذلك يقول الشيخ جونى موسى «صاحب أحد الكتاتيب ولديه خلوة قرآنية» أن كل طالب يكتب على اللوح ما يحفظه وبعد الحفظ يجمع الأطفال الألواح فى ماء لغسلها ثم يوضع ماء الغسيل فى حوض يسمى «نصف زير» اعتقادا ببركة هذا الماء وعدم هدره فى الأرض ثم يسقى به الشجر». وأشار الشيخ موسى، الذى يطلق عليه معلم اللوان الهاشمى لنسبه للأشراف الهاشمية إلى أنه يعمل فى تحفيظ القرآن فى تشاد منذ عام 1959، وأن عدد من ختم القرآن عنده 1200 طفل وطفلة، بينما حفظ القرآن كاملا منهم 400 طفل أتوا من تشاد والكاميرون ونيجيريا. وأضاف إن العمل بكتاتيب الأشجار، والخلوات القرآنية وهى الاماكن الواسعة التى يتم التحفيظ فيها تعمل يوميا وتأخذ إجازة من بعد عصر الأربعاء حتى عصر الجمعة. وعن عدد مشايخ الكتاتيب فى تشاد وكيفية اكتسابهم الرزق يوضح الجونى موسى أن المشايخ كثيرون، ولا يوجد حصر لهم لكن يوجد ألف محفظة من النساء معروفات لتعليم النساء من كبار السن. ويستطرد قائلا: «إن شيخ الكتاب ليس لديه عمل سوى التحفيظ وعادة يتكسب قوت يومه من الزكاة التى يدفعها التشاديون لمشايخ الكتاتيب حيث تعد تلك الزكاة فى سبيل الله، كما أن الأبناء الذين يحفظون فى الكتاب لاسيما من المهاجرين الآتين من أماكن بعيدة أغلبهم يعمل فى الزراعة ويأتون بشوال من صاحب أرض الزراعة يعطيه إياهم لشيخهم فى سبيل الله». وعن قضية تسول أطفال الكتاتيب بعد انتهاء درس تحفيظ القرآن قال: «هناك شيوخ كتاتيب لا يهتمون بمهنة الولد فى كسب الرزق حتى وإن كان من التسول، لكن هناك مشايخ يعتبرون هؤلاء الأبناء أبناءهم ويوجهونهم للأعمال العادية لاكتساب رزقهم». تاريخ الكتاتيب وحول تاريخ تلك الكتاتيب يقول الدكتور بكر العشرى المتخصص فى الحياة التشادية والتأصيل التاريخى لها، وصاحب بحث الكتاتيب الغراء فى أفريقيا المتاخمة جنوب الصحراء: «إن الإسلام دخل لتشاد فى وقت مبكر ولم تكن تشاد تسمى بهذا الاسم فعلى أرضها ممالك إسلامية قامت بعد أن دخل الإسلام فى القرن الأول الهجرى، فظهرت مملكة كانم الإسلامية، وكانت امبراطورية ضخمة، حيث كانت رابع دولة على مستوى العالم وكانت تلك الامبراطورية تتبع الخليفة العباسى فى مصر، فكانت هناك مراسلات بين مصر ومملكة كانم، وكان يوصف ملكها بظهير الإمامة. وأضاف أن الإسلام عندما غرس فى تشاد أثمر كتاتيب لتعليم أبنائه، فانتشرت الكتاتيب فى تشاد منذ وقت طويل وحرص التشاديون على الحفظ فى تلك الكتاتيب، وحافظوا على قراءة الإمام ورش حيث انتقلت لهم من مصر لكونها مقر الخلافة العباسية، فالإمام ورش كان مصريًا وهو ما أثبته فى التأثير الثقافى فى العلاقات المصرية - التشادية. وأوضح أن الكتاتيب ليست لها جهة تنظيمية فى تشاد ولكن هناك شيخًا للقراء يسمى «جبريل بركة» ولقد تعلم فى الأزهر، إلا أن الكتاتيب منتشرة ولا حصر لها ونجدها تحت الأشجار وبجوار الجدران وتحت السقائف، ونتيجة لمستوى المعيشة فمعظم المواطنين فقراء ولايجدون سوى كتاتيب الطرقات وتحت الأشجار لحفظ القرآن، حيث إنهم محبون للدين لدرجة ان الفتاة لا تتزوج إلا ممن يحفظ القرآن وإلا أخذ الكثيرون يعيرونها إذا تزوجت من شخص لا يحفظ القرآن. وحول اختيار التشاديين الأشجار للحفظ تحتها يقول الدكتور بكر: «ليس عيبا فى تشاد الحفظ تحت تلك الاشجار بل إن الأشجار هى مهمة للتشاديين لأبعد حد لأن تشاد دولة صحراوية ودرجة الحرارة بها شديدة والمنازل لابد أن تكون واسعة لكن المستوى المادى للشعب يحول دون ذلك فيلجأون للشجر للجلوس أسفلها وحفظ القرآن تحتها وكأنك تجلس فى تكييف. وعن تعداد الكتاتيب وعدد من يحفظون بها لفت الدكتور بكر إلى انه لا يوجد حصر لتلك الكتاتيب لكنها تكبر وتصغر على حسب اهتمام كل قبيلة بتعليم القرآن الكريم، وبصفة عامة الشعب التشادىوجنوب الصحراء يهتمون بتعلم القرآن. وأضاف أن هناك نظاما مهما بجانب الكتاتيب وهى الخلوات وأشهرها خلوة «الشيخ تيجانى» فى مكان يسمى كوندل وخلوته خارج أنجمينا وبالخلوة غرف لتعليم بعض الصناعات، إلى جانب تحفيظ القرآن وكثير من القبائل يرسلون أبناءهم الذين انحرفوا عن الدين لتلك الخلوات فيكبله أهله بالأغلال إلى هناك ويظل مكبلا ربما شهور حتى ينام ويستيقظ على تحفيظ القرآن ويصلى ويظل حتى يخرج من تلك الخلوة حافظا للقرآن مؤديا للصلوات، وتاركا لكل المخالفات فيقبل تلك الأغلال التى جعلته يعرف طريق الهدى. وحول انتقاد الكثيرين لهذه الطريقة يقول الدكتور بكر إن التشاديين يلجأون لهذه الخلوات القرآنية لتربية أبنائهم بدلا من أن يزج به فى السجن فيزداد انحرافه عند خروجه. ولفت إلى أن القراءات فى تشاد مفعلة بين حفظة القرآن فى الكتاتيب ولكن تنتشر بينهم قراءتى ورش وحفص، مؤكدا ضرورة دعم تلك الكتاتيب، ودعم اللغة العربية فى مواجهة الفرنسية.