ما أحوجنا فى أيامنا الحالية إلى الانتقال بالعبادة فى سُلم الوصول إلى الله إلى درجة التغيير على مستوى النفس وعلى مستوى الأخلاق. لأن الصلاة التى لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لا تُسلم صاحبها إلى رضوان الله. والصيام بلا تقوى هو جوعٌ وعطشٌ فقط!! ولقد لخص القرآن الكريم آلية الإصلاح فى جملة واحدة لمن أراد التغيير نحو الإصلاح، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) {الرعد:11}. فزيادة مظاهر التدين والعبادة فى شهر رمضان وقبله وبعده لم تعد تجعلنى أشعر بالتفاؤل نحو التغيير على مستوى القيم والأخلاق!! لأننا كمسلمين استطعنا بجدارة - إلا من رحم الله - عمل قشرة من التدين نسكن أنفسنا بها وقت اللزوم، أو نظهر بها أمام الناس بينما أخلاقنا لا ترضى الله ولا رسوله ولا المؤمنين. ساءتنى مقالة للداعية الأمريكى حمزة يوسف قريبًا قال: (مظاهر الإسلام فى الشارع وعلى الشاشة وفى واقع المسلمين اليوم ليست هى صورة الإسلام فى ذهنى التى أسلمت لله بسببها من 35 عامًا!! ولو عرضت علىّ قبل إسلامى ما أسلمت فالحمد لله أن عرفت الإسلام قبل معرفتى بالمسلمين) لقد ازدادت البرامج الدينية وازداد مشايخها مع تنوعهم! منهم الأزاهرة ومنهم تخصص وعظ - فى الفلل والقصور - وكأن القرآن نزل للأثرياء فقط - والفقراء لا يستحقون المخالطة!! ومنهم وعاظ الجماعات الدينية تخصص جذب الناس بالرقائق وإبكائهم ثم توجيههم لأيديولوجيات سياسية!! ومنهم من يُزوِّر الدين لمن يدفع أكثر!! ومنهم من يدخل فى معارك إعلامية لعمل إثارة ونسبة مشاهدة تنفعه وقت اللزوم! ثم بعد ذلك أصبحنا نُنَظِّر كثيرًا ونبحث كيف نُغيّر واقعنا؟! إن تغيير الواقع يبدأ من تغيير الضمير من ضمير انتفاعى وميكافيلى إلى ضمير يقظ لا يبالى إلا بمراقبة الله رب العالمين لأن الوعظ والدعوة ليس فى كلام المشايخ وفصاحتهم!! بل هو القدوة فى شخص العلماء. والعدل ليس فى الدستور أو القانون إنما فى التزام المواطنين بهما. والتعليم ليس فى مناهج وكتب بل هو مهارات نقل المعرفة عند المدرس ونقل خبرته بإخلاص وتجرد. وبناء مصر بالطبع يحتاج إلى الضمير اليقظ والعمل المنتج والعطاء المستمر. إن صيام رمضان والحج والعمرة وختم القرآن لن يعطى هذه النتيجة حتى نغير ضمائرنا وأنفسنا من الداخل كما قرر القرآن الكريم. قال تعالى: (وجاهدوا فى الله حق جهاده) يعنى إذا كنت مهملًا فاتقن عملك، وإذا كنت انتهازيًا فأصلح نفسك، وإذا كنت لا تحب إلا نفسك فقاومها وأحب معها وطنك وعملك والنَّاس حولك، وإذا كنت حقودًا فتخلص من هذا الداء، وإذا كنت متكبرًا فالزم نفسك بالتواضع. هذه هى رسالة القرآن، وهذا هو منهج الإسلام فى الإصلاح.