اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس زيارته الرسمية إلى البرتغال، والتى امتدت ليومين عقد خلالها سلسلة من اللقاءات والمباحثات المكثفة مع الرئيس البرتغالى وكبار المسئولين البرتغاليين ورجال الأعمال. وشهد برنامج عمل الرئيس فى اليوم الثانى للزيارة نشاطا مكثفا، حيث التقى عددا من كبار رجال الأعمال البرتغاليين فى مجالات مختلفة، لبحث سبل تعزيز الاستثمارات المشتركة، والاستفادة من خبرة البرتغال فى تلك المجالات. وزار الرئيس الأكاديمية العسكرية العليا البرتغالية، حيث ألقى محاضرة بها تتناول الأمن، والتعاون الدولى لمحاربة الإرهاب، ثم زار مبنى البرلمان البرتغالى للقاء رئيس البرلمان ورئيس لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البرتغالى، ورئيس جمعية الصداقة البرلمانية المصرية البرتغالية». وقال الرئيس فى المحاضرة: إن الحديث عن كيفية تحقيق الأمن لشعوبنا ومواجهة الإرهاب الآثم ومحاولاته المتكررة للنيل من جهود التنمية، لا يستقيم دون أن نفكر مليا فى طبيعة البيئة التى يجرى فيها هذا الصراع مع الإرهاب فى عالمنا المعاصر. ولا يخفى على أحد اليوم التحديات الاستراتيجية المتنوعة التى تواجهنا كمجتمع دولي، بعضها اقتصادى يرتبط بعدم عدالة توزيع ثمار نمو الاقتصاد الدولى بين الدول والمجتمعات المتقدمة والنامية، بينما ترتبط التحديات الأخرى بشكل مباشر بالجوانب الأمنية، مثل انتشار النزاعات المسلحة وما توفره من بيئة خصبة لتنامى الإرهاب ونشر الأفكار المتطرفة، وهو التحدى الأخطر فى ضوء تهديده بشكل مباشر لحياة الأبرياء وحقهم فى التمتع بالأمن والأمان، فضلا عن أثاره المدمرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات التى يستهدفها. وفى هذا الإطار، فإننى أود أن أشاطركم قلقى إزاء ما يتسم به النهج الدولى للتعامل مع ظاهرة الإرهاب والتطرف من قصور، لاسيما فى ضوء ما برهنته الاحداث خلال السنوات الماضية من عدم قدرة الجهود الدولية على حماية مجتمعاتنا من شرور الإرهاب، بل إن الآلام والأضرار الناتجة عنه اتسعت لتصل إلى مختلف دول ومناطق العالم دون أن تلتزم حدودا أو تحدها عوائق جغرافية. وأضاف: إن هذا القصور يرجع إلى عدم إيلاء الأهمية الكافية لفهم جذور وطبيعة ظاهرة الإرهاب ومسبباتها. فمع الإدراك الكامل لأهمية الجوانب الأمنية والعسكرية فى الإدارة اليومية للمعركة ضد الإرهاب، ورصد واستباق تخطيط وتحركات العناصر الإرهابية بهدف منعها من توجيه ضرباتها، إلا أن هذا لا يجب أن يُنسينا أننا مطالبون بفهم دوافع الإرهاب والفكرة التى يقوم عليها. وتابع: إن القراءة الدقيقة لتاريخ الجماعات الإرهابية، سواء تلك التى تتخذ من الدين ستارا لها، أو تلك التى ارتكبت فظائع باسم دوافع سياسية أو اجتماعية مختلفة، تؤكد لنا عدم وجود فوارق تذكر فى الأسس التى تنطلق منها هذه الجماعات لتبرير استخدامها للعنف والإرهاب لتحقيق مآربها، فنحن دائما بصدد عملية ذات جوهر فاشى ينطلق فيها المتطرفون من قراءات مغلوطة لمسار التاريخ، تنتج بدورها خطابا يحث على كراهية الآخر، ويدعو لاستخدام العنف والترويع لفرض هذه الرؤية على الجميع، وبنظرة سريعة على التنظيمات الإرهابية النشطة على الساحة الدولية فى الوقت الراهن، فإننا نجد أن ما انطبق على المنظمات الإرهابية التى نشطت فى الدول الغربية وأوروبا فى مراحل سابقة، ينطبق بدوره على المنظمات التى تتخذ من الدين الإسلامى ستارا زائفا لأعمالها. فرغم تنوع أسمائها وتوزيع الأدوار الظاهرى بين أجنحتها، فلا يوجد فارق جوهرى فى الأفكار التى يؤمنون بها، حيث تتخذ من ذات المرجعيات الفكرية المتطرفة منهجا لعملها، وإطارا لنظرتها إلى مجتمعاتها والعالم، وكذا لخطابها ورسائلها الإعلامية القائمة على الإقصاء والعداء ونبذ الآخر وتكفير المجتمع، وهى جميعها مفاهيم مشوهة تتنافى مع روح الدين الإسلامى الحنيف ورسالته الحضارية السمحة التى تنبذ الانعزال والتطرف والعنف، وتدعو إلى التسامح والتعارف وقبول الآخر، بل وترحب بالاختلاف باعتباره رصيدا إنسانيا مهما يسهم فى صقل الخبرات والتوصل إلى المفاهيم الصحيحة التى تتقبلها الطبيعة والفطرة الإنسانية. وأضاف الرئيس: إن الانعكاسات العملية لما تقدم مهمة ولا غنى عنها للمحاربة الفعّالة للتنظيمات الإرهابية، إذ تؤكد على أهمية عدم قصر جهودنا على مواجهة أعراض وتداعيات ظاهرة الإرهاب، وتدفعنا إلى التعامل مع الأسباب التى أدت إلى تبنى البعض لهذا الفكر المشوه، الذى يدفعهم للتحول لعناصر مستعدة للتخريب ولتدمير كل من يخالف معتقداتهم، لذا، فإن المواجهة الفكرية للإرهاب حتمية وضرورية، إذ لن تستطيع المواجهة الأمنية وحدها القضاء على الأفكار والأيدولوجيات المنحرفة. واسمحوا لى فى هذا الإطار أن أتطرق إلى عناصر الرؤية المصرية لكيفية التحرك على مسار التعاون الدولى لمكافحة الإرهاب والتطرف، والجهود التى بذلناها فى مصر حكومة وشعبا فى هذا المجال، خاصة بعدما وجدنا أنفسنا على خط المواجهة مع قوى الإرهاب التى حاولت عرقلة مسيرة تنمية بلادنا خلال السنوات الماضية، فقد حرصت مصر على التصدى لاستخدام العناصر الإرهابية للدعاوى والأسانيد الدينية غير الصحيحة من أجل السيطرة على عقول الشباب واستغلال عدم وعيهم بصحيح الدين، حيث تقوم مؤسسات مصر الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، أحد أقدم وأعرق الجامعات فى العالم ومنارة الإسلام الوسطى المعتدل، باتخاذ خطوات جادة من أجل مواجهة الفكر المتطرف وتطوير الفقه والخطاب الدينيين، بما يتسق وروح ومتطلبات العصر الحديث، ويواجه محاولات الاستقطاب الطائفى والمذهبي. وتابع: من ناحية أخرى حرصت مصر خلال مواجهتها للإرهاب والتطرف على أن يكون ذلك فى إطار سيادة القانون واحترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إيمانا منا بأهمية إعلاء قيم الحريات وترسيخ دولة المؤسسات رغم صعوبة المعركة. وقد تحملت مصر على مدى السنوات الماضية الكثير من التضحيات وبذل شعبها ومؤسساتها قصارى جهدهم فى مواجهة ومكافحة الإرهاب.