يحفل التراث الأدبى والثقافى والفكرى فى تاجيكستان بالكثير من الذخائر النفيسة التى تركها كبار الأدباء والشعراء والمفكرين، ورغم قلة ما يصل إلينا فى العالم العربى من هذا التراث الأدبي، إلا أن بعض المتخصصين فى الأدب الفارسى يعرفون جيدًا ما قدمه شعراء وأدباء تاجيك من تراث أدبى مازال شاهدا على عظمة ومكانة هؤلاء الأدباء. نظمت جامعة خجند الحكومية يومى 28 - 29 أكتوبر 2016، مؤتمرًا دوليًا عن الشاعر كمال الخجندى بمشاركة علماء وباحثين من مختلف الدول بما فيها مصر، وهى من المدن التاريخية القديمة، حيث تقوم المدينة الحالية على أطلال المدينة القديمة التى سيطر عليها الإسكندر الأكبر عام 329 ق. م، وسماها إسكندرية الأقصى وتشير أغلب الآراء إلى أن أصل اسم المدينة مأخوذ من كلمتى «خوره» و«كنته» واللتين تعنيان معًا «مدينة الشمس». وخجند الحالية هى عاصمة ولاية صغد، وتقع على نهر سيحون، وتعد من المدن المهمة فى بلاد ما وراء النهر، وسميت خلال الحقبة السوفيتية من عام 1936 إلى عام 1992 اسم لينين أباد. لم تكن مدينة خجند غريبة عن العالم العربي، فقد جاء ذكر المدينة فى كثير من كتب الجغرافيين والرحالة العرب باسم خجندة، فقال ياقوت الحموى «خُجَنْدَةُ» (بضم أوله، وفتح ثانيه، ونون ثم دال مهملة) وهى بلدة مشهورة بما وراء النهر على شاطئ سيحون، بينها وبين سمرقند عشرة أيام مشرقا، وهى مدينة نزهة ليس بذلك الصّقع أنزه منها ولا أحسن فواكه، وفى وسطها نهر جار، والجبل متصل بها، وقال الاصطخرى فى المسالك والممالك، خجندة متاخمة لفرغانة، كلها دور وبساتين، وليس فى عملها مدينة غير كند، وهى مدينة نزهة فيها فواكه تفضل على فواكه سائر النواحى، وفى أهلها جمال ومروءة، وتنحدر السفن إليها فى نهر الشاش، وهو نهر يعظم من أنهار تجتمع إليه من حدود الترك والإسلام. ولد وعاش فى خجند الكثير من العلماء والأدباء، فينتسب إليها عالم الفلك، أبو محمود الخجندى، وعمر بن محمد بن عمر الخجندي، المعروف بجلال الدين الخجندى «1232 : 1292»، وهو أحد أشهر فقهاء الأحناف، حيث ترك العديد من المؤلفات منها كتاب «شرح الهداية»، والشاعر إبراهيم بن أحمد بن محمد الخجندى «779 ه / 1377 م : 851 ه / 1447 م»، والذى نظم الشعر العربى وله ديوان وشرح على الأربعين النووية. لقد انتشر الإسلام فى آسيا الوسطى خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين، وترسخ الإسلام فى أوساط التاجيك وغالبية الشعوب الأخرى فى المنطقة، ثم أصبح الإسلام أهم مادة فى مجالات اللغة والثقافة والفن التاجيكي، ورغم أن اللغة التاجيكية هى الفارسية فى الأصل، إلا أن التاجيك ينتمون إلى المذهب الحنفى، ما عدا منطقة بدخشان الجبلية حيث ينتمى سكانها الى المذهب الاسماعيلى، وقد سميت اللغة الفارسية تحت تأثير العوامل السياسية والإقليمية إلى: فارسية، ودريّة، وتاجيكية. شهد القرنان التاسع والعاشر نهضة الحضارة التاجيكية، فتطورت اللغة الأدبية الفارسية التاجيكية، وانتشر الأدب التاجيكى فى المناطق النائية، بفضل انتقال الشعراء والرحالة والعلماء والتجار من منطقة إلى أخرى وترويج المخطوطات المصورة. كانت اللغة الفارسية التاجيكية تستخدم الأبجدية العربية ومنذ عام 1928، تغيرت إلى اللاتينية، والتى تغيرت مرة أخرى عام 1940 إلى الأبجدية الروسية، ولا تتميز اللغة التاجيكية عن الفارسية إلا بالتلفظ وبعض المصطلحات الجديدية. والشاعر كمال الجندى هو المتصوف كمال الدين مسعود بن عبد الله الخجندى، الذى ولد فى مدينة خجند عام 712 ه / 1321 م، ونشأ وعاش بها حتى ذهب إلى رحلة الحج، وفى طريق عودته من الأراضى المقدسة توقف فى مدينة تبريز فى شمال غرب ايران وسكنها وعاش بها حتى توفى عام 793 ه / 1400 م، حسب أغلب الروايات، وأقيم له ضريح فى تبريز بالقرب من ضريح كمال الدين بهزاد، أشهر رسام ومصور منمنمات فى تاريخ الإسلام. عاصر كمال الدين الخجندى فى تبريز الشاعر حافظ الشيرازي، الذى تبادل معه الرسائل والأشعار، وقد عاش الخجندى أيام حكم السلطان حسين بن أويس الجلايري، فحظى لديه بالاهتمام والرعاية، وأمر السلطان ببناء خانقاه له. جسور قوية تربط بين العرب والتاجيك، تمتد فى أعماق التاريخ إلى صدر الإسلام، خاصة بعد وصول الفتوحات الإسلامية إلى بلاد ما وراء النهر، حيث كانت تلك البلاد دعمًا وسندًا قويًا للمسلمين، وبوابة مهمة للفتوحات الإسلامية فى وسط وجنوب وشرق آسيا، ولذا فإن ما يربط بين العرب والتاجيك هو تاريخ وميراث حضارى عريق.