القارئ المدقق لبيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي ألقاه اللواء محسن الفنجري مساعد وزير الدفاع وعضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة أمس، يتلقي رسائل كثيرة غير التي نطق بها البيان، إضافة إلي ما بين السطور، فاختيار الفنجري لإلقاء بيان المجلس يبعث رسائل أهمها الرد علي حملة التوقيعات التي انطلقت لتأييد المجلس الرئاسي المدني المقترح من البعض لإدارة البلاد كبديل عن العسكري ويضم 13 اسماً بينهم اللواء الفنجري، فبخروجه يؤكد علي وحدة المجلس العسكري، والرسالة الثانية هي أن اللحظة فارقة والوطن علي مفترق طرق فالفنجري ارتبط ظهوره باللحظات الحاسمة فهو ببيانه القوي وملامحه الصارمة وصوته الجهوري من قرأ علي الشعب البيان الأول للمجلس العسكري حين أعلن أنه في حالة انعقاد دائم، كما أن ظهوره رهان علي فرز الشعب من مع شرعية المجلس ومن مع المطالبين بتنحيته لحساب مجلس مدني؟ فالفنجري ذو شعبية جماهيرية منذ أن قدم التحية العسكرية لأرواح شهداء الثورة. انتقاء الألفاظ في البيان ذاته كان مدروسا بعناية منها استخدام عبارة القوات المسلحة وليس المجلس العسكري في إشارة إلي أن المجلس معبر عن مؤسسة تستهدف حماية الوطن، كما حملت إشارات اليد والوجه المتجهم مؤثرات معنوية تستهدف التأثير علي المشاهدين وإظهار الحسم وأن طاقة الاحتمال في طريقها للنفاد، كما توحي بأن الوطن في خطر. كل تلك الرسائل غير المنطوقة والمدروسة بعناية، كانت لا تقل أهمية عما نطق به، فالإعلان عن اعتزام الجنرالات بدأ حوار بين القوي السياسية لوضع مبادئ "حكيمة" لاختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور يحمل رسائل تطمين للمتخوفين من وصول فصائل تيار الإسلام السياسي المنظم للبرلمان بأغلبية ومن ثم تحكمهم في وضع الدستور من خلال اختيار لجنة من أنصارهم ومؤيديهم فكريا، وهذا أحد الأسباب المهمة التي تقف خلف مطالبات الدستور أولاً، خاصة أن الأحزاب القديمة كانت مجرد ديكور علي المسرح السياسي في عهد النظام البائد، والأحزاب التي تمخضت عنها الثورة مازالت تحبوا ولم تبلغ من القوة ما يؤهلها لمصارعة الإخوان والسلفيين في حلبة المنافسة الجماهيرية علي مقاعد مجلسي الشعب والشوري، كما أن تلك المبادئ حل وسط سياسي في ظل تمسك تيار الإسلام السياسي بالانتخابات أولاً استناداً لشرعية الاستفتاء. رسالة أخري بعث بها البيان وهو التأكيد علي تمسك الجنرالات بخطة المرحلة الانتقالية التي تنتهي بتسليم البلاد لسلطة مدنية تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع، ورفض مطالبات تشكيل مجلس مدني، وهو ما يرتبط بالتصريح بأن هناك من يغلب مصالحه الشخصية علي المصلحة العليا للوطن. التأكيد علي دعم رئيس الوزراء عصام شرف يرد علي المطالبين بإقالته ويصوب رسالة أخري بشأن الخلاف بين شرف والمجلس خاصة مع توارد الأخبار التي تكشف عن رفض المجلس العسكري اعتماد قرارات إصلاحية سبق وان اتخذها رئيس الوزراء وربما تلك الأخبار تدخل ضمن ما وصفه البيان بالشائعات المضللة. نعم مصر كانت ومازالت وستظل مستهدفة، لدورها الإقليمي ومكانتها العربية والأفريقية والإسلامية، والأخطار الخارجية تزداد مع إشعال بؤر الصراع علي الحدود المصرية بداية بإسرائيل علي حدود سيناء وتواجدها في دولة جنوب السودان المنفصلة عن الشمال، وهي بالأمس أعلنت استعدادها دعم الدولة الوليدة اقتصاديا وعسكريا، بل الأخطر أن دولة الجنوب عينت لاجئاً سودانياً يقيم بتل أبيب أول سفير لها بدولة الكيان الصهيوني، وهو ما يعكس تمدد نفوذ العدو الأول لمصر علي طول حدودنا، و الأخطار الناجمة عن الصراع بين ثوار ليبيا ونظام القذافي علي الحدود الغربية، ومحاولات إسرائيل خلق موضع قدم بها لتطويق مصر من الغرب. كل ذلك يتطلب وحدة الصف وتقوية الجبهة الداخلية، والثورة لنهضة مصر اقتصاديا وسياسيا وعلمياً، عبر غرس الثقافة الإنتاجية، ووضع استراتيجيات قصيرة وطويلة المدي، تبدأ بتلبية المطالب المشروعة للضمير الوطني، وليس التهديد والوعيد. الشعب يحترم قواته المسلحة ويثق بها، لكن أيضا لا يمكنه التفريط في ثورته، فالثورة تفجرت لأسباب متراكمة وليست وليدة اللحظة وفي مقدمتها استشراء الفساد وتفشي الوساطة والمحسوبية، وتغييب معيار الكفاءة، والتمييز الاجتماعي والبطالة والقهر وتزوير الإرادة، واصطناع الدمي علي المسرح السياسي وكذلك المعارضة الوهمية، وعلي المجلس العسكري وحكومة الثورة العمل علي إزالة هذه الأسباب حتي يشعر المواطن بالتغيير، دون تباطؤ، ربما يقول البعض إن هذا يتطلب وقتاً، حسناً إذا كانت محاكمة قتلة الثوار تتطلب وقتا لضمان تحقيق العدالة، فما مبرر التباطؤ في صرف معاشات لأسر الشهداء، ولماذا تأخرت الحكومة في منح فرص عمل لذويهم ومنهم من ترك أطفالاً لا يجدون قوت يومهم، التباطؤ دفع أسرهم للاعتصام أمام ماسبيروا وعندما لم يعرهم أحد اهتماما 15 يوما كانت مدة زمنية كافية لكي يخطط فلول النظام لاستغلال سخطهم ويوغر صدورهم فكانت معارك الثلاثاء الشهيرة مع الشرطة. يا مجلسنا العسكري ويا حكومة ثورتنا أغلقوا الطريق علي المتآمرين بأن تشعروا المواطن بالتغيير عبر أفعال لا مجرد رسائل في البيانات.. ولتكن البداية إصدار مرسوم قانون يجعل الكفاءة هي المعيار الوحيد للترقي.. وآخر بإنشاء مجلس قومي لدعم المستثمر الصغير يتولي وضع دراسات الجدوي وتدريب الشباب علي ما يختارون العمل به من مشروعات ومنحهم القروض.. حمي الله مصر. [email protected]