كتبت أكثر من مرة عن منظومة الأجور في مصر، وأذكر في مقالاتي في نفس المكان تحت عنوان «ضآلة المرتبات بالدولة» في (8 ابريل 2010) و«أزمة تدني الأجور» في (15 ابريل2010)! وإذا كانت تلك المقالات كانت تتحدث عن الأجور المتدنية في مصر، بينما في نفس منطقة الأجر المتدني، توجد أجور بلا سقف معقول مما يشير إلي عدم وجود أية عدالة اجتماعية أو حتي «حصوة ملح في عين المسئولين»! وبعد قيام ثورة (25 يناير) وشعارها «العدالة الاجتماعية»، فلا يمكن بعد مرور أكثر من خمسة شهور مازالت الأوضاع تتردي في نفس البيئة غير الصحية من عدم التوازن، ولا يمكن للثورة أن تحقق أهدافها نحو تحقيق عدالة اجتماعية، أو حتي تطوير سبل الحياة وتحسين جودتها للشعب المصري قبل أن يكون هناك تغيير في المنظومة الاقتصادية بالكامل، تستوجب أولا وجود أجور متوازنة ومتعادلة، مع نسب التضخم السائدة في السوق عقب أحداث الثورة، وهذا منطقي! أجور تسمح بالعيش الكريم في مجتمع ننشد فيه العدالة والمساواة، ونطالب بمشاركة لكل أطياف الشعب في الحياة السياسية المصرية، وهذا لا يتأتي في ظل أجور متدنية، وسعي دائم للبحث عن استكمال للأجر، لقضاء حاجات الحياة الضرورية، سواء بعمل إضافي أو «بطلب» مقابل أداء الخدمة الرسمية. وهو ما يعرف بالفساد في التعريفات الحديثة، ويعرف عندنا في مصر «بالقهوة والشاي والحلاوة» فكلها مفردات «فهلوة» لاستكمال المنقوص من الأجر المتدني! كل هذه العاهات في المنظومة الاقتصادية المصرية، يعبر عنها بافتراش الشوارع والميادين من موظفي الدولة والحاصلين علي مؤهلات عليا ورواتبهم «حاجة تكسف» فإذا كان هذا الشيء المهين، جائزا قبل ثورة «25 يناير»، وشاهدناه، ونقدناه، وكتبنا عنه في حينه، ولم تتحرك الحكومة أو أية جهة مسئولة في نظام غاب عنه الوعي. فلا يجوز بعد الثورة أن تستمر هذه الأوضاع أو تبقي دون برنامج واضح محدد المدة وله جدول زمني لاختفائه! فلا يمكن الحديث عن خطة للنمو الاقتصادي من زوايا محددة ومنقوصة، فنحن نتوقع بعد أن يستقر الأمن وأن تتحرك عجلة الحياة في مصر أن نروج للاستثمار المباشر في أرجاء مصر، في مشروعات كبري كضفاف «قناة السويس» و«شمال سيناء»و«الوادي الجديد» و«حول بحيرة السد العالي»، وغيرها من مشروعات تحت نظر كل المهمومين بالشأن العام في مصر من علماء وساسة، وحتي أهل مصر من الطيبين، الكل يعلم بأن بلادنا تمتلك كل أدوات الازدهار والتقدم، وينقصها حسن الإدارة بجانب كل ذلك، نحن في أشد الاحتياج لتشريعات تساير المجتمعات المتقدمة اقتصاديا، وتحفز علي الاستثمار، وتعمل علي حرية حركة رأس المال، وسرعة التقاضي وكذلك نحتاج لتشريعات تحقق الخروج الآمن من السوق في حالة الافلاس، ونتحدث كذلك عن ضرورة تغيير شامل في منظومة التعليم، لكي يكون لدينا خريجون مناسبون لأسواق العمل، ونتحدث عن قوانين تنظم الحقوق بين العمل وأرباب العمل، ونتحدث عن قوانين تفصل بين حق الدولة وحق المستثمرين، وقانون ينظم مشاركة القطاع الخاص للحكومة في مشروعات البنية الأساسية والمشروعات القومية الكبري كما نتحدث عن دور قوي للدولة في «غابة الرأسمالية المتوحشة». كل تلك الأمور نحن في أشد الاحتياج لتدارسها، مع وضع حد أدني للأجور بين فئات العاملين بالدولة، بكل فئاتها، مع أهمية التنبيه علي كل القوي الوطنية في الساحة السياسية المصرية، وكذلك كتابنا في الإعلام والصحافة بأن نترك الماضي قليلا ونتحدث عن المستقبل كثيرا. نحن في أشد الاحتياج لمجموعة من الأفكار تساند أهل وأصحاب القرارالسياسي في البلاد نحو اتخاذ خطي متقدمة وأكثر سرعة للمستقبل كفانا «عك الماضي»!