هل هناك علاقة بين السلطة وطول العمر؟ لماذا يقرر شعب فجأة أن يتخلص من الاضطهاد ويتحرر من الخوف؟ ولماذا كانت نهاية النظام في هذه اللحظة؟ تساؤلات عديدة يطرحها الكاتب والإعلامي حمدي الكنيسي في كتابه الذي صدر قبل قيام ثورة 25 يناير بأيام معدودة رصد فيه أن الملوك والرؤساء العرب ينافسون في طول العمر أقرانهم في أمريكا وأوروبا رغم اختلاف الحياة والأجواء المحيطة بل إن طول العمر من نصيب أصحاب السلطة في العالم الثالث أكثر وأوضح. كشف الكنيسي أن «طول العمر» لأصحاب السلطة لا يرتبط ببقائهم فيها، لكن مفعولها يستمر ويمتد حتي بعد الابتعاد عنها حيث يتمتعون بالصحة والحيوية وهذا ليس مقصورًا علي الملوك والرؤساء فقط بل يمتد إلي رؤساء الوزارات والبرلمانات ومن يتمتعون بالسلطة العليا بصفة عامة. وبالرغم من تدني الرعاية الصحية ومستوي المعيشة في دول العالم الثالث يكون متوسط الأعمار في دولة كالصومال أقل من 50 عامًا، يعيش آدم عبد الله أول رئيس للصومال بعد الاستقلال حتي 99 عامًا، بينما يكون متوسط الأعمار في زيمبابوي 40 عامًا يصل عمر الرئيس موجابي إلي 86 عامًا ومازال يتحدي الظروف والمواقف داخل وخارج بلده. أورد الكتاب قائمة بأسماء زعماء العالم العشرة الأكبر سنًا حاليًا والتي نشرتها مجلة «فورين بوليسي» وهم: الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك السعودية، روبرت موجابي رئيس زيمبابوي، لبراسادا كوالا رئيس وزراء نيبال، عبدالله واد رئيس السنغال، حسني مبارك الرئيس المخلوع، صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، راؤول كاسترو رئيس كوبا، مواي كيبابي رئيس كينيا، مانوهاسينج رئيس وزراء الهند، شان شوي رئيس مجلس السلام والتطوير في بورما 96 عامًا». ويشير الكنيسي إلي أنه علي مدار ثلاثين عامًا لم يحدث أن مات وزير في فترة توليه للسلطة باستثناء عدد محدود منهم الدكتور عبد الهادي راضي وزير الري الذي تقلد منصب الوزارة وهو يعاني أساسًا من مرض السرطان، والدكتور جلال أبو الدهب وزير التموين لأسباب مماثلة، وهذا ينطبق علي رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء تحرير الصحف لأن كرسي السلطة يسمح لصاحبه بأطايب الحياة وملذاتها والصحة والعافية والرضا عن النفس والاستمتاع بما يتدفق علي أذنيه من مديح ومجاملات ولو كان ذلك مجرد «نفاق» إلا أنه يصدقه تمامًا فتزيد سعادته ويدلل الكاتب علي ذلك بما حدث مع الخليفة الأموي يزيد بن عبدالملك عندما استفتي بعض الفقهاء قائلاً: «هل يحاسب الله الخلفاء يوم القيامة علي أفعالهم؟» فأفتي له أربعون فقيهًا بأنه لا حساب علي الخلفاء يوم القيامة، وعندما تولي مبارك السلطة سأله مذيع قناة BBC سؤالاً لاستكشاف شخصيته، هل ستكون امتدادًا لعبدالناصر أم امتدادًا للسادات؟ فأجابه مبارك أنا اسمي حسني مبارك، ولم يكن لمبارك أي اهتمامات سياسية وكان كل تركيزه في الجانب المهني وقال مبارك في حوار تليفزيوني: «أقصي شيء أفكر فيه أن يتم تعييني سفيرًا في بلد مريح مثل انجلترا أعيش فيه قبل أن أصل إلي سن المعاش لكي استريح بعد المجهودات الضخمة والحياة في ثكنات عسكرية وبين رمال الصحراء دون أن أقضي وقتًا كافيًا مع أسرتي. وبعد أن حلف مبارك القسم كرئيس للجمهورية قال: «أنا لم أسع أن أكون رئيسًا، لقد قبلت هذا المنصب لأنه يحقق صالح بلدي.. أنا رجل ليس لي طموحات ولكن طموحات مبارك في الحكم تجاوزت الثلاثين عامًا وكان ينوي توريث ابنه جمال، وقال مقولته الشهيرة: «الكفن مالوش جيوب» وقال: مصر ليست سوريا ردًا علي سؤال عن التوريث. وقال رئيس تحرير مجلة «فورين بوليسي» إن قضية خلافة مبارك من بين الأزمات التي تنتظر الرئيس الأمريكي أوباما خلال عام 2010 كقنبلة موقوتة لا يعلم أحد متي ستنفجر.. وأضاف إن الخارجية الأمريكية غير مستعدة لغياب مبارك وسيصاب الدبلوماسيون الأمريكان بعده بحالة من التخبط. وإذا انتقلنا إلي ليبيا فسنجد الأخ العقيد معمر القذافي يفخر بأنه صاحب الرقم القياسي في البقاء علي كرسي السلطة.. ولقد انتقل القذافي من الخيمة إلي القمة مباشرة حيث رتب مع مجموعة من زملائه الضباط ليوم قريب يستطيعون فيه إطلاق الثورة في ليبيا وبعد أربع ساعات لا أكثر وبقوة لا تزيد علي مائة ضابط وخمسة آلاف جندي سقط النظام الملكي القائم وآلت السلطة والحكم لرجال ثورة الفاتح، والمعروف أنه حين تنجح أكثر المعادلات خطورة بأقل التضحيات تكلفة فإن محصلة التجربة تعطي الأحلام والطموحات مساحة تتجاوز قدرة الحقائق علي بلوغها لأن ثقافة المصادفة تختلف عن ثقافة القانون خاصة إذا كان قانون القوة، وإذا كان القذافي قد احتل موقع «الأقدم» بين الحكام العرب فإنه قد احتل المركز الرابع بين أسوأ عشرة رؤساء في العالم «الأسوأ مظهرًا» في التصنيف الذي أعدته مجلة «تايم» الأمريكية اعتمادًا علي ملابس هؤلاء الزعماء لاصطحابه الحيوانات والاقامة في خيام بسبب خوفه من المباني واتخاذ حرس خاص من النساء ويرتدي سترات من الحرير ملونة بألوان قوس قزح وملابس من جلود الحيوانات التي يرمز بها إلي ارثه الأفريقي.. وفي اليمن بدأ علي عبدالله صالح مشواره إلي السلطة من رتبة شاويش «رقيب» أو مجرد صف ضابط حتي وصل إلي رتبة «مشير» لما أظهره من شجاعة في الدفاع عن الثورة والجمهورية وأصبح عضوًا لمجلس رئاسة الجمهورية في 24 يونيو 1978 واستطاع تحقيق الوحدة بين شطري اليمن في مايو 1990 .