سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 4-6-2025 مع بداية التعاملات    انخفاض أسعار النفط بعد زيادة إنتاج مجموعة أوبك+    كامل الوزير: 70% نسبة تنفيذ الخط الأول من القطار السريع والتشغيل التجريبي يناير 2026    بعد نجاحها في ضرب العمق الروسي، بريطانيا تتعهد بتسليم كييف 100 ألف مسيرة    بينهم 3 أطفال.. مقتل 4 وإصابة 28 في هجوم روسي على أوكرانيا    السيسي يتوجه اليوم إلى أبو ظبي للقاء نظيره الإماراتي    علي الهلباوي يحتفل مع جمهوره بعيد الأضحى في ساقية الصاوي    رشوان توفيق عن الراحلة سميحة أيوب: «مسابتنيش في حلوة ولا مرة»    طقس عيد الأضحى 2025 .. أجواء غير عادية تبدأ يوم عرفة وتستمر طوال أيام التشريق    رابط نتيحة الشهادة الإعدادية 2025 بالاسم ورقم الجلوس في الجيزة    تشكيل البرتغال المتوقع أمام ألمانيا في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية    بكام الطن؟ أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    اليوم.. ترامب يضاعف الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم بنسبة 50%    تنسيق 2025.. هؤلاء الطلاب مرشحون لجامعة "ساسكوني مصر"    رسميا.. رفع إيقاف قيد الزمالك    ظهور وزير الرياضة في عزاء والدة عمرو الجنايني عضو لجنة التخطيط بالزمالك (صور)    كامل الوزير: "ما زعلتش إن زيزو راح الأهلي".. وأتمنى احترافه بالخارج    «إنتوا هتجننونا».. خالد الغندور ينفعل على الهواء ويطالب بمنع زيزو من المشاركة مع الأهلي في المونديال    كامل الوزير: تذكرة المونوريل بنصف تكلفة بنزين السيارة    الدولار ب49.62 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 4-6-2025    "مايكل وملاكه المفقود" لهنري آرثر جونز.. جديد قصور الثقافة في سلسلة آفاق عالمية    مصرع وإصابة 17 شخصا في انقلاب ميكروباص بالمنيا    حبس مقاول و4 آخرين بتهمة التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    إصابة 14 شخصًا في انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوى الغربى بأسيوط    مشعر منى يتزين ب«الأبيض» بقدوم حجاج بيت الله في يوم التروية الآن (فيديو)    مقتل محامٍ في كفر الشيخ.. ووكيل النقابة: اعتداء وحشي    اليوم.. مجلس الأمن يعتزم التصويت على قرار لوقف حرب غزة    ليلى علوي تنعى الفنانة سميحة أيوب: "كانت الأم المشجعة دايمًا"    موعد أذان فجر الأربعاء 8 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    «احنا الأهلي».. رد صادم من ريبيرو على مواجهة ميسي    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة كريت اليونانية الآن (بؤرة الزلازل)    تحذير إسرائيلي لسكان غزة من التوجه إلى مراكز توزيع المساعدات    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    دعاء النبي في يوم التروية.. الأعمال المستحبة في الثامن من ذي الحجة وكيفية اغتنامه    «حسبي الله فيمن أذاني».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل برسالة نارية    90.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رئيس حزب الجيل: إخلاء سبيل 50 محبوسًا احتياطيًا من ثمار الجمهورية الجديدة    يُعد من الأصوات القليلة الصادقة داخل المعارضة .. سر الإبقاء على علاء عبد الفتاح خلف القضبان رغم انتهاء فترة عقوبته؟    للتنظيف قبل العيد، خلطة طبيعية وآمنة لتذويب دهون المطبخ    تعرف على أهم المصادر المؤثرة في الموسيقى القبطية    الهلال يسعى لضم كانتي على سبيل الإعارة استعدادا لمونديال الأندية    تأخر شحنة مهمة ينتظرها وعطل في المنزل.. برج العقرب اليوم 4 يونيو    تامر حسني: «زعلان من اللي بيتدخل بيني وبين بسمة بوسيل ونفسي اطلعهم برة»    أبرزهم شغل عيال وعالم تانى.. أفلام ينتظر أحمد حاتم عرضها    مي فاروق توجه رسالة نارية وتكشف عن معاناتها: "اتقوا الله.. مش كل ست مطلقة تبقى وحشة!"    مسلم يطرح أحدث أغانيه "سوء اختيار" على "يوتيوب"    حملات مكثفة على المنشآت الغذائية استعدادًا لعيد الأضحى المبارك بالمنوفية    رئيس الأركان يعود إلى مصر عقب انتهاء زيارته الرسمية إلى دولة رواندا    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد شراكة وتطوير لإطلاق مدينة «جريان» بمحور الشيخ زايد    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    البيت الأبيض: ترامب سيشارك في قمة الناتو المقبلة بهولندا    بمكون منزلي واحد.. تخلصي من «الزفارة» بعد غسل لحم الأضحية    رجل يخسر 40 كيلو من وزنه في 5 أشهر فقط.. ماذا فعل؟    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    لأول مرة.. الاحتلال يكشف أماكن انتشار فرقه فى قطاع غزة..صورة    ماهر فرغلي: تنظيم الإخوان في مصر انهار بشكل كبير والدولة قضت على مكاتبهم    هل تكبيرات العيد واجبة أم سنة؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» الحلقة الثانية تفاصيل اللقاءات «السرية» بين مرشد الإخوان «والسفارة الأمريكية»!

بالتزامن مع تأسيس «قسم الاتصال بالعالم الإسلامى» داخل الجماعة؛ كان «التنظيم» مُهيًّأ، إذ ذاك؛ لاحتضان أحد نجومه «الجدد»، ممن سيرسمون – إلى حدٍّ بعيد – خريطة انتشاره العالمي، إذ كان هذا النجم الجديد، «سعيد رمضان» صهر مرشد الجماعة المؤسس (حسن البنا).
كان «سعيد رمضان» قد التحق بكلية الحقوق بالعام 1942م، بعد التحاقه بجماعة الإخوان.. وكان من العناصر الإخوانية «النشطة» داخلها، حينذاك.. إذ يُقال إنه كان خطيبًا مفوهًا.. ويبدو – وفقًا لرواية حكاها القيادى الإخوانى الراحل «د.حسان حتحوت»، أن «الجماعة»، رأت أن قدراته الخطابية تلك، يجب أن تُنمّى؛ للاستفادة منها فى وقتٍ تالٍ، إذ يقول «حتحوت»:
(جاء «سعيد رمضان» من طنطا؛ لكى يدخل كلية الحقوق، فكان خطيبا مفوها، وكثُرَ الطلبةُ عليه، وأصبح يلقى الخطب والمحاضرات.. فذهبت إلى الأستاذ البنا وقلت له: سعيد رمضان يستقر فى بيته حتى يأخذ الليسانس والماجستير والدكتوراه، ثم يُخلى بينه وبين الناس، وكانت الجملة التى قلتها له: «إن مفكراً واحداً خير للدعوة من ألف جندى»).
وبعد أن أنهى «رمضان» دراسته بالعام 1946م، كان أن اختاره «البنا» سكرتيرًا خاصًا له؛ نظرًا لثقته به.. وأكثر ما يعكس تلك الثقة، بشكل كبير، كان قرار «البنا» بتزويجه من كبرى بناته (وفاء).. وهو ما جعله، متداخلاً، بشكل أعمق، مع الرجل، وكاتمًا لأسراره.. كما أسند له، أيضًا، بعد عام من تخرجه، مهمة إدارة (مجلة الشهاب) التى كانت تصدرها الجماعة.
ومن موقع «كاتم أسرار المرشد الأول للجماعة»؛ لم يكن الدور الذى لعبه «سعيد رمضان» قبل اغتيال «حسن البنا» منفصلاً عن الإطار العام الذى يتحرك داخله الشيخ.. فمن منطلق الثقة التى أسندها «البنا» لسعيد رمضان؛ كان أن أصبح الرجل أشبه ب«سفير متجول» لرأس التنظيم.. يرسله الشيخ هنا، أو هناك؛ للالتقاء بالوفود العربية، أو ممثلى حكومات تلك الدول بالخارج، متحدثًا بلسان «البنا» ودعوته.
وفى هذا السياق؛ أرسله «البنا» فى مهمة خاصة للقدس؛ لتأسيس فرع للجماعة هناك.. وأثناء تواجده هناك، قام الملك عبد الله بتعيينه - بناء على توصية من الحاج أمين الحسينى «مفتى القدس» - رئيسا للفرقة العسكرية هناك.. وخلال فترة الاضطراب التى عاشتها الجماعة قبل قرار حلها بالعام 1948م، كان «سعيد رمضان» أحد المطلوبين أمام القضاء.. فتوجه نحو «العراق»، حيث كانت دعوة الجماعة (عبر الشيخ الصواف)، قد بدأت فى تكوين نواة جيدة هناك.. وبعد أن طالبت الحكومة المصرية نظيرتها «العراقية»، وقتئذ، بتسليمه، استقر القرار على أن يتوجه نحو «باكستان».
** * **
ففى تلك الأثناء (أى: خلال أحداث العام 1948م)؛ مثّل «قرار حل الجماعة»، منعطفًا حقيقيًّا للتنظيم، إذ كشفت التحقيقات، التى صاحبت «قرار حل الجماعة» - بشكل كبير - عن «الجانب الأكثر عنفًا» من أفكار الجماعة، ولجوئها لتصفية «خصومها» إذا لزم الأمر.
فواقعة اغتيال الجماعة للنقراشى باشا، لم تعد – بحسب العديد من الشهادات الإخوانية - محل جدل تاريخى.. فمن اغتاله هو «النظام الخاص».. وهو جهاز أسسه «البنا»، خلال الفترة ما بين نهاية الثلاثينيات، وبداية الأربعينيات.. وهى الفترة التى شهدت أوضاعًا سياسية «مُرتبكة» بين القصر والإنجليز، إذ كان من بين نتائجها؛ إجبار الإنجليز «الملك فاروق» على حل حكومة «على ماهر»، وتشكيل وزارة جديدة .. أى أن بذرة «الجهاز الخاص» وضعت قبل أن تتخذ «القضية الفلسطينية»، وضعها المتأزم بإعلان قرار التقسيم بالعام 1948م (وهى الحجة التى يبرر بها الإخوان – دائمًا – سبب تأسيس الجهاز الخاص!).
.. وترجع أحداث تلك الفترة إلى يناير من العام 1948م، إذ عثرت «قوات الأمن» على نحو 165 قنبلة، وصندوقًا للأسلحة ب«منطقة المقطم»، فى أعقاب معركة ساخنة جمعت بين قوات البوليس وشباب الإخوان.. وكان أن ادعى «الإخوان» أن الأسلحة كانت فى طريقها إلى فلسطين.
.. وبعد هذه الواقعة بشهر واحد فقط، اغتالت الجماعة القاضى «أحمد الخازندار»، إذ كان قد أصدر حكمًا بالسجن على شابين من «الجماعة»، كانا قد تم اتهامهما بإلقاء قنابل على نادى الضباط الإنجليز بالقاهرة ليلة عيد الميلاد.. وفى شهر نوفمبر - بعد سلسلة من التفجيرات التى شهدتها العاصمة بين المحلات الكبرى المملوكة لليهود، مثل: شيكوريل، وأريكو، وبنزيون؛ اشتبهت دورية شرطة فى سيارة «جيب» كانت تقف أمام أحد المنازل ب«حى الوايلى»، إذ لم تكن تحمل أرقامًا .. ووجِد بها كمية كبيرة من المتفجرات، والأوراق، تخص «النظام الخاص» بالجماعة.
.. وهو الأمر الذى دفع حكومة «النقراشى»؛ لإصدار الأمر العسكرى رقم 63 لسنة 1948 بحل جمعية «الإخوان» وجميع شعبها.. وبعد 20 يومًا، فقط، على قرار الحل؛ كان أن أطلق «عبدالحميد أحمد حسن»، عضو النظام الخاص، النار على «رئيس الوزراء»، وأرداه قتيلاً أمام وزارة الداخلية.. وهو ما انتهى ب«اغتيال البنا» نفسه، كرد فعل مباشر على نهج جماعته الدموى.
ومن ثمَّ.. مرت الجماعة بعد اغتيال «حسن البنا» بمنعطف شديد، إذ ارتبكت خلاله الحسابات كافة.. وباتت الجماعة من الداخل أشبه بالجزر المقسمة، إذ اشتد الصراع على من يخلف الرجل فى موقعه.. وكان من الطبيعى، فى ظل قرار الحل، وخلو موقع المرشد أن تتأثر العديد من اللقاءات التنظيمية، ومنها «اجتماعات قسم الاتصال».. وإن كانت «النبتة الإخوانية»، قد واصلت نموها (عربيًا، وإسلاميًّا) عبر من تم استقطابهم نحو الفكرة، خلال السنوات السابقة لتلك الأزمة.
** * **
فيما كان العديد من «الدراسات التاريخية»، التى تعرضت للعلاقات الدولية الخاصة بالجماعة (فيما قبل اغتيال «حسن البنا»)؛ يقطع بأن ثمة «علاقة واضحة» بين ظهور الجماعة، من حيث الأصل، ودعمها من قبل قوات الاحتلال الإنجليزي، عبر برنامج أدارته – وقتئذ - «الاستخبارات البريطانية».. تبدو العلاقة بين الجماعة نفسها، والولايات المتحدة الأمريكية (وريثة الإمبراطورية البريطانية)، فيما بعد «اغتيال البنا» – أي: منذ بداية الخمسينيات – أكثر ظهورًا، وتأكيدًا.. إذ بدأت «الولايات المتحدة» فى مد قنوات الاتصال، بشكل «عميق» مع الجماعة، عبر أكثر من مستوى، وعبر أكثر من حلقة.. وكانت «الحلقة الأولى»، هى سعيد رمضان «صهر البنا، نفسه».. أما «الحلقة الثانية» – وهى حلقة لم تحظ، سوى بعملية رصد «واحدة»، فيما أعلم! – فكانت عبر المستشار «حسن الهضيبى»، الذى خلف البنا فى موقعه (!)
فمن «القدس» الّتِى زارها «سعيد رمضان» خلال النصف الثانى من الأربعينيات، إلى «باكستان» الّتِى شارك بها فى أول اجتماعات المؤتمر الإسلامى ب«كراتشى» فيما بين العامين (1949 1951)؛ لتأسيس نواة إسلامية تمثل «حائط صد» لقوى اليسار «الصاعدة» فى ذلك الحين.. كان أن فتح هذا الأمر الطريق أمام الرجل للتقارب مع الولايات المتحدة، وقت رئاسة أيزنهاور، إذ كانت تسعى هى الأخرى (أي: الولايات المتحدة) خلف الهدف نفسه. (1).. إذ أدى هذا التقارب إلى أن يحل «صهر البنا» ضيفًا على «البيت الأبيض» ذاته (!)
وبحسب روبرت دريفوس (2)؛ لم يكن ذهاب سعيد رمضان للبيت الأبيض بالعام 1953م صدفة.. فقد ذهب رمضان لأمريكا؛ للمشاركة بمنتدى كانت قد أقامته جامعة «برنستون» عن الثقافة الإسلامية، بمشاركة عدد من كبار المستشرقين، مثل: فيليب هيتي، وكويلر يانج، وبايلى ويندر، وويلفريد كانتويل، وريتشارد نيلسون، وكينيث كريج.
وهو المنتدى الّذِى وضع برنامجه، الكونجرس الأمريكي، إذ كانت الحكومة الأمريكية تستهدف من المؤتمر - الّذِى لم تتم الدعوة له اعتباطًا - استدعاء مشاركين ترى إمكانية تعاونهم معها، بنحوٍ يعود بالفائدة على سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، والعالم الإسلامى.
وأسهمت إدارة المعلومات الدولية التابعة للخارجية الأمريكية، فى تمويل المؤتمر، متحملة تكاليف الانتقال من الشرق الأوسط للولايات المتحدة.. وكانت إدارة المعلومات- حينئذ - لا تزال حديثة النشأة، إذ تم تأسيسها فى العام 1952م، تحت غطاء وزارة الخارجية، ثم أُلحقت بوكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A) فى العام 1953م (أي: بالعام الّذِى أقيم فيه المؤتمر)؛ لأغراض استخباراتية، منها دعم برنامج «مواجهة الشيوعية».
ووفقا لإحدى وثائق أرشيف الأمن القومى الأمريكى، الصادرة بتاريخ 30 إبريل 1953م؛ فإنَّ المؤتمر يبدو من على السطح؛ كأنه نوع من التعليم والتعلم.. وهذا هو الانطباع المطلوب عنه.. لكن المؤتمر كان يهدف إلى جمع شخصيات لها تأثير ملحوظ فى توجيه الرأى العام، داخل المجتمعات الإسلامية، وعلى مستويات: القانون والفلسفة والتعليم والسياسة، إذ إن المطلوب هو (توجيه) الحراك بالشرق الإسلامى من داخل الإسلام نفسه (!)
.. وهو ما كان صحيحًا إلى حدٍ بعيد، إذ استطاعت الولايات المتحدة أن تُجَيِّش داخل عدد من البلدان العربية من يتصدون عبر الفروع المعرفية السابقة، والأنظمة الحليفة؛ لمواجهة الشيوعية.
وتشير وثيقة (3)، صادرة عن السفير الأمريكى بالعراق فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى «بيرتون بيرى» عن برنامج «Brain washing» إلى أن الدكتور محمد فاضل الجمالى- كان رئيسًا لمجلس النواب العراقى - أخبر أحد أعضاء السفارة، أنه تم تكليفه من قبل الحكومة بإعطاء محاضرات ضد الشيوعية لطلاب الجامعة، ممن تم إرسالهم إلى معسكرات صيفية فى شمال العراق. . وتم التأشير على الوثيقة المؤرخة فى 26 مايو 1953م - الّتِى كانت جزءًا من البرنامج، نفسه، الّذِى شارك به رمضان - بضرورة إرسال نسخ منها إلى عَمَّان (الأردن)، وبيروت، والقاهرة، ودمشق، وجدة، والقدس، وتل أبيب.. فضلاً عن أنقرة وباريس ولندن (!)
** * **
أما حلقة «الاتصال الثانية»، مع «الإدارة الأمريكية» (أي: حلقة المستشار الهضيبى)، فقد بدأت تؤتى أُكلها، فى أعقاب انتخاب «الهضيبي» مرشدًا عامًا للجماعة – بشكل رسمى – فى العام 1951م، مباشرةً (!)، إذ كان الفضل الأول – وربما الأخير! – فى كشف غموض تلك العلاقة، يرجع لأستاذ التاريخ الراحل «د. رءوف عباس» فى كتابه «المهم»: (شخصيات مصرية فى عيون أمريكية).. وهو كتاب – رغم أهميته – لم ينل ما يستحقه (!)، إذ أتاحت «المنحة» التى وفرتها «الجامعة الأمريكية بالقاهرة» للمؤرخ الراحل بالعام 1995م - وقت أن كان يُحاضر بها – الاطلاع على الأرشيف القومى الأمريكي، ووثائقه «غير المعلنة» خلال الفترة ما بين عامي: 1951م، و1953م.
وكان من بين الوثائق، التى ضمّنها «د. رءوف» كتابه، تقريرٌ «مُجمّعٌ» عن «المستشار الهضيبي» بالعام 1953م، عرف طريقه نحو الإدارة الأمريكية – وقتئذ – عبر السفارة الأمريكية بالقاهرة.
بدأ «التقرير» (4)، بسيرة ذاتية «تقليدية» لمرشد الإخوان، تعرضت لنشأته ب«شبين القناطر – قليوبية»، وتركه دراسته بالأزهر؛ لدراسة الحقوق.. وظروف تعلقه بدعوة الإخوان فى العام 1944م، وصلته القوية بمرشد الجماعة المؤسس (حسن البنا).. ثم يدلف التقرير نحو أحداث العام 1950م.. وهى الأحداث التى شهدت بزوغ نجم «الهضيبى» داخل الجماعة، إذ يقول: فى 5 فبراير 1950م - بعد عودة الوفد إلى الحكم - قرر مجلس الوزراء إلغاء معظم مواد قانون الأحكام العرفية الذى كان ساريًا منذ بداية حرب فلسطين. عندئذ استأنف الإخوان نشاطهم علنا، رغم أن الوضع القانونى للجماعة ظل غامضًا، حتى سقطت آخر بنود قانون الأحكام العرفية فى 5 مايو من العام 1951م.. وكان الهضيبى قد اختير فى أكتوبر من العام 1950م؛ لخلافة «البنا» فى منصب المرشد العام، ولكن مجلس شورى الجماعة لم ينعقد حتى 18 أكتوبر بالعام 1951م؛ ليتم انتخابه رسميًّا) (5).
ويتابع: ولما كانت جماعة الإخوان قد عانت من الانقسام إلى عدة مجموعات.. ولأنها تطورت تحت القيادة الشخصية للشيخ حسن البنا؛ فقد كان الاتفاق على من يخلفه فى القيادة أمرًا بالغ الصعوبة.. ولم يكن للهضيبى نفوذ بين صفوف الجماعة يزكى انتخابه مرشدًا عامًا، كما لم يكن له أتباع.. وكان من المرجح أن يختار حسن البنا نفسه الشيخ حسن الباقورى (وزير الأوقاف الآن) ليخلفه فى منصب المرشد العام.. لكن «الباقورى» رفض قبول المنصب عندما اُغتيل البنا (6).
ويذكر «التقرير»: فى 20 نوفمبر 1951م (أى: بعد انتخابه بشهر، فقط)؛ قابل الهضيبى الملك فاروق، وقد أثارت المقابلة الدهشة لما هو معروف عن الملك وحزب الوفد (الذى كان فى الحكم) من معارضة للإخوان.. ولعل الملك الذى كان يتطلع إلى التخلص من حكومة الوفد أراد أن يُحسّن علاقته ب«الإخوان»، حتى يضمن مساندتهم له عند الحاجة.. ولعل الهضيبى أراد – من ناحية أخرى – أن يُحسّن مركزه عند القصر، على أمل أن يساعد ذلك على إنهاء «حملة الحكومة» ضد «الإخوان»، وإطلاق سراح المسجونين منهم.
ووفقًا لأحد المصادر السرية (للسفارة الأمريكية) عرض الهضيبى على الملك ما يعانيه الإخوان من المتاعب، واقترح أن توقف الحكومة حملتها ضد الإخوان، وأن يطلق سراح المسجونين منهم، وأن يسمح بتمثيل الإخوان فى الحكومة.. وعرض فى مقابل هذه التنازلات «أن يقسم كل أخ مسلم يمين الولاء للملك».
ويُعلّق، هنا، كاتب التقرير: «لعل هذا التقرير صحيحًا، فيما عدا ما جاء به من طلب الهضيبى أن يسمح بتمثيل الإخوان فى الحكومة، فالإخوان منقسمون إلى عدة فصائل منذ مقتل الشيخ البنا، يختلفون مع بعضهم البعض حول تفسير برنامج الجماعة والوسائل التى يمكن اتباعها؛ لتحقيق أهدافها.. والعناصر الأكثر تطرفا التى يقودها صالح عشماوى، قد تُفضّل أن تلعب الجماعة علنا دور الحزب السياسى.. والهضيبى يذهب إلى أن جماعة الإخوان، رغم أن مبادئها الدينية تتضمن أهدافًا سياسية، إلا أنها جماعة دينية».
مضيفًا: والهدف الأسمى لجماعة الإخوان - الذى يؤمن به أعضاؤها، وجميع قادتها - هو أن تتولى حكم مصر.. لكن الهضيبي، وأتباعه يرون «ضرورة الانتظار»، حتى تحصل الجماعة على تأييد أغلبية المصريين قبل إقدامها على اتخاذ «موقف صارم»؛ لتطبيق برنامجها تطبيقًا تامًا.. وذلك حتى لا تضطر إلى اتخاذ «مواقف توفيقية»، أو تتعرض للفشل(7).
وبين سطور التقرير «المهم» (كان فى نحو 6 صفحات، كاملة)؛ يُمكننا أن نستشف شيئًا من مضمون «الاتصالات» التى كانت تجريها – بشكل مباشر – السفارة الأمريكية بالقاهرة، مع المستشار «حسن الهضيبي» نفسه.. وهى اتصالات كانت تتم عبر مستشار السفارة نفسه (!).. كما أنها كانت تستهدف – فى أحد جوانبها – استكشاف موقف مرشد الجماعة الجديد من «الاتحاد السوفيتي»، ومدى قابلية توظيف الجماعة فى «برنامج مواجهة الشيوعية»، الذى كانت تديره «وكالة الاستخبارات المركزية» حينئذ (!)، إذ يقول التقرير:
(لا يبدو الهضيبى معارضًا قويًّا للاتحاد السوفيتي، رغم معارضته للشيوعية باعتبارها «تتناقض مع مبادئ القرآن».. ففى حديث دار بينه، وبين مستشار السفارة (الأمريكية) قال: «إن روسيا لم تؤذ مصر، ولكن بريطانيا ألحقت بها الأذى»).
لكن.. لم يكن ما قاله «الهضيبي» لمستشار السفارة الأمريكية – وفقًا لشواهد الأحداث التالية - يقطع بعدم مشاركة الجماعة بالبرنامج الذى كانت تسعى لتنفيذه «الإدارة الأمريكية»، إذ بعد ذلك اللقاء بشهورٍ قليلة، عرف «سعيد رمضان» طريقه نحو «البيت الأبيض» لتمثيل الجماعة بالمشروع ذاته (!)
ونكمل لاحقًا...
هوامش
(1)
هانى عبدالله، «كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولي» – مركز الأهرام للنشر (مؤسسة الأهرام)، 2015م.
(2)
Ropert Dreyfuss “ DEVIL'S GAME “ how the united states helped unleash fundamentalist Islam .
(3)
تم نشر الوثيقة، بكتابنا «كعبة الجواسيس» (مصدر سابق).
(4)
وفقًا للدكتور «رءوف عباس»، كان عنوان الوثيقة بالأرشيف القومى الأمريكي، كالآتى :
USNA, Confidential Biographic Data, DOS 774.521/2-553, Cairo, February 5, 1953
(5)
رءوف عباس (دكتور)، «شخصيات مصرية فى عيون أمريكية» – دار الهلال- القاهرة، 2002م.
(6)
رءوف عباس (مصدر سابق).
(7)
رءوف عباس (مصدر سابق).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.