عودة «الأصولية» إلي الظهور في الحياة السياسية المصرية، تنذر بخطر شديد، دون مواراة أو التفاف حول الأهداف النبيلة المعلنة من المتحدثين باسم هذه الجماعات، والتي تحول بعضها إلي أحزاب سياسية، وجماعات متشددة أعلنت وبصراحة شديدة عن توجهاتها السياسية، وخلط الدين بالسياسة، بل الأكثر من ذلك، تلك الفتوي التي قرأنا عنها، بتكفير كاتب وناشط سياسي ليبرالي محترم، هو الدكتور «خالد منتصر»، وبجانب أنه طبيب متميز إلا أنه بجانب تميزه المهني فهو مثقف مصري يشار إليه بالبنان. وذلك فقط لأنه أعلن في برنامج «مني الشاذلي» الإعلامية المتميزة بأن لا علاقة بين (الله والسياسة)! وإن كان القصد أن السياسة فيها كل أنواع وأساليب التعامل المدني، من كذب وإفتراء و«ميكيافيللية» في بعض تصرفات الساسة والسياسة، فهذا لا يتفق مع عقائد السماء وهي الأديان السماوية وعلي رأسه الدين الإسلامي الحنيف. إلا أن دفاعه وإظهاره وجهة نظره، لم يرحمه أو ينقذه من إصدار فتوي ظالمة، سوف يأخذ بالقطع إلي مواقف مشابهة سابقاً، قتل فيها «د. فرج فودة» وأصيب بها الكاتب الكبير المرحوم «نجيب محفوظ» بسكين في رقبته من مسلم (جاهل) لم يقرأ ورقة من كتب نجيب محفوظ! هكذا تقودنا «الأصولية» والتي تعود إلي الاستخدامات المطاطية في الأديان التي تسعي للعودة إلي الأصول العقائدية، ولعل «الأصولية المسيحية» خاصة تلك «البروتستانتية» التي تؤمن بالوحي الحرفي للكتاب المقدس، والتي ظهرت بشدة عام 1930 كرد فعل للحركات التحررية التي نادت بنقد الكتاب المقدس، كما دعت بعض تلك الجماعات الأصولية إلي المجيء الثاني (للسيد المسيح) و(الملك الألفي) أي ملك السيد المسيح ألف عام علي الأرض، ومن هنا دعمت تلك الجماعات (دولة إسرائيل) منذ إنشائها.. وقبل ذلك دعت إلي ظهورها كدولة! أما الأصولية الإسلامية فتؤمن بأن نهضة المجتمع الإسلامي لا تكون إلا من خلال العودة إلي المبادئ والممارسات الأولي للإسلام. وأري ويري غيري أن ظهور هذه الحركات «الأصولية الإسلامية» هي رد فعل للتراجع السياسي والاقتصادي في مصر، بل والعالم العربي كله، ولعل تأكيد «الأصولية الإسلامية» علي أهمية التفسير الحرفي لنصوص (القرآن الكريم) والتمسك بالسنة النبوية. ونحن أمام جدال شديد حول وصف الإسلام السياسي بأنه «أصولية» حيث في عالمنا الإسلامي، تدل «الأصولية» علي معان مختلفة، فهي أحياناً تشير إلي «من يرغبون في تطبيق تقاليد دينهم القديمة علي الواقع السياسي المعاصر» كما أن البعض يفسر ذلك علي أن «الأصولية» هي حركة سياسية لا ترغب في استعادة الماضي وإنما تسعي لخلق مجتمع جديد مؤسس علي مبادئ الإسلام. وهناك استخدام آخر مثير للجدل لمصطلح (الأصولية) حيث يستخدم للإشارة إلي علماء الدين الإسلامي، ويزعم «محمد عمارة» أن «الأصولية المسيحية» لديها نظرة رجعية سلفية معادية للعقل، بينما «الأصوليون» المسلمون هم علماء مبدعون، يسعون للتطور ويسهمون في الثقافة، وهكذا نجد ويتضح لنا ما في هذه المصطلحات (الأصولية) و(الأصولي) من تعقيد وارتباك، في مجتمع يعيش فيه «المصريون الأقباط»، منهم المسلمون ومنهم المسيحيون لذا وجب أن نأخذ منهاج الدولة المدنية «فالدين لله والوطن للجميع»!